راي عثمان في الجمع بين الاختين بالملك











راي عثمان في الجمع بين الاختين بالملک



أخرج مالک في الموطأ 10: 2 عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الاختين من ملک اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما

[صفحه 215]

آية وحرمتهما آية، فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلک. قال: فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فسأله عن ذلک فقال: لوکان لي من الامر شئ ثم وجدت أحدا فعل ذلک لجعلته نکالا. قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب.

(لفظ آخر للبيهقي) عن ابن شهاب قال أخبرني قبيصة بن ذؤيب: ان نيارا الاسلمي سأل رجلا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الاختين فيما ملکت اليمين فقال له: أحلتهما آية وحرمتهما آية، ولم أکن لافعل ذلک. قال: فخرج نيار من عند ذلک الرجل فلقيه رجل آخر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ماأفتاک به صاحبک الذي استفيته فأخبره فقال: إني أنهاک عنهما ولو جمعت بينهما ولي عليک سلطان عاقبتک عقوبة منکلة.

قال ملک العلماء في البدايع: وروي عن عثمان رضي الله عنه انه قال: کل شئ حرمه الله تعالي من الحرائر حرمه الله تعالي من الاماء إلا الجمع في الوطئ بملک اليمين وقال الجصاص في أحکام القرآن: وروي عن عثمان وابن عباس انهما أباحا ذلک وقالا: أحلتهما آية وحرمتهما آية. وقال: روي عن عثمان الاباحة، وروي عنه أنه ذکر التحريم والتحليل وقال: لا آمربه ولا أنهي عنه. وهذا القول منه يدل علي أنه کان ناظرا فيه غير قاطع بالتحليل والتحريم فيه فجائز أن يکون قال فيه بالاباحة ثم وقف فيه، وقطع علي فيه بالتحريم.

وقال الزمخشري: أما الجمع بينهمافي ملک اليمين فعن عثمان وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا: أحلتهما آية وحرمتهما آية. فرحج علي التحريم وعثمان التحليل.

قال الرازي: عن عثمان انه قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحليل أولي قال ابن عبدالبر في کتاب الاستذکار:[1] إنما کني قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طالب لصحبته عبدالملک بن مروان، وکانوا يستثقلون ذکر علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

راجع السنن الکبري للبيهقي 164: 7، أحکام القرآن للجصاص 158: 2، المحلي لابن حزم 522: 9، تفسير الزمخشري 359: 1، تفسير القرطبي 117: 5، بدايع الصنايع

[صفحه 216]

للملک العلماء 264: 2، تفسير الخازن 356: 1، الدر المنثور 136: 2 نقلا عن مالک والشافعي وعبدبن حميد وعبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي، تفسير الشوکاني 418: 1 نقلا عن الحفاظ المذکورين.

قال الاميني: يقع البحث عن هذه المسألة في موردين الاول: في حکم الجمع بين الاختين بملک اليمين ووطأ هما جميعا فهو محرم علي المشهور بين الفقهاء کما قاله الرازي في تفسيره 193: 3.

وهو المشهور عن الجمهور والائمة الاربعة وغيرهم وإن کان بعض السلف قد توقف في ذلک کماقاله ابن کثير في تفسيره 472: 1.

ولا يجوز الجمع عند عامة الصحابة کما في بدايع 264: 2.

کان فيه خلاف بين السلف ثم زال وحصل الاجماع علي تحريم الجمع بينهما بملک اليمين. واتفق فقهاء الامصار عليه کما قاله الجصاص في أحکام القرآن 158: 2

وذهب کافة العلماء إلي عدم جوازه ولم يلتفت أحد من أئمة الفتوي إلي خلافه( قول عثمان) لانهم فهموا من تأويل کتاب الله خلافه ولا يجوز عليهم تحريف التأويل وممن قال ذلک من الصحابة عمر وعلي وابن عباس وعمار وابن عمر وعائشة وابن الزبير وهؤلاء أهل العلم بکتاب الله فمن خالفهم فهو متعسف في التأويل. کذاقاله القرطبي في تفسيره 117 و 116: 5.

وقال أبوعمر في الاستذکار: روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس ولکن اختلف عليهم ولم يلتفت إلي ذلک أحد من فقهاء الامصار والحجاز والعراق ولا ما وراء هما من المشرق ولا بالشام والمغرب إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس، وقد ترک من يعمل ذلک ظاهرا مااجتمعنا عليه، وجماعة الفقهاء متفقون علي أنه لا يحل الجمع بين الاختين بملک اليمين في الوطئ کما لا يحل ذلک في النکاح.[2] .

