بسر بن أبي أرطاة العامري











بسر بن أبي أرطاة العامري



أرسله معاوية عام (40 ه) علي رأس جيش من ثلاثة آلاف مقاتل و أوصاه بوصية کشفت عن جوهر معاوية الحقيقي: حيث«وجهه إلي اليمن، و أمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مکة حتي ينتهي إلي اليمن، و قال له:

لا تنزل علي بلد أهله علي طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانک[1] ، حتي يروا أنه لا نجاة لهم منک و انک محيط بهم، ثم اکفف عنهم و ادعهم إلي البيعة لي، فمن أبي فاقتله، و اقتل شيعة علي حيث کانوا»[2] .

و قد نفذ بسر أوامر سيده معاوية بحذافيرها و زاد عليها فظائع و جرائم لينال الحظوة لديه، ف«أقبل يتتبع کل من کان له بلاء مع علي أو کان من أصحابه، و کل من أبطأ عن البيعة[بيعة معاوية]فأقبل يحرق دورهم و يخرجها و ينهب أموالهم».

و کان الذي قتل بسر في وجهه ذاهبا و راجعا ثلاثين ألفا، و حرق قوما بالنار، و قال الشاعر و هو يزيد بن مفرغ:

إلي حيث سار المرء بسر بجيشه

فقتل بسر ما استطاع و حرقا[3] .

و عند ما توجه إلي حضرموت قال: «أريد أن أقتل ربع حضرموت»[4] .

و يظهر أن معاوية کان يعلم تماما نفسية بسر الاجرامية فانتدبه لهذه المهمة التي تسخط الله و رسوله (ص).

ثم سار إلي اليمن و کان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلي، فهرب منه إلي علي بالکوفة، و استخلف علي علي اليمن عبد الله الحارثي، فأتاه بسر فقتله، و قتل ابنه، و أخذ ابنين لعبيد الله بن عباس صغيرين هما: عبد الرحمان و قثم فقتلهما، و کانا عند رجل من کنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الکناني:

لم تقتل هذين و لا ذنب لهما؟فإن کنت قاتلهما فاقتلني معهما، فقتله و قتلهما بعده.

فخرجت نسوة من بني کنانة فقالت امرأة منهن: يا هذا! قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟و الله ما کانوا يقتلون في الجاهلية و الاسلام، و الله يا ابن أبي أرطاة، ان سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير و الشيخ الکبير و نزع الرحمة و عقوق الأرحام لسلطان سوء.

و قتل بسر في مسيره ذلک جماعة من شيعة علي باليمن.

ثم ذهب إلي المدينة هاربا عند ما أرسل له الإمام علي جيشا ليقاتله و يمنعه من ذبح المسلمين، أما ام الصبيين اللذين ذبحهما بسر بن أبي أرطاة فقد رثتهما بشعر قال ابن الأثير عنه انه مشهور، حيث هامت علي وجهها بعد أن اصيبت بلوثة في عقلها و ظلت تردد هذا الشعر حتي ماتت:


يا من أحس بابني اللذين هما
کالدرتين تشظي عنهما الصدف


يا من أحس بابني اللذين هما
مخ العظام فمخي اليوم مزدهف


يا من أحس بابني اللذين هما
قلبي و سمعي، فقلبي اليوم مختطف


من ذل و الهة حيري مدلهة
علي صبيين ذلا إذا غدا السلف


نبئت بسرا و ما صدقت ما زعموا
من إفکهم و من القول الذي اقترفوا


أحني علي و دجي ابني مرهفة
من الشفار، کذاک الإثم يقترف


فلما سمع أمير المؤمنين (ع) بقتلهما جزع جزعا شديدا و دعا علي (بسر) فقال: «اللهم اسلبه دينه و عقله، فأصابه ذلک و فقد عقله فکان يهذي بالسيف و يطلبه، فيؤتي بسيف من خشب و يجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه و لم يزل کذلک حتي مات»[5] .









  1. أي أن يخوفهم و يرعبهم و يهددهم لأنهم في طاعة علي (ع).
  2. الثقفي/الغارات/ص 598.
  3. الثقفي/الغارات/ص 640 و 653، ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 2/ص 17.
  4. الثقفي/الغارات/ص 631.
  5. ذکر بعض فظائع هذا السفاک الأثيم ابن الأثير في الکامل في التاريخ/ج 3/ص 385/حوادث سنة (40 ه)، و عليه اعتمدنا في نقل النص أعلاه، و ذکر الحديث البلاذري/أنساب الأشراف/ج 2/ص 457، و قال: «و کان بسر قد غيب الغلامين أياما، طمعا في أن يأتيه أبوهما، ثم قتلهما، ذبحهما ذبحا»، و ابن أبي الحديد/ج 2/ص 13، و ذکر ذلک أيضا الثقفي في کتابه الغارات/ص 615، و انظر الأعلام للزرکلي/ج 2/ص 51، و حادثة فظيعة من جرائم بسر في تاريخ ابن عساکر/ج 10/ص 13 و مکافأة له علي تلک الأعمال عينه معاوية واليا علي البصرة عام (41 ه)، حيث صعد المنبر و افتتح کلامه بشتم علي (ع)، انظر تاريخ ابن الأثير/ج 3/ص 414.