حصيلة الإعداد النبوي











حصيلة الإعداد النبوي



أشار الإمام علي (ع) إلي أبعاد التربية التي حظي بها من لدن استاذه و مربيه الرسول (ص)، و مداها و عمقها، و ذلک في خطبته المعروفة بالقاصعة، إذ جاء فيها ما نصه:

«(و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص)، بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، و أنا ولد، يضمني إلي صدره، و يکنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و کان يمضغ الشي ء ثم يلقمنيه، و ما وجد لي کذبة في قول، و لا خطلة في فعل).

(و لقد قرن الله به (ص) ـمن لدن أن کان فطيماـأعظم ملک من ملائکته، يسلک به طريق المکارم، و محاسن أخلاق العالم، ليله و نهاره، و لقد کنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه، يرفع لي في کل يوم من أخلاقه علما، و يأمرني بالاقتداء به).

(و لقد کان يجاور في کل سنة (بحراء)، فأراه، و لا يراه غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة، و أنا ثالثهما، أري نور الوحي و الرسالة، و أشم ريح النبوة)»[1] .

و في صباه و شبابه، انصب جهد رسول الله (ص) علي تکوين شخصيته: إذ کان يأمره بالاقتداء به، و سلوک سبيله، و في کل يوم يرفع له من أخلاقه علما و علي کان يتبع أثره، أولا بأول، کما يصف ذلک في حديثه.

و لهذا و ذاک، فإن اختيار علي (ع) من لدن الرسول (ص) يوم أملق أبو طالبـکما أسلفناـکان مخططا هادفا ابتداء لکي يأتي علي (ع) صورة مجسدة لشخصية رسول الله (ص)، في فکره و مواقفه و شتي ألوان سلوکه، بل حتي في مشيته[2] .

و لقد کان الإمام (ع) من الصفاء الروحي، و الاستقامة الخلقية، وفقا لما علمه رسول الله (ص)، بحيث کانت تتکشف له الکثير من حجب المستقبل المستور، فها هو يقول: «و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزول الوحي عليه (ص) فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنة؟فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنک تسمع ما أسمع و تري ما أري إلا أنک لست بنبي، و لکنک وزير، و إنک لعلي خير»[3] .

فان الشوط الذي قطعه في مضمار التقرب إلي الله سبحانه، و امتثال أوامره، و تجسيد متطلبات رسالته، رشحه لأن يکون وزيرا للنبوة، و هو مقام لا يناله إلا من قطع شوطا بعيدا باتجاه قمة الفضيلة و السمو الروحي و المعنوي، فلم يفصله عن الرسول (ص) إلا درجة النبوة، فارتقي منصة الوزارة بحق و جدارة، و هکذا کان علي.









  1. نهج البلاغة/تبويب د.صبحي الصالح/ط 1، 1967 م/ص 300.
  2. عبد الفتاح عبد المقصود/علي بن أبي طالب/ج 1/ص 39، و الإملاق: الفقر.
  3. نهج البلاغة/الخطبة القاصعة.