موقف الإمام علي أيام الأزمة











موقف الإمام علي أيام الأزمة



حين استمر هياج الناس و هم يطالبون عثمان بعزل الولاة الظالمين حاول الإمام (ع) أن يقنع الخليفة بضرورة الاصلاح، و جرت بينهما أحاديث بهذا الشأن، و مما نصح به الإمام (ع) الخليفة قوله: «و إني انشدک الله ألا تکون إمام هذه الامة المقتول فإنه کان يقال: يقتل في هذه الامة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلي يوم القيامة، و يلبس امورها عليها، و يبث الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا، فلا تکونن لمروان سيقة يسوقک حيث يشاء بعد جلال السن و تقضي العمر»[1] .

فقال له عثمان: «کلم الناس في أن يؤجلوني حتي أخرج إليهم من مظالمهم»[2] .

فقال الإمام (ع): «ما کان بالمدينة، فلا أجل فيه، و ما غاب فأجله وصول أمرک إليه»[3] .

قال الخليفة: نعم، و لکن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام.

فخرج الإمام إلي الناس، و أخبرهم بما وعد به الخليفة، و کتب بينهم و بين عثمان کتابا و أشهد عليه قوما من وجوه المهاجرين و الأنصار[4] .

و قد لعب مروان بن الحکم دورا سيئا للغاية في تفاقم غضب الثائرين، فبعد کل مرة يعلن فيها عثمان عن تفاهم مع وفود الثائرين أو يعدهم بشي ء سينفذه، يقوم مروان بخطوة تؤدي إلي تصعيد الموقف ضد عثمان، فقد وقف أمام القوم مرة و صاح: «إن شئتم حکمنا و الله بيننا و بينکم السيف»[5] ، و مرة کلفه عثمان بأن يتکلم مع الناس فخرج و هم محتشدون فصاح بهم: «جئتم تريدون أن تنزعوا ملکنا من أيدينا؟أخرجوا عنا»[6] ...، فذهبوا إلي الإمام علي (ع) و عرضوا عليه ما فعله مروان، فذهب الإمام إليه و نصحه بأن لا يطيع مروان و إلا فإنه سيورده إلي التهلکة، و إنهـأي الإمام عليـلن يعد مرة اخري إلي دار عثمان، لأنه کلما نصحه بنصيحة کان مروان يدخل عليه و يقنعه بعکس ما نصح به الإمام (ع) عثمان.

و بعد خروج الإمام، نصحت نائلة زوج عثمان، نصحته بأن يأخذ بنصيحة الإمام و ان يترک مروان، و قالت: «إنک متي أطعت مروان قتلک، و مروان ليس له عند الناس قدر و لا هيبة و لا محبة، و انما ترکک الناس لمکان مروان»[7] .

و قد تکررت نصيحة الإمام علي و وساطاته بين عثمان و الثوار، إلا أن مروان کان ينجح دائما في صرف عثمان عن آراء الإمام علي (ع) التي کانت في مصلحة عثمان و المسلمين، و کان عثمان کلما اشتد حصار الثوار عليه في بيته، أرسل إلي الإمام علي، حتي شکا الإمام (ع) تلک الحالة بقوله:

«يا للمسلمين! إني إن قعدت في بيتي قال (عثمان) لي: ترکتني و قرابتي و حقي، و إني إن تکلمت فجاء ما يريد، يلعب به مروان، فصار (أي عثمان) سيقة له يسوقه حيث شاء، بعد کبر السن و صحبة رسول الله (ص)»[8] .

و حيث لم يتيسر لعثمان أن يبر بوعوده للناس تأزم الموقف، و تفاقمت الأزمة، فالثوار الذين جاؤوا من مصر و عادوا إلي بلادهم بعد أن تلقوا و عودا من الخليفة بأنه سيعزل عنهم و اليه هناک: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قد عثروا مع شخص کان يسير مسرعا علي ناقته منفردا بعيدا عنهم، عثروا بعد أن شکوا في أمره، علي رسالة موقعة من عثمان بن عفان إلي واليه علي مصر عبد الله بن سعد يأمره فيها بقتل زعماء الثائرين المصريين الذين وعدهم الخليفة بأن سيعزل عنهم الوالي عبد الله، فثارت ثائرة القوم و عادوا إلي المدينة و ثار معهم أهل المدينة[9] ، و حوصر الخليفة في داره.فکتب رسائل إلي واليه علي الشام معاوية، و واليه علي البصرة عبد الله بن عامر يستنجدهما، کما بعث إلي الإمام علي (ع) ليحضر عنده«فلما جاءه قال: يا أبا حسن! انه قد کان من الناس ما قد رأيت، و کان مني ما قد علمت، و لست آمنهم علي قتلي، فارددهم عني»فقال الإمام علي: «الناس إلي عدلک أحوج منهم إلي قتلک، و إني لأري قوما لا يرضون إلا بالرضا، و قد کنت أعطيتهم في قدمتهم الاولي عهدا من الله: لترجعن عن جميع ما نقموا، فرددتهم عنک، ثم لم تف لهم بشي ء من ذلک، فلا تغرني هذه المرة من شي ء، فإني معطيهم عليک الحق، قال: نعم، فأعطهم، فو الله لأفين لهم»[10] .

