ابطال الخليفة الحدود











ابطال الخليفة الحدود



أخرج البلاذري في الانساب 33: 5 من طريق محمد بن سعد، بالاسناد عن أبي اسحاق الهمداني: ان الوليد بن عقبة شرب فسکر فصلي بالناس الغداة رکعتين[1] ثم التفت فقال: أزيدکم؟ فقالوا: لاقد قضينا صلاتنا، ثم دخل عليه بعد ذلک أبوزينب وجندب بن زهير الازدي وهو سکران فانتزعا خاتمه من يده وهو لايشعر سکرا.

قال أبواسحاق: وأخبرني مسروق انه حين صلي لم يرم حتي قاء، فخرج في أمره إلي عثمان أربعة نفر: أبوزينب. وجندب بن زهير. وأبوحبيبة الغفاري. والصعب بن جثامة. فاخبروا عثمان خبره فقال عبدالرحمن بن عوف، ماله؟ أجن؟ قالوا: لا، ولکنه سکر. قال: فأوعدهم عثمان وتهددهم، وقال لجندب: أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟ قال: معاذالله، ولکني أشهد إني رأيته سکران يقسلهامن جوفه، واني أخذت خاتمه من يده وهو سکران لايعقل.

قال أبواسحاق: فأتي الشهود عائشة فأخبروها بما جري بينهم وبين عثمان، وان عثمان زبرهم، فنادت عائشة: إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود.

وقال الواقدي: وقد يقال: إن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطا، فأتوا عليا فشکوا ذلک إليه. فأتي عثمان فقال: عطلت الحدود وضربت قوماشهدوا علي أخيک فقلبت الحکم، وقد قال عمر: لاتحمل بني امية وآل أبي معيط خاصة علي رقاب الناس قال: فماتري؟ قال: أري أن تعزله ولا توليه شيئا من امور المسلمين، وأن تسأل عن الشهود فإن لم يکونوا أهل ظنة ولا عداوة أقمت علي صاحبک الحد.

قال: ويقال: إن عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها وقال: وماأنت وهذا؟ إنما أمرت أن تقري في بيتک. فقال قوم مثل قوله: وقال آخرون: ومن أولي بذلک

[صفحه 121]

منها، فاضطربوا بالنعال، وکان ذلک أول قتال بين المسلمين بعد النبي صلي الله عليه وسلم.

وأخرج من عدة طرق: ان طلحة والزبير أتيا عثمان فقالا له: قد نهيناک عن تولية الوليد شيئا من امور المسلمين فأبيت وقد شهد عليه بشرب الخمر والسکر فاعزله وقال له علي: اعزله وحده إذا شهد الشهود عليه في وجهه. فولي عثمان سعيد بن العاص الکوفة وأمره باشخاص الوليد، فلماقدم سعيد الکوفة غسل المنبر ودار الامامة وأشخص الوليد، فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة حبر و أدخله بيتا فجعل إذا بعث اليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: أنشدک الله أن تقطع رحمي وتغضب أميرالمؤمنين عليک. فيکف. فلما رأي ذلک علي بن أبي طالب أخذالسوط ودخل عليه ومعه إبنه الحسن فقال له الوليد مثل تلک المقالة فقال له الحسن: صدق ياأبت، فقال علي: ماأنا إذا بمؤمن. وجلده بسوط له شعبتان، وفي لفظ: فقال علي للحسن ابنه: قم يابني فاجلده، فقال عثمان: يکفيک ذلک بعض من تري فأخذ علي السوط ومشي اليه فجعل يضربه والوليد يسبه، وفي لفظ الاغاني: فقال له الوليد: نشدتک بالله وبالقرابة، فقال له علي: اسکت أباوهب فانما هلکت بنو اسرائيل بتعطيلهم الحدود فضربه وقال: لتدعوني قريش بعد هذا جلادها.

قالوا: وسئل عثمان أن يحلق، وقيل له: إن عمر حلق مثله، فقال: قدکان فعل ذلک ثم ترکه.

وقال أبومخنف وغيره: خرج الوليد بن عقبة لصلاة الصبح وهو يميل فصلي رکعتين ثم التفت إلي الناس فقال: أزيدکم؟ فقال له عتاب بن علاق أحد بني عوافة ابن سعد وکان شريفا: لازادک الله مزيدالخير، ثم تناول حفنة من حصي فضرب بها وجه الوليد وحصبه الناس وقالوا: والله ماالعجب إلا ممن ولاک، وکان عمر بن الخطاب فرض لعتاب هذا مع الاشراف في ألفين وخمسمائة. وذکر بعضهم: ان القي غلب علي الوليد في مکانه، وقال يزيد بن قيس الارحبي ومعقل بن قيس الرياحي: لقد أراد عثمان کرامة أخيه بهوان امة محمد صلي الله عليه وسلم. وفي الوليد يقول الحطيئة جرول بن أوس بن مالک العبسي:


شهد الحطيئة يوم يلقي ربه
ان الوليد أحق بالعذر

[صفحه 122]

نادي وقد نفدت[2] صلاتهم
أأزيد کم؟ ثملا ومايدري


ليزيدهم خيراولو قبلوا
منه لزادهم علي عشر


فأبوا أباوهب ولوفعلوا
لقرنت بين الشفع والوتر


حبسوا عنانک إذجريت ولو
خلوا عنانک لم تزل تجري[3] .


