مساواة أهل بيته بسائر الناس











مساواة أهل بيته بسائر الناس



أما منهاج أمير المؤمنين (ع) الذي سلکه في أهل بيته و قرابته فلم يکن بعيدا عن منهاجه مع نفسه إلا من حيث الدرجة، فقد کان مبنيا علي أساس مساواتهم بالامة في الحقوق و الواجبات، بل إن الذي يتحملونه من مهام من أجل حماية الرسالة و المسيرة الاسلامية أکثر بکثير مما ينالون من حقوق.

فقد کان الإمام (ع) حريصا علي معاملة ذويه في مسألة الحقوق کما لو کانوا من عامة الناس، فلا يفضلهم، بعطاء، و لا يميزهم بحق، و سلک معهم اسلوب التدريب و الإعداد للعمل بمنهاجه معهم، بل کان يبدو شديدا مع بعضهم من أجل أن ينتهج الخط الذي رسمه لمتعلقيه و أهل قرابته.و هاک صورا من منهاجه ذلک:

قال مسلم صاحب الحنا:

«لما فرغ علي (ع) من أهل الجمل أتي الکوفة، و دخل بيت المال، ثم قال: يا مال! غر غيري، ثم قسمه بيننا، ثم جاءت ابنة للحسن أو للحسين (ع) فتناولت منه شيئا، فسعي وراءها ففک يدها و نزعه منها، فقلنا: يا أمير المؤمنين! إن لها فيه حقا، قال (ع): إذا أخذ أبوها حقه فليعطها ما شاء»[1] .

و روي هارون بن سعيد أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قد قال له: يا أمير المؤمنين! لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فو الله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي!! فقال الإمام (ع): «لا و الله ما أجد لک شيئا إلا أن تأمر عمک أن يسرق فيعطيک»[2] .

و قد جاءه أخوه عقيلـو کان ضريراـيوما يطلب صاعا من القمح من بيت مال المسلمينـزيادة علي حقهـو ظل يکرر طلبه علي علي (ع)، فما کان من الإمام أمير المؤمنين إلا و أحمي له حديدة علي النار و أدناها منه، ففزع منها عقيل، ثم و عظه: «يا عقيل! أتئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، و تجرني إلي نار سجرها جبارها من غضبه، أتئن من الأذي و لا أئن من لظي؟»[3] .

و عن أبي صادق عن علي (ع): أنه تزوج ليلي، فجعلت له حجلة، فهتکها، و قال: «حسب آل علي ما هم فيه»[4] .

و عن الحسن بن صالح بن حي قال: «بلغني أن عليا (ع) تزوج امرأة فنجدتـزينتـله بيتا، فأبي أن يدخله»[5] و عن کلاب بن علي العامري قال:

«زفت عمتي إلي علي (ع) علي حمار بأکاف تحتها قطيفة، و خلفها قفة معلقة!! »[6] .

هکذا کان منهاج علي (ع) مع أهل بيته و ذوي قرابته لا يفرط من أجلهم بحق من حقوق المسلمين أبدا، بل يعمل کل ما من شأنه علي رفع مستواهم باتجاه مبادئه في الزهد، و سياسته مع نفسه في سبيل الله تعالي، و لمصلحة مجموع الامة.

و لقد کان منهجه واضحا کل الوضوح لا لبس فيه و لا غموض و لا يخضع لعاطفة أو مساومة أبدا: «و الله لئن أبيت علي حسک السعدان مسهدا، أو اجر في الأغلال مصفدا، أحب إلي من أن ألقي الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، و غاصبا لشي ء من الحطام.و کيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلي البلي قفولها، و يطول في الثري حلولها»[7] .

و هذا السبيل الذي اختاره الإمام (ع) إنما يمثل أحد مصاديق العدل الاجتماعي الشامل الذي حرص أمير المؤمنين (ع) علي تجسيده واقعا حيا في دنيا الناس.









  1. البلاذري/أنساب الأشراف/ج 2/ص 132.
  2. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 2/ص 200.
  3. المجلسي/بحار الأنوار/ج 40/باب 98/ص 347، نقلا عن أمالي الصدوق.
  4. المصدر السابق/ص 327، نقلا عن المناقب.حجلة: ستر يضرب للعروس في الليل.هتکها: مزقها.
  5. المصدر السابق، نقلا عن المناقب.
  6. المصدر السابق، نقلا عن المناقب.أکاف: کساء يوضع علي ظهر الدابة.القفة: إناء من خوص النخل.
  7. نهج البلاغة/رقم النص 224.حسک السعدان: نوع من أنواع الشوک.