المدخل











المدخل



«ما لقي أحد في هذه الامة ما لقيت»[1] الإمام علي (ع)

لم يلق عظيم في التاريخ البشري، ما لاقاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من ظلم و أثرة، في2 حياته و بعد موته.

فإذا کان قد عاني الکثير في حياته المليئة بالمآو الأمجاد، فإن الظلم قد لاحقه بعد موته، فحرم من أبسط الحقوق و هي: کتابة تاريخه بإنصاف و صدق و لفترة طويلة.

فبعد رحيل الإمام إلي الرفيق الأعلي، اخضعت أجيال الامة الاسلامية، لعملية مسح دماغي، ليس لها مثيل، کي تنسي عليا (ع) و دوره الإيجابي العظيم في دفع حرکة الاسلام التاريخية نحو العزة و المجد، أو لتأخذه في إطار مشوه ممسوخ.

و حسبک ان المنابرـو هي أعظم الأجهزة التربوية و الاعلامية لدي المسلمين آنذاکـقد سخرت لعشرات من السنين في النيل من علي (ع) و تشويه تأريخه الفذ، حقدا علي الاسلام، و انتقاما لقتلي المشرکين و هزيمتهم بمعرکة بدر.

فکانت خطبة الجمعة في العهد الأموي تفتتح بشتم الإمام علي (ع) بکلمات يأبي التاريخ أن تسطر علي صفحاته[2] ، و کانت تدعو و تشجع علي ذلک العمل القبيح المنافي للاسلام و للذوق: قوي و أجهزة حکم و رواة و محدثون مأجورون و مؤرخون للسلاطين، محاولين بذلک طمس معالم تاريخ الإمام علي المشرق الوضاء.

و کان من شروط التعيين في أي منصب حکومي في المرکز أو في الولايات أن يکون الشخص المعين مبغضا لعلي بن أبي طالب (ع) ناصبا له العداء.ذکر ابن الأثير في حوادث عام (41 ه) ان المغيرة بن شعبة عند ما أصبح واليا علي الکوفة في زمن معاوية بن أبي سفيان عين علي بلاد الري واليا من قبله يدعي کثير ابن شهاب«و کان يکثر سب علي علي منبر الري».

أما ذکر علي (ع) بخير و الحديث عن فضائله (ع) فإنه کان يجري في غاية السرية، و من ابلغ عنه انه يتحدث بفضائله يعاقب بأقسي العقوبات و أشدها: ذکر الطبري في تأريخهـضمن حديثه عن ولاية المغيرة بن شعبة علي الکوفةـ، أنه بلغه أن صعصعة بن صوحان کان يتحدث بفضائل علي (ع) و ينتقد سياسة عثمان بن عفان، فأرسل إليه المغيرة و قال:

«إياک أن يبلغني عنک أنک تعيب عثمان بن عفان عند أحد من الناس، و إياک أن يبلغني عنک انک تظهر شيئا من فضل علي علانية، فإنک لست بذاکر من فضل علي شيئا أجهله، بل أنا أعلم بذلک، و لکن هذا السلطانـأي معاويةـقد ظهر، فإن کنت ذاکرا فضله، فاذکره بينک و بين أصحابک و في منازلکم سرا، و أما علانية في المسجد، فان هذا لا يحتمله الخليفة و لا يعذرنا به»[3] .

و علي الرغم من کل ذلک فقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة التي حفظتها السنن و الرواة خلافا لما دعا إليه خلفاء الجور و إعلامهم، و إليکم جملة منها:

«أخرج الطبراني بسند صحيح عن ام سلمة عن رسول الله (ص) قال: من أحب عليا فقد أحبني، و من أحبني فقد أحب الله، و من أبغض عليا فقد أبغضني، و من أبغضني فقد أبغض الله.

و أخرج أحمد و الحاکم و صححه عن ام سلمة: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سب عليا فقد سبني»[4] .

و أخرج الخطيب البغدادي في تأريخه الکبير و الجويني الشافعي في فرائد السمطين بسندهما عن النبي (ص) قوله:

«علي مع الحق، و الحق مع علي، و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة»[5] .

و أخرج الديلمي عن ابن عمر و المتقي الهندي و المحب الطبري بإسنادهما عن عمر ابن الخطاب عن رسول الله (ص):

«لو أن السماوات و الأرض موضوعتان في کفة، و إيمان علي في کفة لرجح إيمان علي»[6] .

و أخرج الترمذي و النسائي و ابن ماجة عن حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله (ص): «علي مني، و أنا من علي»[7] .

و أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: «کنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا»[8] .

و أخرج البزار، و الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، و أخرج الترمذي و الحاکم عن علي قالا: قال رسول الله (ص): «أنا مدينة العلم و علي بابها»[9] .

و أخرج الطبراني و الحاکم عن ابن مسعود (رض)، و أخرجه الطبراني و الحاکم من حديث عمران بن حصين أيضا، و أخرجه ابن عساکر من حديث أبي بکر الصديق، و عثمان بن عفان، و معاذ بن جبل، و أنس، و ثوبان، و جابر بن عبد الله و عائشة، قالوا: قال رسول الله (ص): «النظر إلي علي عبادة»[10] .

و أخرج الطبراني و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «ما أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا) إلا و علي أميرها و شريفها، و لقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مکان، و ما ذکر عليا الا بخير»[11] .

بيد ان تاريخ الإمام علي (ع) علي الرغم من أنه قد عرض لذلک اللون المخجل من الطمس و التزوير و التجهيل، فان أحداـکائنا من کانـليس بمقدوره أن يطمس معالمه الأساسية، لارتباطها العضوي بالاسلام الحنيف و مجده، فحبل الکذب قصير (و لا يحيق المکر السيئ إلا بأهله).

