موقف معاوية











موقف معاوية



و کما قال المغيرة بن شعبة، فقد کان معاوية بن أبي سفيان أکثر الولاة جرأة في حربه لخليفة المسلمين الشرعي الإمام علي.

فلما أن تناقلت الأنباء أمر استخلاف الإمام علي و نهوضه بأعباء قيادة الامة حتي فزع معاوية بن أبي سفيان، الذي کان يخطط منذ سنين لأن يکون هو الخليفة، إضافة إلي تمتعه بالملک الواسع الذي هو فيه، بل إن رسالة عاجلة من رفيقه عمرو ابن العاص قد وصلته تفصح عن هذا المعني عند ما کتب إليه يطلعه علي حقيقة الموقف في عاصمة رسول الله (ص):

«من عمرو بن العاص إلي معاوية بن أبي سفيان: أما بعد، ما کنت صانعا فاصنع، إذ قشرک ابن أبي طالب من کل ما تملکه کما تقشر عن العصاء لحاها»[1] .

و هکذا حرض ابن العاص معاوية ضد الإمام علي و جاءه من الباب الذي يعلم حساسيته لدي معاوية، باب الملکية و السلطان عند ما قال: «قشرک ابن أبي طالب من کل ما تملکه»، ضاع الملک إذن، لذا کان لا بد لمعاوية من أن يدافع عن امتيازاته و ثرواته بأي ثمن کان، حتي لو أدي ذلک إلي إبادة المسلمين و تدمير الاسلام و إراقة الدماء في کل أنحاء الدولة الاسلامية، فالمهم هو الملک و السلطان.

حاول الإمام علي أن يقضي علي الفتنة التي بدأت تلوح في الافق بالطرق السلمية، فأرسل کتابا إلي معاوية يستقدمه فيه إلي المدينة، فلم يستجب معاوية لذلک، بل و لم يرد بجواب علي کتاب الإمام علي (ع)[2] .

و بعد مضي ثلاثة شهور علي مقتل عثمان، و قيام الإمام علي (ع) بالأمر يشهر معاوية سلاح المطالبة بدم عثمان، متخذا منه ذريعة للخروج علي إمام زمانه.

و قد بدأت معارضته بنشر ثوب عثمان الدامي في مسجد دمشق و شعيرات من لحيته، و قد جمد عليها الدم، و راح يستثير أهل الشام للنهوض من أجل عثمان و الانتقام ممن قتله، و من ثم أرسل رسولا إلي الإمام (ع) حتي إذا وصل الرسول إلي المدينةالمنورة جعل يسير في دروبها، و هو يحمل صحيفة مختومة مکتوبا عليها«من معاوية إلي علي»و هو عنوان يثير الدهشة لدي الناس فهو خال من کل لياقة و کياسة، کما يشير إلي أن مرسله لا يحمل إلي زعيم المسلمين أي شعور بالاحترام و التقدير.

و فض الإمام علي (ع) صحيفة معاوية، فوجدها بيضاء لا حرف فيها فسأل رسول معاوية: ما وراءک؟

قال بعد أن استأمن الإمام (ع): إني ترکت ورائي أقواما يقولون لا نرضي إلا بالقود.

قال الإمام (ع): ممن؟قال: يقولون من خيط رقبة علي، و ترکت ستين ألف شيخ يبکون تحت قميص عثمان، و هو منصوب لهم قد ألبسوه منبر مسجد دمشق، و أصابع زوجته نائلة معلقة فيه.

فقال الإمام: «أمني يطلبون دم عثمان، اللهم إني أبرأ إليک من دم عثمان»[3] .

ثم أمر الإمام (ع) رسول الشام أن يغادر بعد أن منحه الأمان.

و منذ ذلک التاريخ بادر الإمام (ع) بتجهيز جيشه لإخماد حرکة البغاة التي قادها معاوية في الشام.









  1. الإمام علي و فضائله/دار مکتبة الحياة (بيروت) /ص 175.
  2. ابن الصباغ المالکي/الفصول المهمة/ط النجف/ص 64، نهج البلاغة/رقم 75.
  3. ابن الصباغ المالکي/الفصول المهمة/ص 67.