وذکر أبوالفرج في «الاغاني» 178: 4، وأبوعمر في «الاستيعاب» بعد هذه الابيات لحطيئة أيضاقوله:


تکلم في الصلاة وزاد فيها
علانية وجاهر بالنفاق


ومج الخمر في سنن المصلي
ونادي والجميع إلي افتراق


أزيدکم؟ علي أن تحمدوني
فمالکم ومالي من خلاق


ثم قال أبوعمر: وخبر صلاته بهم وهو سکران وقوله: أزيدکم؟ بعد أن صلي الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث وأهل الاخبار.

وهکذا جاء في مسند أحمد 144: 1، سنن البيهقي 318: 8، تاريخ اليعقوبي 142: 2 وقال: تهوع في المحراب، کامل ابن الاثير 42: 3، أسدالغابة 92 و 91: 5 و قال: قوله لهم: أزيدکم؟ بعد أن صلي الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من أهل الحديث، ثم ذکر حديث الطبري[4] في تعصب القوم علي الوليد وقول عثمان له: يا أخي أصبر فإن الله يأجرک ويبوء القوم باثمک. فقال: قال أبوعمر: والصحيح عند أهل الحديث أنه شرب الخمر وتقيأها وصلي الصبح أربعا.

تاريخ أبي الفداج 176، الاصابة 638: 3 وقال: قصة صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سکران مشهورة مخرجة: تاريخ الخلفاء لليسوطي ص 104، السيرة الحلبية 314: 2 وقال: صلي بأهل الکوفة أربع رکعات وصار يقول في رکوعه وسجوده: إشرب واسقني. ثم قاء في المحراب ثم سلم وقال: هل أزيدکم؟ فقال له ابن مسعود

[صفحه 123]

رضي الله عنه: لا زادک الله خيرا ولا من بعثک الينا وأخذ فردة خفه وضرب به وجه الوليد وحصبه الناس فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنح. الخ.

وحکي أبوالفرج في الاغاني 178: 4 عن عبيد والکلبي والاصمعي: ان وليد بن عقبة کان زانيا شريب الخمر فشرب الخمر بالکوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع فصلي بهم أربع رکعات ثم التفت إليهم وقال لهم: أزيدکم؟ وتقيأ في المحراب وقرأبهم في الصلاة وهو رافع صوته:


علق القلب الربابا
بعد ماشابت وشابا


وذکره في ص 179 نقلاعن عمر بن شبة، وروي من طريق المدائني في صفحة 180 عن الزهري انه قال: خرج رهط من أهل الکوفة إلي عثمان في أمر الوليد فقال: أکلما غضب رجل منکم علي أميره رماه بالباطل؟ لئن أصبحت لکم لانکلن بکم، فاستجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وکلاما فيه بعض الغلظة فقال: أما يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة. فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وقالت: ترکت سنة رسول الله صاحب هذاالنعل.فتسامع الناس فجاءوا حتي ملاوا المسجد فمن قائل: أحسنت، ومن قائل: ماللنساء ولهذا؟ حتي تحاصبواو تضاربوا بالنعال، ودخل رهط من أصحاب رسول الله علي عثمان فقالواله: إتق الله لا تعطل الحد واعزل أخاک عنهم فعزله عنهم.

وأخرج من طريق مطرالوراق قال: قدم رجل المدينة فقال لعثمان رضي الله عنه: إني صليت الغداة خلف الوليد بن عقبة فالتفت إلينا فقال: أزيدکم؟ إني أجد اليوم نشاطا، وأنا أشم منه رائحة الخمر. فضرب عثمان الرجل، فقال الناس: عطلت الحدود، وضربت الشهود.

وروي ابن عبد ربه قصة الصلاة في العقد الفريد 273: 2 وفيه: صلي بهم الصبح ثلاث رکعات وهو سکران. الخ.

وجاء في صحيح البخاري في مناقب عثمان في حديث. قد أکثر الناس فيه. قال ابن حجر في فتح الباري 44: 7 في شرح الجملة المذکورة: ووقع في رواية معمر: وکان أکثر الناس فيمافعل به، أي من ترکه إقامة الحد عليه «علي مروان»

[صفحه 124]

وإنکارهم عليه عزل سعدبن أبي وقاص.