و هکذا فإن الأقلام المأجورة و تشکيلة المرتزقة التي حاولت أن تکتب لعلي تاريخا و سيرة علي هواها، و وفقا لمصالحها و ما تملک من خلفيات دنيئة، قد أخطأت التقدير و جهلت أن الحق لا يمکن أن يحجب طويلا، و أن الزبد يذهب جفاء.

لخص الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في کتابه تاريخ الخلفاء (ص 185ـ186) سيرة الإمام علي (ع) في سطور فقال:

«أخو رسول الله (ص) بالمؤاخاة، و صهره علي فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها، و أحد السابقين إلي الاسلام، و أحد العلماء الربانيين، و الشجعان المشهورين، و الزهاد المذکورين، و الخطباء المعروفين، و أحد من جمع القرآن و عرضه علي رسول الله (ص)، و عرض عليه أبو الأسود الدؤلي، و أبو عبد الرحمن السلمي، و عبد الرحمن ابن أبي ليلي، و هو أول خليفة من بني هاشم، و أبو السبطين، أسلم قديما، بل قال ابن عباس و أنس و زيد بن أرقم و سلمان الفارسي و جماعة: انه أول من أسلم، و نقل بعضهم الاجماع عليه.و لم يعبد الأوثان قط لصغرهـأخرجه ابن سعدـ.

و لما هاجر (ص) إلي المدينة أمره أن يقيم بعده بمکة أياما حتي يؤدي عنه أمانة الودائع و الوصايا التي کانت عند النبي (ص)، ثم يلحقه بأهله ففعل ذلک.

و شهد مع رسول الله (ص) بدرا و أحدا و سائر المشاهد، إلا تبوک فإن النبي (ص) استخلفه علي المدينة، و له في جميع المشاهد آثار مشهورة.

و أعطاه النبي (ص) اللواء في مواطن کثيرة، و قال سعيد بن المسيب: أصابت عليا يوم احد ست عشرة ضربة، و ثبت في الصحيحين«انه (ص) أعطاه الراية في يوم خيبر، و أخبر أن الفتح يکون علي يديه»، و أحواله في الشجاعة، و آثاره في الحروب المشهورة.

قال جابر بن عبد الله: حمل علي الباب علي ظهره يوم خيبر حتي صعد المسلمون عليه ففتحوها، و انهم جروه بعد ذلک، فلم يحمله إلا أربعون رجلا، أخرجه ابن عساکر.

و أخرج ابن إسحاق في المغازي و ابن عساکر، عن أبي رافع: أن عليا تناول بابا عند الحصنـحصن خيبرـفتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده و هو يقاتل حتي فتح الله علينا، ثم ألقاه فلقد رأيتنا ثمانية نفر نجهد أن نقلب ذلک الباب، فما استطعنا أن نقلبه»[12] .

و استمرارا لنهجنا في نشر الفکر الإسلامي الأصيل، و تعريف الامة المسلمة، بحقائق تاريخها المجيد، بعد نفض تراب التعمية و التضليل عن کاهلها، نقدم في هذا الکتاب دراسة حول حياة علي بن أبي طالب (ع)، و دوره الأساس في بناء حضارة الاسلام و مجده، مستمدين تفاصيل هذه الدراسة و معلوماتها من أوثق المصادر التي يعتمدها عموم المسلمين.و الله نسأل التسديد و التأييد، و الهداية و العمل من أجل تکريس کل الطاقات و الامکانات الإيمانية الصادقة لدخول معترک الصراع الفکري القائم بين الامة الاسلامية المجاهدة و بين خصومها الألداء، من أجل أن تسود شريعة الاسلام العظيم، و ينهزم ليل الطغاة في کل أرض، إنه سميع مجيب.









  1. البلاذري/أنساب الأشراف/ج 2/ص 177.
  2. راجع نماذج من ذلک في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ط دار إحياء الکتب العربية بالقاهرة 1959 م/ج 4/ص 561 و ما بعدها.
  3. الطبري/تاريخ الطبري/ط دار المعارف (القاهرة) /ج 5/ص 189/حوادث عام 43.
  4. جلال الدين السيوطي/تاريخ الخلفاء/تحقيق الشيخين الشماعي الرفاعي و العثماني (بيروت) 1406 ه/ص 193.
  5. أخرجه الخطيب البغدادي/التاريخ الکبير/ج 14/ص 321، و الجويني الشافعي/فرائد السمطين/ج 1/ب 37، و ذکره الهيثمي/مجمع الزوائد/ج 9/مناقب علي/ص 134، نقلا عن الطبراني بألفاظ متقاربة.
  6. المتقي الهندي/کنز العمال/ج 6/ص 156، الطبري/الرياض النضرة/ج 2/ص 226، الخوارزمي/المناقب/ص 79.
  7. السيوطي/تاريخ الخلفاء/ط 1 (بيروت) 1986 م/ص 189، سنن الترمذي/ج 5/ص 636.
  8. السيوطي/تاريخ الخلفاء/ص 189.
  9. المصدر السابق.
  10. الهيثمي/مجمع الزوائد/ط 3 دار الکتاب العربي (بيروت) /ج 9/ص 119/باب مناقب علي ابن ابي طالب، نقلا عن الطبراني.
  11. الخوارزمي/المناقب/ص 188، الهيثمي/مجمع الزوائد/ج 9/ص112.
  12. السيوطي/تاريخ الخلفاء/ص 185ـ 186.