وحکيت الحرمة المتسالم عليها بين الامة جمعاء عن علي وعمر والزبير وابن عباس وابن مسعود وعائشة وعمار وزيدبن ثابت وابن عمر وابن الزبير وابن منبة واسحاق

[صفحه 217]

ابن راهويه وابراهيم النخعي والحکم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان والشعبي والحسن البصري وأشهب والاوزاعي والشافعي وأحمد واسحاق وأبي حنيفة ومالک.[3] .

ومع المجمعين الکتاب والسنة فمن الکتاب إطلاق الذکر الحکيم في عد المحرمات في قوله تعالي: وأن تجمعوا بين الاختين (سورة النساء 23) فقد حرمت الجمع بينهما بأي صورة من نکاح أو ملک يمين قال ابن کثير في تفسيره 473: 1: وقد أجمع المسلمون علي أن معني قوله: حرمت عليکم أمهاتکم وبناتکم وأخواتکم. إلي آخر الآية:[4] أن النکاح وملک اليمين في هؤلاء کلهن سواء وکذلک يجب أن يکون نظرا و قياسا الجمع بين الاختين وامهات النساء والربائب، وکذلک هو عند جمهور هم وهم الحجة المحجوج بها «علي» من خالفها وشذ عنها. ه.

وقد تمسک بهذا الاطلاق الصحابة والتابعون والعلماء وأئمة الفتوي والمفسرون وکان مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام يشدد النکير علي من يفعل ذلک ويقول: لوکان لي من الامر شئ ثم وجدت أحدا فعل ذلک لجعلته نکالا. أو يقول للسائل: إني أنهاک عنهما ولو جمعت بينهما ولي عليک سلطان عاقبتک عقوبة منکلة.

وروي عن أياس بن عامر انه قال: سألت علي بن أبي طالب فقلت: إن لي اختين مماملکت يميني إتخذت إحداهما سرية وولدت لي أولادا ثم رغبت في الاخري فما أصنع؟ قال: تعتق التي کنت تطأ ثم تطأ الاخري ثم قال: انه يحرم عليک مما ملکت يمينک ما يحرم عليک في کتاب الله من الحرائر إلا العدد. أو قال: إلا الاربع ويحرم عليک من الرضاع ما يحرم عليک في کتاب الله من النسب.[5] .

ولو لم يکن في هذا المورد غير کلام الامام عليه السلام لنهض حجة للفتوي فانه أعرف الامة بمغازي الکتاب وموارد السنة، وهو باب علم النبي صلي الله عليهما وآلهما

[صفحه 218]

وهو الذي خلفه صلي الله عليه وآله عدلا للکتاب ليتمسکوا بهما فلا يضلوا.

وقد أصفق علي ذلک أئمة أهل البيت عليهم السلام من ولده وهم عترته صلي الله عليه وآله أعدال الکتاب وأبوهم سيدهم وقولهم حجة في کل باب.

وبهذه تعرف مقدار ما قد يعزي إلي امير المؤمنين عليه السلام من موافقته لعثمان في رأيه الشاذ عن الکتاب والسنة وقوله: أحلتمها آية وحرمتهما آية. وحاشاه عليه السلام من أن يختلف رأيه في حکم من أحکام الله، غير ان رماة القول علي عواهنه راقهم أن يهون علي الامة خطب عثمان فکذبوا عليه صلوات الله عليه واختلقوا عليه، قال الجصاص في أحکام القرآن 158: 2: قد روي اياس بن عامر انه قال لعلي: إنهم يقولون: إنک تقول: أحلتهما آية وحرمتهما آية. فقال: کذبوا.

ومن السنة للمجمعين ما استدل به علي الحرمة ابن نجيم في البحر الرائق 95: 3، وملک العلماء في بدايع الصنايع 264: 2 وغيرهما من قوله صلي الله عليه وآله: من کان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين.

(المورد الثا ني): وهل هناک ما يخصص الحرمة المستفادة من القرآن بالسنة إلي ملک اليمين؟ يدعي عثمان ذلک فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية. ولم يعين الآية المحللة کما يعينها غيره من السلف، نعم: أخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن حاتم والطبراني من طريق ابن مسعود انه سئل عن الرجل يجمع بين الاختين الامتين فکرهه، فقيل: يقول الله تعالي: إلاما ملکت ايمانکم. فقال وبعيرک أيضا مما ملکت يمينک. وفي لفظ ابن حزم: إن حملک مما ملکت يمينک[6] .

