النداء الثالث بأمر عثمان











النداء الثالث بأمر عثمان



أخرج البخاري وغيره بالاسناد عن السائب بن يزيد: ان النداء يوم الجمعة کان أوله في زمان رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي زمان أبي بکر وفي زمان عمر إذا خرج الامام،وإذاقامت الصلاة حتي کان زمان عثمان فکثر الناس فزاد النداء الثالث علي الزوراء فثبتت حتي الساعة[1] .

وفي لفظ البخاري وأبي داود: الاذان کان أوله حين يجلس الامام علي المنبر يوم الجمعة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بکر وعمر رضي الله عنهما، فلما کان خلافة عثمان

[صفحه 126]

وکثر الناس، أمر عثمان يوم الجمعة بالاذان الثالث، فأذن به علي الزوراء فثبت الامر علي ذلک.

وفي لفظ النسائي: أمر عثمان يوم الجمعة بالاذان الثالث فأذن به علي الزوراء.وفي لفظ له أيضا: کان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر يوم الجمعة فإذا نزل أقام، ثم کان کذلک في زمن أبي بکر وعمر.

وفي لفظ الترمذي: کان الاذان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبي بکر وعمرإذا خرج الامام أقيمت الصلاة، فلما کان عثمان زاد النداء الثالث علي الزوراء.

وفي لفظ البلاذري في الانساب 39: 5 عن السائب بن يزيد: کان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا خرج للصلاة أذن المؤذن ثم يقيم، وکذلک کان الامر علي عهد أبي بکر وعمر، وفي صدر من أيام عثمان، ثم إن عثمان نادي النداء الثالث في السنة السابعة[2] فعاب الناس ذلک وقالوا: بدعة.

وقال ابن حجر في فتح الباري 315: 2: والذي يظهر ان الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاک لکونه خليفة مطاع الامر، ولکن ذکر الفاکهاني: إن أول من أحدث الاذان الاول بمکة الحجاج وبالبصرة زياد، وبلغني أن أهل الغرب الادني الآن لا تأذين عندهم سوي مرة، وروي إبن أبي شيبة من طريق إبن عمر قال: الاذان الاول يوم الجمعة بدعة. فيحتمل أن يکون قال ذلک علي سبيل الانکار، و يحتمل أن يريد انه لم يکن في زمن النبي صلي الله عليه وسلم وکل مالم يکن في زمنه يسمي بدعة.

وحکي مافي الفتح الشوکاني في نيل الاوطار 323: 3، وذکر العيني في عمدة القاري حديث ابن عمر من ان: الاذان الاول يوم الجمعة بدعة، وروي عن الزهري قوله: إن أول من أحدث الاذان الاول عثمان يؤذن لاهل الاسواق. وقال: وفي لفظ: فأحدث عثمان التأذينة الثالثة علي الزوراء ليجتمع الناس إلي أن قال: وقيل: إن أول من أحدث الاذان الاول بمکة الحجاج وبالبصرة زياد.

قال الاميني: إن أول ما يستفهم من رواة هذه الاحاديث ان المراد من

[صفحه 127]

کثرة الناس الموجبة لتکرر الاذان هل هو کثرتهم في مرکز الخلافة المدينة المنورة أو کثرتهم في العالم؟ أما الثاني فلم يکن يجديهم فيه ألف أذان، فان صوت مؤذن المدينة لايبلغ المدن والامصار، ولا أن اولئک مکلفون بالاصغاء إلي أذان المدينة ولا الصلاة معه.

وأما کثرة الناس في المدينة نفسها لوتم کونها مصححا للزيادة في النداء فانما يصحح تکثير المؤذنين في أنحاء البلد في وقت واحد لاالاذان بعد الاقامة الفاصل بينهما وبين الصلاة، وقد ثبت في السنة خلافه في الترتيب، وأحدوثة الخليفة إنما هي الزيادة في النداء بعد الاقامة لا إکثار المؤذنين کما نبه اليه الترکماني في شرح السنن الکبري للبيهقي 429: 1، ولذلک عابه عليه الصحابة، وحسبوه بدعة، ولا يخص تعدد المؤذنين بأيام عثمان فحسب، وقد کان في أيام رسول الله صلي الله عليه وآله يؤذن بلال وابن ام مکتوم، واتخذ عثمان أربعة للحاجة اليها حين کثر الناس کما في شرح الآبي علي صحيح مسلم 136: 2، ولا أجد خلافا في جواز تعدد المؤذنين، بل رتبوا عليه أحکاما مثل قولهم هل الحکاية المستحبة أو الواجبة کما قيل تتعدد بتعدد المؤذنين أم لا؟ وقولهم: إذا أذن المؤذن الاول، هل للامام أن يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده؟ أو له أن يخرج ويقطع من بعده أذانه؟ وقولهم: إذا تعدد المؤذنون لهم أن يؤذن واحد بعد واحد، أو يؤذن کلهم في أول الوقت؟ وقال الشافعي في کتاب الام 72: 1: إن کان مسجدا کبيرا له مؤذنون عدد فلا بأس أن يؤذن في کل منارة له مؤذن فيسمع من يليه في وقت واحد.

