علي في عهد الخلفاء











علي في عهد الخلفاء



فاضت نفس رسول الله (ص) في حجر علي (ع)[1] و رحل (ص) إلي ربه الأعلي، و هو قلق علي مستقبل الرسالة و الامة، کما يجسد ذلک بقوة قوله (ص) عند زيارته لقبور المؤمنين في البقيع في بداية مرضه الذي قضي فيه:

«السلام عليکم يا أهل القبور! ليهنئکم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن کقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها»[2] .

و تأکيده المستمر علي ضرورة التزام الثقلين: کتاب الله تعالي و العترة الطاهرة[3] ، لأجل تحصين المسيرة الاسلامية من بعده و عصمتها من الوقوع في الانحراف.

و طلبه في آخر ساعة من حياته أن يؤتي له بدواة و کتف ليکتب للامة کتابا لن تضل بعده أبدا، و لکنه حيل بينه و بين ذلک، فأوصي بأهل بيته خيرا[4] .

إلي غير ذلک من مصاديق توجسه و قلقه (ص) علي مستقبل المسيرة الاسلامية، علي الرغم من احتياطه لتحصين الامة و وقايتها من الوقوع في الفتنة.

و ما أن فاضت نفس رسول الله (ص) و اشتغل علي (ع) و أهل بيت الرسول (ص) بتجهيزه من أجل مواراة جسده الطاهر في مثواه الأخير، حتي عقدت الأنصار اجتماعا لها في سقيفة بني ساعدة حضره الأوس و الخزرج معا و يبدو أن الاجتماع المذکور قد عقد بناء علي شعور الأنصار بالخوف علي مستقبلهم من قريش التي عزمت علي صرف الخلافة عمن عينه رسول الله (ص)، و هکذا کان اجتماع الأنصار اجتماع القلق علي مصالحهم بعد ما شهدت التحرک القرشي العنيف لإبعاد علي بن أبي طالب (ع) عن موقعه الطبيعي في قيادة الامة و تصدي الزعامة القرشية لرسم خريطة المستقبل الأمر الذي يقلق الأنصار کثيرا بسبب مواقفها في کسر شوکة قريش أيام النبي (ص)، و قد استثمر هذا الاجتماع من قبل قريش، فحققت هدفها المخطط بطريقة أميل إلي العنفـکما يتضح من أحداث السقيفة[5] ـ.

و بعد مناقشات حادة و طويلة سادها جو من التوتر و القلق و العنف و الخلاف بادر عمر بن الخطاب إلي بيعة أبي بکر بالخلافة[6] و طلب من الحاضرين ذلک، و لم يکن علي (ع) علي علم بما حدث، و لکن النبأ قد انساب إلي مسامعه من خلال الضجيج الذي أحدثه خروج القوم من السقيفة، و هم في طريقهم إلي المسجد النبوي.

و حتي تلک الساعة لا زال علي و أهل البيت (ع) مشغولين بتجهيز فقيد الامة العظيم رسول الله (ص) إذ ظل جثمانه الطاهر ثلاثة أيام[7] دون دفن ليتسني للمسلمين توديعه و الصلاة عليه.

و لعدم قناعة الإمام (ع) بما جري ظل مؤمنا بحقه في الخلافة و اعتزل الناس، و ما هم فيه سته شهور، و لم يسمع له صوت في ما يسمي بحروب الردة و لا سواها[8] و لقد استجدت امور و أحداث خطيرة هددت الاسلام و امته بالفناء، فقد قوي أمر المتنبئين بعد وفاة رسول الله (ص) و اشتد خطرهم في الجزيرة العربية من أمثال: مسيلمة الکذاب، و طلحة بن خويلد الأفاک، و سجاج بنت الحرث الدجالة و غيرهم و صار وجودهم يشکل خطرا حقيقيا علي الدولة الاسلامية.