وقال الجصاص في أحکام القرآن 158: 2: يعنون بالمحلل قوله تعالي: والمحصنات من النساء إلا ما ملکت ايمانکم. والقول بهذا بعيد عن نطاق فهم القرآن وعرفان أسباب نزول الآيات، ولا تساعده الاحاديث الواردة في الآية الکريمة، وأني للقائل من ثبوت التعارض بين الآيتين بعد ورودهما في موضوعين مختلفين؟ ولاعلام القوم في المقام بيانات ضافية قيمة نقتصر منها بکلام الجصاص قال في «أحکام القرآن» 199: 2: إن

[صفحه 219]

الآيتين غير متساويتين في إيجاب التحريم والتحليل وغير جائز الاعتراض بأحدهما علي الاخري إذ کل واحدة منهما ورود ها في سبب غير سبب الاخري وذلک: لان قوله تعالي: وأن تجمعوا بين الاختين. وارد في حکم التحريم کقوله تعالي: وحلائل أبنائکم. وأمهات نسائکم. وسائر من ذکر في الآية تحريمها. وقوله تعالي: والمحصنات من النساء إلا ماملک أيمانکم. في إباحة المسبية التي لها زوج في دار الحرب، وأفاد وقوع الفرقة وقطع العصمة فيما بينهما، فهو مستعمل فيهما ورد فيه من ايقاع الفرقة بين المسبية وبين زوجها وإباحتها لمالکها، فلا يجوز الاعتراض به علي تحريم الجمع بين الاختين، إذکل واحدة من الآيتين واردة في سبب غير سبب الاخري، فيستعمل حکم کل واحدة منهما في السبب الذي وردت فيه. قال:

ويدل علي ذلک انه لاخلاف بين المسلمين في أنها لم تعترض علي حلائل الابناء وأمهات النساء وسائر من ذکر تحريمهن في الآية، وانه لا يجوز وطئ حليلة الابن ولا أم المرأة بملک اليمين ولم يکن قوله تعالي: «إلاما ملکت ايمانکم» موجبا لتخصيصهن لوروده في سبب غير سبب الآية الاخري، کذلک ينبغي أن يکون حکمه في اعتراضه علي تحريم الجمع وامتناع علي رضي الله عنه ومن تابعه في ذلک من الصحابة من الاعتراض بقوله تعالي: «إلا ما ملکت أيمانکم». علي تحريم الجمع بين الاختين يدل علي أن حکم الآيتين إذا وردتا في سببين إحداهما في التحليل و الاخري في التحريم ان کل واحدة منهما تجري علي حکمهما في ذلک السبب ولا يعترض بها علي الاخري، وکذلک ينبغي أن يکون حکم الخبرين إذا وردا عن الرسول صلي الله عليه وسلم في مثل ذلک. الخ.

ونحن نردف کلام الجصاص بماورد في سبب نزول قوله تعالي: والمحصنات من النساء إلا ما ملکت أيمانکم. وإنه کما سمعت من الجصاص غير السبب الوارد فيه قوله تعالي: وأن تجمعوا بين الاختين.

أخرج مسلم في صحيحه وغيره بالاسناد عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج فکرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج فسألنا النبي صلي الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: والمحصنات من النساء إلا ما ملکت أيمانکم. فاستحللنا بها فروجهن

[صفحه 220]

وفي لفظ أحمد: إن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أطاس لهن أزواج من أهل الشرک فکان أناس من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم کفوا وتأثموا من من غشيانهن قال: فنزلت هذه الآية في ذلک: «والمحصنات من النساء إلا ماملکت أيمانکم».

وفي لفظ النسائي: إن نبي الله صلي الله عليه وسلم بعث جيشا إلي أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم وظهروا عليهم فأصابوا لهم سبايا لهن أزواج في المشرکين فکان المسلمون تحرجوا من غشيانهن فأنزل الله عزوجل: والمحصنات من النساء إلا ما ملکت أيمانکم.

راجع صحيح مسلم 417 و 416: 1، صحيح الترمذي 135: 1، سنن أبي داود 336: 1، سنن النسائي 110: 6، مسند أحمد 84 و 72: 3، أحکام القرآن للجصاص 165: 2، سنن البيهقي 167: 7، المحلي لابن حزم 447: 9، مصابيح السنة 29: 2، تفسير القرطبي 121: 5، تفسير البيضاوي 269: 1، تفسير ابن کثير 372: 1، تفسير الخازن 375: 1، تفسير الشوکاني 418: 1.

