رفق و تعاهد











رفق و تعاهد



فقد شهدت قطاعات الامة جميعا صورا من التعاهد لأمرها و الرفق بها و رعاية شؤونها، و التسوية في العطاء بين جميع حملة التابعية للدولة الاسلامية التي تجسدها هذه النصوص:

«المال مال الله يقسم بينکم بالسوية لا فضل لأحد علي أحد».

«و ايم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، و لأقودن الظالم بخزامته حتي أورده منهل الحق و إن کان کارها»[1] .

إلي جانب هذا و ذاک، شهدت الامة التي قادها أمير المؤمنين (ع) بمختلف قطاعاتها من ألوان التدبير لشؤونها، و الرعاية لامورها، و الحدب عليها ما حقق لها الکرامة و السعادة و الحرية، و هذه صور منها:

«عن الحکم قال: شهدت عليا، و قد اتي له بزقاق من عسل، فدعا اليتامي و قال: ذوقوا و العقوا، حتي تمنيت أني يتيم، فقسمه بين الناس و بقي منه زق، فأمر أن يسقاه أهل المسجد»[2] .

و عن هارون بن عنترة عن زاذان قال:

«انطلقت مع قنبر غلام علي (ع) فاذا هو يقول: قم، يا أمير المؤمنين! فقد خبأت لک خبيئا.قال (ع): و ما هو، ويحک!! قال: قم معي.فقام فانطلق به إلي بيته، و إذا بغرارة مملوءة من جامات ذهبا و فضة.فقال: يا أمير المؤمنين! رأيتک لا تترک شيئا إلا قسمته فادخرت لک هذا من بيت المال.

فقال علي (ع): ويحک يا قنبر، لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة، ثم سل سيفه، و ضربها ضربات کثيرة، فانتثرت، ثم دعا بالناس، فقال: اقسموه بالحصص، ثم قام إلي بيت المال، فقسم ما وجد فيه، ثم رأي في البيت أبرا و مسال فقال: و لتقسموا هذا»[3] .

و عن الحکم قال:

«إن عليا قسم فيهم الرمان حتي أصاب مسجدهم سبع رمانات، و قال: أيها الناس إنه يأتينا أشياء نستکثرها إذا رأيناها، و نستقلها إذا قسمناها، و إنا قد قسمنا کل شي ء أتانا.قال: و أتته صفائح فضة فکسرها، و قسمها بيننا».

و عن علي بن ربيعة قال:

«جاء ابن التياح إلي علي بن أبي طالب (ع) فقال: يا أمير المؤمنين! امتلأ بيت المال من صفراء و بيضاء.فقال علي (ع): الله أکبر، ثم قام متوکئا علي يد ابن التياح، فدخل بيت المال و هو يقول:

هذا جناي و خياره فيه*و کل جان يده إلي فيه»[4] .

ثم نودي في الناس، فأعطي جميع ما في بيت المال و هو يقول: (يا بيضاء! و يا صفراء! غري غيري). حتي لم يبق فيه درهم و لا دينار، ثم امر بنضحه بالماء، فصلي فيه رکعتين (ع). و کان لشدة حرص الإمام (ع) علي مصلحة الامة لرفع غائلة الفقر و الظلم عنها أنه التزم السيرـعبر أيام خلافته عليهاـوفقا للنهج الآتي:

«و لو شئت لا هتديت الطريق إلي مصفي هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القز، و لکن هيهات أن يغلبني هواي، و يقودني جشعي إلي تخير الأطعمة، و لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، و لا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا، و حولي بطون غرثي، و أکباد حري؟أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، و لا اشارکهم في مکاره الدهر أو أکون اسوة لهم في جشوبة العيش؟»[5] .

«اشتري ثوبين، و أعطي أغلاهما ثمنا لقنبر خادمه و قال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: ألبسوهم مما تلبسون، و أطعموهم مما تأکلون»[6] .









  1. جورج جرداق/روائع نهج البلاغة/ص 163.الخزامة: حلقة من شعر توضع في وترة أنف البعير يشد بها زمامه و يسهل قياده.
  2. البلاذري/أنساب الأشراف/ج 2/ص 136.
  3. ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم/ط 1385 ه/ج 2/ص 199. مسائل و مسل: جريد النخل الرطب.
  4. مثل يضرب، أراد به الإمام (ع) أنه لم يصب شيئا من مال المسلمين بل وضعه في موضعه.سبط ابن الجوزي/تذکرة الخواص/ص 117.
  5. نهج البلاغة/من کتاب له إلي عثمان بن حنيف رقم 45.الجشب من الطعام: هو الغليظ الخشن.
  6. الثقفي/الغارات/ج 1/ص. 106.