و اشتد ساعد المنافقين و قويت شوکتهم في داخل المدينة و کان الرومان و الفرس للمسلمين بالمرصاد[9] .

هذا بالإضافة إلي ظهور التکتلات السياسية في المجتمع الاسلامي علي أثر بيعه السقيفة.

و لقد تعامل الإمام (ع) مع الخلافة حسب ما تحکم به المصلحة الاسلامية حفظا للاسلام و حماية للجماعة الاسلامية من التمزق و الضياع، و تحقيقا للمصالح الاسلامية العليا التي جاهد من أجلها.

و للإمام علي (ع) کتاب بهذا الصدد جاء فيه:

«فأمسکت يدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون إلي محق دين محمد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الاسلام و أهله أن أري فيه ثلما أو هدما، تکون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتکم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما کان، کما يزول السراب أو کما يتقشع السحاب، فنهضت في تلک الأحداث حتي زاح الباطل و زهق و اطمأن الدين و تنهنه»[10] .

بيد أن صوت علي (ع) کان يعلو عند ما يستشار، و يجهر عند ما يستفتي، و قد تصديـفي هذا المضمارـلتوجيه الحياة الاسلامية، وفقا لما تقتضيه رسالة الله تعالي في الحقول التشريعية و التنفيذية و القضائية.و من أجل ذلک فإن الباحث التاريخي في حياة الإمام (ع) لا يلبث إلا أن يلتقي مع مئات المواقف و الأحداثـفي خلافة أبي بکر و عمر و عثمانـالتي لا تجد غير علي (ع) مدبرا لها و معالجا و قاضيا بأمر الشريعة فيها.

و الخلفاء الثلاثة لم يروا بدا من استشارته إذا التبست عليهم الامور، و هکذا تجده مرة مرشدا إلي الحکم الاسلامي الصحيح في أمر ما، و مرة تجده قاضيا في شأن من شؤون الامة، و اخري موجها للحاکم الوجهة التي تحقق المصلحة الاسلامية العليا.

و بمقدورنا أن نلمس دوره الرسالي ذلک إذا طرحنا بعض مفردات منهجه المتبني أيام الخلفاء الذين سبقوه:









  1. الخوارزمي/المناقب، عن عائشة، مسند أحمد بن حنبل/ج 2/ص 300، المحب الطبري/ذخائر العقبي/ص 72، راجع علي و الوصية للعسکري/ص 206ـ 211.
  2. أخرجه النسائي/سنن النسائي/ج 4/ص 93، و أبو داود، و ابن ماجة.
  3. أخرجه الترمذي برقم 874 من أحاديث کنز العمال/ج 1/ص 44، مسند بن حنبل/ج 5/ص 18 و 189، الحاکم في المستدرک/ج 3/ص 148، و غيرها.
  4. أخرجه البخاري/ج 1/ص 39/باب کتابة العلم، و مسلم في آخر الوصايا من صحيحه/ج 3/ص 259، و أحمد بن حنبل في مسنده/ج 1، و غيرهم في لسان العرب: الکتف، عظم عريض يکون في أصل کتف الحيوان من الناس و الدواب، کانوا يکتبون فيه لقلة القراطيس عندهم.
  5. يراجع تاريخ الطبري و ابن الأثير و غيرهما.
  6. راجع صحيح البخاري/ج 5/ص 8، و تراجع السقيفة للشيخ محمد رضا المظفر، و شرح النهج لابن أبي الحديد.
  7. تاريخ ابن کثير/ج 5/ص 271، تاريخ أبي الفداء/ج 1/ص 152، راجع الغدير للأميني/ج 7/ص 75.
  8. المظفر/السقيفة/ط 4 (بيروت) 1973 م/ص 160.
  9. السيد شرف الدين/المراجعات/ص 302.
  10. من کتاب له إلي أهل مصر مع مالک الأشتر حين ولاه إمارتها/نهج البلاغة/رقم 62.