وعلي ذلک تأوله علي وابن عباس وعمر وعبدالرحمن بن عوف وابن عمر وابن مسعود وسعيدبن المسيب وسعيد بن جبير وقالوا: إن الآية وردت في ذوات الازواج من السبايا ابيح وطؤهن بملک اليمين ووجب بحدوث السبي عليها دون زوجها وقوع الفرقة بينهما.[7] .

وقال القرطبي في تفسيره 121: 5: قد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقال ابن عباس وأبوقلابة وابن زيد ومکحول والزهري وأبوسعيد الخدري: المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الازواج خاصة، أي هن محرمات إلا ما مملکت اليمين بالسبي من أرض الحرب، فإن تلک حلال للذي تقع في سهمه وإن کان لها زوج. وهو قول الشافعي في أن السباء يقطع العصمة، وقاله ابن وهب وابن عبد الحکم وروياه عن مالک، و وقال به أشهب، يدل عليه مارواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري «وذکر الحديث فقال»: وهذا نص صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم عن وطئ المسبيات ذوات الازواج، فأنزل الله تعالي في جوابهم: إلا ما ملکت

[صفحه 221]

ايمانکم وبه قال مالک وأبوحنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبوثور وهو الصحيح إن شاء الله تعالي. اه.

(قول آخر في الآية المحللة)

قال ملک العلماء في بدايع الصنايع 264: 2، والزمخشري في تفسيره 359: 1: عني عثمان بآية التحليل قوله عزوجل: إلاعلي أزواجهم أو ما ملکت أيمانهم فإنهم غير ملومين.[8] .

وهذا إنما يتم بالتمسک بعموم ملک اليمين لکن الممعن في لحن القول يجد انه لايجوز الاخذ بهذا العموم لانه في مقام بيان ناموس العفة للمؤمنين بأن صاحبها يکون حافظا لفرجه إلا فيما أباح له الشارع في الجملة من زوجة أو ملک يمين فقال: والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أوما ملکت أيمانهم فانهم غير ملومين ولا ينافي هذا وجود شروط في کل منهما، فإن العموم لا يبطل تلکم الشروط الثابتة من الشريعة، وإنما هي التي تضيق دائرة العموم وهي الناظرة عليه، مثلا لا يقتضي هو إباحة وطي الزوجة في حال الحيض والنفاس وفي أيام شهر رمضان وفي الاحرام والايلاء والظهار والمعتدة من وطئ بشبهة، ولا إباحة وطي الاختين ولا وطئ الامة ذات الزوج فإن هذه شرايط جاء بها الاسلام لا يخصصها أي شئ، ولا يعارض أدلتها عموم إلاعلي أزواجهم أو ماملکت ايمانهم.

ولو وسعنا عموم الآية لوجب أن نبيح کل هذه أو نراها تعارض أدلتها، ولنا عندئذ أن نقول في نکاح الاختين وفي بقية ماورد في الکتاب مما ذکر: احلته آية وحرمته آية. فقد استثنيا «الزوجة وملک اليمين» بنسق واحد وهذا مما لا يفوه به أي متفقه.

وکذالک لوأخذ بعمومها في الرجال والنساء کما جوزه الجصاص لوجب أن نبيح للمرأة المالکة أن يطأها من تملکه، وهذا لايحل إجماعا من أئمة المذاهب. وقال ابن حزم في المحلي 524: 9: لاخلاف بين أحد من الامة کلها قطعا متيقنا في أنه ليس علي عمومه، بل کلهم مجمع قطعا علي أنه مخصوص، لانه لا خلاف ولاشک

[صفحه 222]

في أن الغلام من ملک اليمين وهوحرام لايحل، وان الام من الرضاعة من ملک اليمين والاخت من الرضاعة من ملک اليمين، وکلتاهما متفق علي تحريمهما، أو الامة يملکها الرجل قد تزوجها أبوه ووطأها وولد منها حرام علي الابن.

وقال: ثم نظرنا في قوله تعالي: وأن تجمعوا بين الاختين. وأمهات نسائکم وربائبکم اللاتي في حجورکم من نسائکم اللاتي دخلتم بهن. ولا تنکح المشرکات حتي يؤمن. ولم يأت نص ولا إجماع علي أنه مخصوص حاش زواج الکتابيات فقط، فلا يحل تخصيص نص لا برهان علي تخصيصه، وإذ لابد من تخصيص ماهذه صفتها أو تخصيص نص آخر لا خلاف في أنه مخصص، فتخصيص المخصوص هو الذي لايجوز غيره. اه.

