الي دار الإسلام











الي دار الإسلام



و في خضم الصراع العنيف الناشب بين الدعوة الإلهية المبارکة، و الجاهلية الرعناء، فجع الاسلام بفقد مؤمن قريش: أبي طالب (رض) فاهتز رسول الله (ص) ألما للحادث المفجع، و علم أن قريشا ستعمل علي تصعيد حملتها علي الاسلام و المسلمين، و علي شخصه الکريم بالذات.

و إذا کانت قريش تخشي أبا طالب و مرکزه الاجتماعي فيما مضي، فقد خلالها الجو بعد موته، و ها هو رسول الله (ص) يفقد سنده الشامخ، و يصاب بعده بفاجعة اخري لا تقل في تأثيرها عليه عن الاولي، فقد توفيت زوجته الوفية خديجة، حتي دعا العام الذي فقدهما فيه«عام الحزن».

و للأهمية البالغة التي يحتلها أبو طالب في سيرة الحرکة التاريخية لدعوة الله تعالي، صرح رسول الله (ص) بقوله:

«ما زالت قريش کاعة[1] عني حتي مات أبو طالب»[2] .

و صعدت قريش بالفعل حملتها علي رسول الله (ص) و السابقين من المؤمنين، فاتجه رسول الله (ص) للبحث عن أرض غير مکة تستقر عليها دعوة الله، فتنمو عليها شجرة الهدي، و راح يتصل بالقبائل، و يعرض أمره علي الناس في أطراف مکة، ثم زار الطائف، و اتصل بزعماء قبائلها، فلم يستجب له أحد ذو أثر اجتماعي، بيد أن اليأس لم يتسرب إلي نفسه، و استمر في عرض نفسه علي الناس من خارج مکة، حتي التقي في موسم الحج بنفر من أهل يثرب، و فاتحهم بأمر الدعوة، فاستجابوا له و لبوا دعوة الله، و عادوا يحملون الکلمة الهادية إلي قومهم.

و في الموسم التالي قدم منهم اثنا عشر رجلا، فبايعوه علي الإيمان و حمل الرسالة، فأرسل لتعليمهم أحکام دين الله تعالي، مصعب بن عمير، فمکث فيهم سنة کاملة، يدعوهم إلي الله، و يؤدبهم بتعاليم رسالته، و يقرئهم القرآن الکريم فدخل الکثير من الناس في الاسلام، و استجابوا لنداء الدعوة المبارکة.

و في موسم الحج حضر منهم إلي مکة و فد کبير يقوده مصعب بن عمير، فالتقوا برسول الله (ص)، و بايعوه علي النصرة إن هو هاجر إلي بلدهم.

و تنزل أمر الله يدعو المسلمين إلي الهجرة، فزحفت مواکب المهاجرين صوب الدار الجديدة، مخلفين وراءهم المال و الوطن و علائق الدم و القربي.

و لئن کان الاسلام قد أو شک علي الدخول في محرلة جديدة من مراحل مسيرته العتيدة، فإن قريشا، قد اجتمعت في دار الندوة للتشاور بشأن رسول الله (ص) بالذات، فتوصل قادتها إلي قرار يقضي باغتيال جماعي لرسول الله (ص) يتولاه من کل قبيلة رجل منها علي أن تنفذ جريمة الاغتيال ليلا.

و کشف وحي الله تعالي لرسول الله (ص) أوراق الجريمة التي أجمعت قريش علي اقترافها:

(و إذ يمکر بک الذين کفروا ليثبتوک أو يقتلوک أو يخرجوک و يمکرون و يمکر الله و الله خير الماکرين). (الأنفال/30)









  1. کاعة: تکتم حقدها و تخشي إعلان حربها.
  2. تاريخ الطبري/ج 2/ص 222، تاريخ ابن عساکر/ج 1/ص 284، مستدرک الحاکم/ج 2/ص 622، تاريخ ابن کثير/ج 3/ص 122، راجع الغدير للشيخ الأميني/ج 7/ص 376، کشف الغمة للأربلي/ج 1/ص 162، و غيرها.