وظاهر ما مر في الصحيح من انه زاد النداء الثالث هوإحداث الاذان بعد الاذان والاقامة لا الاذان قبلهما کما يأتي عن الطبراني، ويومي اليه قول بعض شراح الحديث من أن النداء الثالث ثالث باعتبار الشرعية لکونه مزيدا علي الاذان بين يدي الامام وعلي الاقامة للصلاة،[3] نعم: قال ابن حجر في فتح الباري 315: 2: تواردت الشراح علي ان معني قوله «الاذان الثالث» ان الاولين الاذان والاقامة، فتسمية ما أمر به عثمان ثالثا يستدعي سبق اثنين قبله. وقال العيني في عمدته 290: 2: إنما اطلق الاذان علي الاقامة لانها إعلام کالاذان، ومنه قوله صلي الله عليه وسلم: بين کل أذانين صلاة لمن

[صفحه 128]

شاء،[4] ويعني به بين الاذان والاقامة.

وعلي تقدير ايجاب کثرة الناس الزيادة في النداء يلزم کماقلنا أن يکون الاذان الزايد في أطراف البلد وأقاصيه عن المسجد ليبلغ من لا يبلغه أذان المسجد الذي کان يؤذن به علي باب المسجد علي العهد النبوي ودور الشيخين، کما ورد في سنن أبي داود 171: 1، لافي الزوراء التي هي دار بقرب المسجد کما في القاموس، وتاج العروس، سواء کانت هي دار عثمان بن عفان التي ذکرها الحموي في المعجم 412: 4، وقال الطبراني: فأمر عثمان بالنداء الاول علي دار له يقال لها: الزوراء فکان يؤذن له عليها[5] .

أو موضع عند سوق المدينة بقرب المسجد کما ذکره الحموي أيضا، أوحجر کبير عند باب المسجد علي ماجزم به ابن بطال کما في فتح الباري 315: 2، وعمدة القاري 291: 3 فالنداء في الزوراء علي کل حال کالنداء في باب المسجد في مدي الصوت ومبلغ الخبر، فأي جدوي في هذه الزيادة المخالفة للسنة؟

ثم ان کثرة الناس علي فرضها في المدينة هل حصلت فجائية في السابعة من خلافة عثمان؟ أو أن الجمعية کانت إلي التکثر منذ عادت عاصمة الخلافة الاسلامية؟ فما ذلک الحد الذي أوجب مخالفة السنة؟ أو إبتداع نداء ثالث؟ وهل هذه السنة المبتدعة يجري ملاکها في العواصم والاوساط الکبيرة التي تحتوي أضعاف ماکان بالمدينة من الناس فيکرر فيها الاذان عشرات أومئات؟ سل الخليفة وأنصاره المبررين لعمله.

علي أن کثرة الناس في المدينة إن کانت هي الموجبة للنداء الثالث فلماذا أخذ فعل الخليفة أهل البلاد جمعاء وعمل به؟ ولم يکن فيها التکثر، وکان علي الخليفة أن ينهاهم عنه وينوه بأن الزيادة علي الاذان المشروع تخص بالمدينة فحسب، أو يؤخذ بحکمها في کل بلدة کثر الناس بها.

نعم: فتح الخليفة باب الجرأة علي الله فجاء بعده معاوية ومروان وزياد والحجاج ولعبوا بدين الله علي حسب ميولهم وشهواتهم والبادي أظلم.

[صفحه 129]



صفحه 126، 127، 128، 129.





  1. صحيح البخاري 96 و 95: 2، صحيح الترمذي 68: 1، سنن أبي داود 171: 1، سنن ابن ماجة 348: 1، سنن النسائي 100: 3، کتاب الام للشافعي 173: 1، سنن البيهقي 429: 1، ج 205 و 192: 3، تاريخ الطبري 68: 5، کامل ابن الاثير 48: 3، فيض الاله المالک للبقاعي 193: 1.
  2. يعني السنة السابعة من خلافة عثمان توافق الثلاثين من الهجرة کما في تاريخ الطبري وغيره.
  3. شرح التر مذي في هامشه 68: 2.
  4. أخرجه البخاري في صحيحه 8: 2.
  5. فتح الباري لابن حجر 315: 2، عمدة القاري 291: 3.