وأما ماقيل[9] من أن الآية المحللة قوله تعالي: وأحل لکم ماوراء ذلکم. في ذيل آية عد المحرمات فباطل أيضا فانه بمنزلة الاستثناء مماقبله من المحرمات ومنها الجمع بين الاختين، وقد عرفت ان الامة صحابيها وتابعيها وفقهائها مجمعة علي عدم الفرق في حرمة الجمع بين الاختين في الوطئ نکاحا وملک يمين، ولم يفرقوا بينهما قط، وهو الحجة، علي أن ملاک التحريم في النکاح وهو الوطي موجود في ملک اليمين فالحکم فيهما شرع سواء في المراد مما وراء ذلک هوما وراء المذکورات کلهامن الامهات والبنات إلي آخرمافيها، ومنها الجمع بين الاختين بقسميه.

وعلي فرض الاغضاء عن کل هذه وعن أسباب نزول الآيات وتسليم إمکان المعارضة بين الآيتين فان دليل الحظر مقدم علي دليل الاباحة في صورة التعارض ووحدة سبب الدليلين کمابينه علماء علم الاصول ونص عليه في هذه المسألة الجصاص في أحکام القرآن 158: 2، والرازي في تفسيره 193: 3.

لکن عثمان کان لايعرف کل هذا، ولاأحاط بشئ من أسباب نزول الآيات فطفق يغلب دليل الاباحة في مزعمته علي دليل التحريم المتسالم عليه عند الکل، وقد عزب عنه حکم العقل المستدعي لتقديم أدلة الحرمة دفعا للضرر المحتمل، وقد شذ بذلک عن جميع الامة کما عرفت تفصيله ولم يوافقه علي هذا الحسبان أي أحد إلا مايعزي

[صفحه 223]

إلي ابن عباس بنقل مختلف فيه کمامر عن أبي عمر في الاستذکار.

وفي کلا م الخليفة شذوذ آخر وهو قوله: کل شئ حرمه الله تعالي من الحرائر حرمه الله تعالي من الاماء إلا الجمع باالوطئ بملک اليمين. فهو باطل في الاستثناء والمستثني منه، أما الاستثناء فقد عرفت إطباق الکل علي حرمة الجمع بين الاختين بالوطئ بملک اليمين معتضدا بالکتاب والسنة، وأما المستثني منه فقد أبقي فيه ما هو خارج منه بالاتفاق من الامة جمعاء وهو العدد المأخوذ في الحرائر دون الاماء.

لقد فتحت أمثال هذه المزاعم الباطلة الشاذة عن الکتاب وفقه الاسلام باب الشجار علي الامة بمصراعيه، فانها في الاغلب لا تفقد متابعا أو مجادلا قد ضلوا وأضلوا وهم لا يشعرون، وهناک شرذمة سبقها الاجماع ولحقها من أهل الظاهر لايأبه بهم لم يزالوا مصرين علي رأي الخليفة في هذه المسألة، لکنهم شذاذ عن الطريقة المثلي، قال القرطبي في تفسيره 117: 5: شذ أهل الظاهر فقالوا: يجوز الجمع بين الاختين بملک اليمين في الوطئ کما يجوز الجمع بينهما في الملک، واحتجوا بما روي عن عثمان في الاختين من ملک اليمين: حرمتهما آية وأحلتهما آية.

ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ماجاءک من العلم إنک إذا لمن الظالمين.

«البقرة 145»



صفحه 215، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223.





  1. في بيان حديث الموطأ المذکور في أول العنوان في قول قبيصة: فلقي رجلا.
  2. تفسير ابن کثير 473: 1، تفسير الشوکاني 411: 1.
  3. راجع احکام القرآن للجصاص 158: 2، المحلي لابن حزم 523 و 522: 9، تفسير القرطبي 118 و 117: 5، تفسير أبي حيان 213: 3، تفسير الرازي 193: 3، الدر المنثور 137 و 2.
  4. هي آية: وان تجمعوا بين الاختين.
  5. أخرجه الجصاص في أحکام القرآن 158: 2، وأبوعمرفي الاستذکار، وذکره ابن کثير في تفسيره 472: 1، والسيوطي في الدر المنثور 137: 2.
  6. المحلي لابن حزم 524: 9، تفسير ابن کثير 472: 1، الدر المنثور 137: 2 نقلا عن الحفاظ المذکورين.
  7. أحکام القرآن للجصاص 165: 2، سنن البيهقي 167: 7، تفسير الشوکاني 418: 1.
  8. سورة المؤمنين آية 6.
  9. تفسير القرطبي 117: 5، تفسير ابن کثير 474: 1.