معركة النهروان











معرکة النهروان



عد واقعة التحکيم عاد الإمام (ع) بجيشه إلي الکوفة، ففوجئ بخروج طائفة من جيشه يبلغ تعدادها أربعة آلاف، معلنة تمردها علي الإمام (ع) فلم تدخل معه الکوفة، و إنما سلکت سبيلها إلي حروراء، فاتخذت مواقعها هناک.

و الجدير ذکره أن الفئة التي خرجت علي الإمام (ع) کان قوامها من الفئات التي أرغمته علي التحکيم في حرب صفين[1] .

فعند تمرد تلک الفئة و خروجها من جيش الإمام (ع) أعلنت مبررات خروجها تحت شعار: «لا حکم إلا لله، لا نرضي بأن تحکم الرجال في دين الله، قد أمضي الله حکمه في معاوية و أصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حکمنا عليهم، و قد کانت منا خطيئة و زلة حين رضينا بالحکمين، و قد تبنا إلي ربنا، و رجعنا عن ذلک، فارجعـيقصدون الإمام (ع) ـکما رجعنا، و إلا فنحن منک براء»[2] .

بيد أن الإمام (ع) أوضح لهم حينئذ أن الخلق الاسلامي يقتضي الوفاء بالعهدـالهدنة لمدة عامـالذي ابرم بين المعسکرين قائلا:

«و يحکم، بعد الرضا و العهد و الميثاق أرجع؟».أو ليس الله يقول: (و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم و لا تنقضوا الأيمان بعد توکيدها و قد جعلتم الله عليکم کفيلا إن الله يعلم ما تفعلون)[3] .

إلا أن المعارضة المارقة لم تصغ إلي توجيهات الإمام (ع) و استمروا في غيهم، و تعاظم خطرهم بعد انضمام أعداد جديدة لمعسکرهم، و راحوا يعلنون القول بشرک المنتمين إلي معسکر الإمام (ع) ـبالإضافة للإمامـو رأوا استباحة دمائهم.

و لقد کان الإمام (ع) عازما علي عدم التعرض لهم ابتداء ليمنحهم فرصة التفکير جديا بما أقدموا عليه، عسي أن يعودوا إلي الرأي السديد، و لکي يتفرغ کليا لاستئناف القتال مع البغاة في الشام، بعد فشل التحکيم بعد اللقاء الثاني بين الحکمين، حيث تمت خديعة عمرو بن العاص لأبي موسي الأشعري التي أدت إلي عدم تحقيق التحکيم.

غير أنهم بدأوا يشکلون خطرا حقيقيا علي دولة الإمام (ع) من الداخل، و بدأ خطرهم يتعاظم فقتلوا بعض الأبرياء، و هددوا الآمنين، فقتلوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب و بقروا بطن زوجه و هي حامل مقرب دون مبرر، و قتلوا نسوة من طي.

فلما بلغ أمرهم أمير المؤمنين (ع) أرسل إليهم الحارث بن مرة العبدي، ليتعرف إلي حقيقة الموقف، غير أنهم قتلوه کذلک[4] .

فلما علم الإمام (ع) بالأمر کر راجعا من الأنبارـحيث کان قد اتخذها مرکزا لتجميع قواته المتجهة نحو الشامـو عند ما اقتربت قواته من المارقين بذل مساعيه من أجل اصلاح الموقف دون إراقة للدماء، فبعث إليهم أن يرسلوا إليه قتلة المؤمنين: عبد الله بن خباب و الحارث العبدي و غيرهما و هو يکف عنهم، و لکنهم أجابوه: انهم کلهم قتلوه.و بعث الإمام (ع) إليهم الصحابي الجليل قيس بن سعد فوعظهم، و حذرهم مغبة موقفهم الأحمق، و أهاب بهم للرجوع عما يرون من جواز سفک دماء المسلمين و تکفيرهم دون وجه حق[5] .

و تابع الإمام (ع) موقفه الانساني الرشيد، فأرسل إليهم أبا أيوب الأنصاري (رض) و بعد أن وعظهم، رفع راية و نادي: من جاء هذه الرايةـممن لم يقتلـفهو آمن، و من انصرف إلي الکوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به بعد أن نصيب قتلة إخواننا[6] .

و قد نجحت المحاولة إلي حد کبير حيث تفرقوا شيئا بعد شي ء حتي انخفض عددهم إلي أربعة آلاف إذ کان آخر عدد لهم اثني عشر ألفا.

و قد بدأ الباقون منهم بالهجوم من جانبهم علي جيش الإمام (ع) فأمر أصحابه بالکف عنهم حتي يبدأوا بالقتال.فلما بدأ الخوارج القتال، طوقتهم قوات الإمام (ع) و تحقق الظفر لراية الحق.

و هکذا قضي الإمام (ع) في حرب النهروان علي حرکة الذين سبق لرسول الله (ص) أن سماهم بالمارقين حين أشار إليهم في حديث رواه أبو سعيد الخدري قال:

«سمعت رسول الله (ص) يقول: إن قوما يخرجون، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية»[7] .









  1. يوليوس فلهوزن/الخوارج و الشيعة/ترجمة عبد الرحمن بدوي/ط 2، 1976 کويت/ص 32.
  2. نصر بن مزاحم/وقعة صفين/ط 2، 1382 ه/ص 517.
  3. نصر بن مزاحم/وقعة صفين/ص 517، النحل/ 91.
  4. ابن الصباغ المالکي/الفصول المهمة/ص 108.
  5. المصدر السابق/ص 109.
  6. الأمين/أعيان الشيعة/ج 3/ص 20، نقلا عن الطبري، ابن الصباغ المالکي/الفصول المهمة/ص 110.
  7. ابن الأثير/الکامل في التاريخ/ج 3/ص 347/في ذکر الخوارج، و اخرجه البخاري في صحيحه، و ابن الصباغ المالکي في الفصول المهمة/ص 111، و البلاذري في أنساب الأشراف/ج 2/ص 376 بلفظ آخر، و النسائي في خصائصه/ص 71.