قال الاميني: الوليد هو هذا الذي تسمع حديثه وسنوقفک في هذا الجزء و الاجزاء الآتية انشاءالله علي حقيقته حتي کأنک مطل عليه من أمم، تراه يشرب الخمر، ويقئ في محرابه، ويزيد في الصلاة من سورة السکر، وينتزع خاتمه من يده فلايشعر به من شدة الثمل، وقد عرفه الله تعالي قبل يومه هذابقوله عز من قائل: أفمن کان مؤمنا کمن کان فاسقا لا يستون «سورة السجدة 18»[5] وبقوله: إن جاءکم فاسق بنبأ فتبينوا.[6] وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب 620: 2: لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عزوجل: إن جاءکم فاسق بنبأ. نزلت في الوليد. وحکاها عنه ابن الاثير في أسدالغابة 90: 5.

فهل من الممکن أن يجوز مثله حنکة الولاية عن إمام المسلمين؟ فيحتنک النفوس ويستحوذ علي الاموال، ويستولي علي النواميس والاعراض، وتؤخذ منه الاحکام وتلقي إليه أزمة البسط والقبض في حاضرة المسلمين، ويأمهم علي الجمعة والجماعة؟ هل هذا شئ يکون في الشريعة؟ أعزب عني واسأل الخليفة الذي ولاه وزبر الشهود عليه وتوعدهم أوضربهم بسوطه.

وهب ان الولاية سبقت منه لکن الحد الذي ثبت موجبه وليم علي تعطيله ما وجه إرجاءه إلي حين إدخال الرجل في البيت مجللا بجبة حبر وقاية له عن ألم السياط؟ ثم من دخل عليه ليحده دافعه المحدود بغضب الخليفة وقطع رحمه، فهل کان الخليفة يعلم بنسبة الغضب اليه علي إقامة حدالله وإيثار رحمه علي حکم الشريعة؟ فيغض الطرف عنه رضا منه بمايقول، أو لا يبلغه؟ وهو خلاف سياق الحديث الذي ينم عن إطلاعه بکل ماهنالک، وکان يتعلل عن اقامة الحد بکل تلکم الاحوال، حتي انه منع السبط المجتبي الحسن عليه السلام لما علم انه لايجنح إلي الباطل بالرقة عليه وأحب أن يجلده زبانيته الذين يتحرون مرضاته، لکن غلب أمرالله ونفذ حکمه بمولانا أميرالمؤمنين الذي باشر الحد بنفسه والظالم يسبه وهو سلام الله عليه لاتأخذه

[صفحه 125]

في الله لومة لائم، أوأمر سلام الله عليه عبدالله بن جعفر فجلده وهو عليه السلام يعد کمافي الصحيح لمسلم[7] والاغاني وغيرهما.

وهل الحد يعطل بعد ثبوت مايوجبه، حتي يقع عليه الحجاج، ويحتدم الحوار فيعود الجدال جلادا، وتتحول المکالمة ملاکمة، وتعلو النعال والاحذية، ويشکل أول قتال بين المسلمين بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وعقيرة أم المؤمنين مرتفعة: أن عثمان عطل الحدود وتوعد الشهود. ويوبخه علي ذلک سيد العترة صلوات الله عليه بقوله: عطلت الحدود وضربت قوما شهدوا علي أخيک؟ وهل بعد هذه کلها يستأهل مثل هذاالفاسق المهتوک بلسان الکتاب العزيز أن يبعث علي الاموال؟ کما فعله عثمان و بعث الرجل بعد إقامة الحد عليه علي صدقات کلب وبلقين،[8] وهل آصرة الاخاء تستبيح ذلک کله؟.

ليست ذمتي رهينة بالجواب عن هذه الاسؤلة وانما علي سرد القصة مشفوعة بالتعليل والتحليل، وأما الجواب فعلي عهدة أنصار الخليفة، أو أن المحکم فيه هو القارئ الکريم.



صفحه 121، 122، 123، 124، 125.





  1. هکذا في الانساب وصحيح مسلم وأمابقية المصادر فکلها مطبقة علي أربع رکعات و ستوافيک انشاءالله تعالي.
  2. في الاغاني 179 و 178: 4: تمت. بدل نفدت.
  3. وفي الاغاني 179: 4 حول هذه الابيات رواية لاتخلو عن فائدة.
  4. أخرجه في تاريخه 60: 5 و 61 من طريق مجمع علي بطلانه عن کذاب عن مجهول عن وضاع متهم بالزندقة وهم: السري عن شعيب عن سيف بن عمر وسيوافيک تفصيل القول في هذا الطريق الوعر وانه شوه تاريخ الطبري.
  5. راجع الجزء الثاني صفحة 42 ط 1 و 46 ط 2.
  6. سورة الحجرات آية 6.
  7. راجع الجزء الثاني من صحيح مسلم صفحة 52.
  8. تاريخ اليعقوبي 142: 2.