فلما مضت الأيام الثلاثة و هي المهلة التي طلبها عثمان للاستجابة في طلب الثائرين بعزل العمال الظلمة، و جاؤوه بالرسالة التي عليها خاتمه يأمر فيها و اليه علي مصر بقتل زعماء الثائرين، قالوا له بالحرف الواحد: «إعزل عنا عمالک الفساق، و استعمل علينا من لا يتهم علي دمائنا و أموالنا، و اردد علينا مظالمنا.

قال عثمان: ما أراني إذا في شي ء، إن کنت أستعمل من هويتم، و أعزل من کرهتم، الأمر إذا أمرکم.

قالوا: و الله لتفعلن أو لتقتلن، فانظر لنفسک أو دع.فأبي عليهم، و قال لم أکن لأخلع سربالا سربلنيه الله.فحصروه أربعين ليلة، و طلحة يصلي بالناس»[11] .

و اشتد الحصار علي عثمان و منعوا عنه حتي الماء، فاستنجد بالإمام علي (ع) فأسرع إليه بنفسه و أوصل الماء إلي داره[12] رغم معارضة طلحة و سواه.

و عند ما نشب القتال بين الثوار و بعض المدافعين عن الخليفة، أرسل الإمام علي ولده الحسن ليمنع عنه، و قد دافع عنه الإمام الحسن بسيفه إلي أن اصيبـأي الحسنـفحمل جريحا إلي دار قريبة لعلاجه.[13] .

هذه بعض مواقف الإمام (ع) قبال عثمان و مصلحة الامة، و علي الرغم من تلک المواقف النبيلة التي وقفها الإمام (ع) من أجل الخليفة فإنه لا يعني بحال أن الإمام کان راضيا عن سياسة الخليفة في المال و الإدارة[14] .

بيد أن الإمام (ع) کان يري في قتل عثمان خطرا يتهدد الامة بالنظر لما يعقبه من تمزق في الصف الاسلامي، و تجرؤ من قبل المتربصين بالإسلام و المسلمين.

الأمر الذي وقع فعلا بعد مقتل الخليفة المذکور مباشرة.

أما معاوية، فقد کان يعلم بتفاصيل ما يجري للخليفة في المدينة، و عند ما استغاث به الخليفة، أرسل معاوية جيشا بقيادة يزيد القسري و أوصاه: «إذا أتيت ذا خشبـمنطقة خارج المدينةـفأقم بها و لا تتجاوزها، و لا تقل الشاهد يري ما لا يري الغائب، فإني أنا الشاهد و أنت الغائب، (و قيل) انه صنع هذا عمدا ليقتل عثمان (رض) فيدعو إلي نفسه»[15] .

و قد عير المسور بن مخرمة معاوية بعد مقتل عثمان فقال له في بلاطه بدمشق: «و کتب (عثمان) يستمدک بالجند، فحبستهم عنه حتي قتل و هم بالزرقاء»[16] .

فلما قتل عثمان استدعي معاوية جيشه.

و قد أفصح الإمام (ع) عن موقفه ازاء مقتل الخليفة عثمان بقوله: «اللهم إني أبرأ إليک من دم عثمان، ما نجا و الله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله، فإنه إذا أراد أمرا بلغه»[17] و يتضح موقف الإمام (ع) کذلک من کتاب له إلي معاوية حيث جاء فيه: «و قد أکثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاکم القوم إلي أحملک و إياهم علي کتاب الله، فأما تلک التي تريدها فخدعة»[18] .









  1. نهج البلاغة/رقم 164.
  2. المصدر السابق.
  3. المصدر السابق.
  4. الطبري و ابن الأثير و غيرهما، انظر کتاب ام المؤمنين عائشة للسيد مرتضي العسکري/ص 134 و135.
  5. الطبري/تاريخ الطبري/ج 3/ص 397.
  6. ابن الأثير/ج 3/ص 165.
  7. الطبري/تاريخ الطبري/ج 3/ص 397.
  8. المصدر السابق.السيقة: ما يساق من الدواب.
  9. المصدر السابق/ص 401، تاريخ المدينة المنورة/ج 4/ص 1149.
  10. الطبري/تاريخ الطبري/ج 3/ص 403.
  11. المصدر السابق/ص 404.السربال: الثوب.أي لا أريد أن أخلع الثوب الذي ألبسني الله إياه و هو ثوب الخلافة.
  12. المصدر السابق/ص 417.
  13. عمر بن شبة/تاريخ المدينة المنورة/ج 3/ص 1131.
  14. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 9/ص 5 و 6.
  15. تاريخ المدينة/ج 4/ص 1289، ابن أبي الحديد/ج 16/ص 154/شرح کتاب الإمام علي إلي معاوية/رقم 37.
  16. تاريخ المدينة المنورة/ج 4/ص 1289.و هي رواية تدل علي أن الجيش الذي أرسله معاوية لم يصل حتي إلي مشارف المدينة، و انه ظل قرب مدينة الزرقاء (حاليا من مدن الأردن).
  17. ابن الصباغ المالکي/الفصول المهمة/ص 67.
  18. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 3/ص 75.