الميدان السياسي











الميدان السياسي



حدد الإمام القائد (ع) مواصفات ولاة الأمر و موظفي الدولة الذين يرشحهم الاسلام لإدارة شؤون الامة الاسلامية ببيان أصدره (ع) جاء فيه:

«أنه لا ينبغي أن يکون الوالي علي الفروج و الدماء و المغانم و الأحکام و إمامة المسلمين البخيل، فتکون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحکم فيذهب بالحقوق، و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطل للسنة فيهلک الامة»[1] .

و علي ضوء هذا التحديد الموضوعي الواضح لصفات المسؤولين و الموظفين الذين يقرهم الاسلام عمد الإمام علي (ع) إلي الاستغناء عن خدمات قسم من الولاة و العمال الذين کانوا يتولون إدارة أقاليم الدولة الاسلامية، لأن عليا (ع) لو ساومـکما يريد بعض المؤرخينـلتعذر علي الأجيال المسلمة التماس الصورة الحقيقية للشريعة التي ابتعث الله بها رسوله العظيم (ص).

فقد کان من أهداف علي أمير المؤمنين (ع) أن يوضح المعالم الأساسية لهذا الدين کما جاء بها النبي (ص)، و ينفض عنها غبار التضليل، و رکام التزييف علي أنه (ع) قد مارس العمل بالأولويات و قدم الأهم علي المهم، و قد عمل وسعه علي سد المنافذ التي ينطلق منها ظلم الناس، و تضيع من خلالها معالم العدل و رعاية الشريعة للمستضعفين من عباد الله عز و جل.

و من أجل ذلک رأينا أمير المؤمنين عليا (ع) يبادر فورا إلي عزل الولاة و العمال الذين کانوا سببا في ظلم الناس و إشاعة الباطل، و يعود بالامة إلي قاعدة المساواة في توزيع العطاء[2] ، کما کان رسول الله (ص) يفعل، ثم يعلن فيما يعلن من سياساته التي تتوخي إقامة العدل: أنه سيعيد المال المغصوب من الامة إلي بيت المال، حتي و إن وجده قد تزوجت به النساء أو ملکت به الإماء.

و مع تقديم هذه الأولويات التي ترتبط بمصير عباد الله عادة و حاجاتهم للحق و العدل، يرجئ کثيرا من القرارات إلي مرحلة مناسبة تتفاعل الامة أثناءها مع تلک القرارات المرجوة[3] .

إن هذا الهدف المرکزي الذي کان الإمام (ع) يسعي إلي تحقيقه في دنيا المسلمين و هو: العمل علي صياغة و بلورة مبادئ الاسلام، کما جاء بها النبي (ص) في أذهان الناس و حياتهم، هو الذي جعله يرفض مختلف الضغوط الاجتماعية و السياسيةـمهما کلف الثمنـدون مساومة أو أنصاف حلول أو رضا بالأمر الواقع.









  1. نهج البلاغة/الخطبة رقم 131.نهمته: شهوته الشديدة و حرصه المفرط.الحائف: الجائر، الظالم. الدول: المال، و الحائف للدول معناه الذي يظلم في توزيع الأموال فيفضل جماعة علي اخري. المقاطع: الحدود التي حددها الله تعالي.
  2. محمد عبده/شرح نهج البلاغة/ج 8/ص 269.
  3. راجع خطبة للإمام علي (ع) حول هذا الموضوع في روضة الکافي للکليني/ج 8/ص 58ـ 63.