آية محرفة في أبي طالب











آية محرفة في أبي طالب



قوله تعالي: وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلکون إلا أنفسهم وما يشعرون. «سورة الانعام آية 26»

أخرج الطبري وغيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس انه قال: إنها نزلت في أبي طالب، ينهي عن أذي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يؤذي، وينأي أن يدخل في الاسلام.[1] .

وقال القرطبي: هو عام في جميع الکفار أي ينهون عن إتباع محمد عليه السلام وينأون عنه، عن ابن عباس والحسن. وقيل هو خاص بأبي طالب ينهي الکفار عن أذاية محمد عليه السلام ويتباعد من الايمان به، عن ابن عبا س أيضا. روي أهل السير قال: کان النبي صلي الله عليه وسلم قد خرج إلي الکعبة يوما وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة قال أبوجهل- لعنه الله-: من يقوم إلي هذاالرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه النبي صلي الله عليه وسلم فانفتل النبي صلي الله عليه وسلم من صلاته، ثم أتي أبا طالب عمه فقال: ياعم ألاتري إلي مافعل بي؟ فقال أبوطالب: من فعل هذابک؟ فقال

[صفحه 4]

النبي صلي الله عليه وسلم عبدالله بن الزبعري، فقام أبوطالب ووضع سيفه علي عاتقه ومشي معه حتي أتي القوم فلما رأوا أباطالب قد أقبل جعل القوم ينهضون، فقال أبوطالب: والله لئن قام رجل لجللته بسيفي فقعدوا حتي دنا إليهم، فقال: يابني من الفاعل بک هذا؟ فقال: عبدالله بن الزبعري. فأخذ أبوطالب فرثاو دمافلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول فنزلت هذه الآية: وهم ينهون عنه وينأون عنه. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ياعم نزلت فيک آية. قال: وماهي؟ قال تمنع قريشاأن تؤذيني، وتأبي أن تؤمن بي. فقال أبوطالب:


والله لن يصلوا إليک بجمعهم
حتي أوسد في التراب دفينا


إلي آخر الابيات التي أسلفناها ج 7 ص 352 و 334. فقالوا: يارسول الله هل تنفع نصرة أبي طالب؟ قال: نعم دفع عنه بذاک الغل، ولم يقرن مع الشياطين، ولم يدخل في جب الحيات والعقارب، إنما عذابه في نعلين من نار يغلي منهما دماغه في رأسه، وذلک أهون أهل النار عذابا.[2] .

قال الاميني: نزول هذه الآية في أبي طالب باطل لا يصح من شتي النواحي:

1- إرسال حديثه بمن بين حبيب بن أبي ثابت وابن عباس، وکم وکم غيرثقة في أناس روواعن ابن عباس ولعل هذا المجهول أحدهم.

2- إن حبيب بن أبي ثابت إنفرد به ولم يروه أحد غيره ولا يمکن المتابعة علي ما يرويه ولو فرضناه ثقة في نفسه بعد قول ابن حبان: إنه کان مدلسا. وقول العقيلي غمزه ابن عون وله عن عطاء أحاديث لايتابع عليها. وقول القطان: له غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة. وقول الآجري عن أبي داود: ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شئ يصح، وقول ابن خزيمة: کان مدلسا[3] .

ونحن لا نناقش في السند بمکان سفيان الثوري، ولا نؤاخذه بقول من قال: إنه يدلس ويکتب عن الکذابين[4] .

[صفحه 5]

3- إن الثابت عن ابن عباس بعدة طرق مسندة يضاد هذه المزعمة، ففيمارواه الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة وطريق العوفي عنه إنها في المشرکين الذين کانوا ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوابه، وينأون عنه يتباعدون عنه[5] .

وقد تأکد ذلک ماأخرجه الطبري وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبدبن حميد من طريق وکيع عن سالم عن ابن الحنفية، ومن طريق الحسين بن الفرج عن أبي معاذ، ومن طريق بشرعن قتادة.

وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة والسدي والضحاک، ومن طريق أبي نجيح عن مجاهد، ومن طريق يونس عن ابن زيد قالوا: ينهون عن القرآن وعن النبي،وينأون عنه يتباعدون عنه[6] .

وليس في هذه الروايات أي ذکر لابي طالب، وإنما المراد فيها الکفار الذين کانوا ينهون عن إتباع رسول الله أوالقرآن، وينأون عنه بالتباعد والمناکرة، وأنت جد عليم بأن ذلک کله خلاف ماثبت من سيرة شيخ الابطح الذي آواه ونصره و ذب عنه ودعي إليه إلي آخر نفس لفظه.

4- إن المستفاد من سياق الآية الکريمة انه تعالي يريد ذم أناس أحياء ينهون عن اتباع نبيه ويتباعدون عنه، وان ذلک سيرتهم السيئة التي کاشفوا بها رسول الله صلي الله عليه وآله، وهم متلبسون بها عند نزول الآية کما هو صريح ما أسلفناه من رواية القرطبي وإن النبي صلي الله عليه وآله أخبر أباطالب بنزول الآية.

لکن نظرا إلي مايأتي عن الصحيحين فيما زعموه من أن قوله تعالي في سورة القصص: إنک لا تهدي من أحببت ولکن الله يهدي من يشاء. نزلت في أبي طالب بعد وفاته. لا يتم نزول آية ينهون عنه وينأون النازلة في أناس أحياء في أبي طالب، فان سورة الانعام التي فيها الآية المبحوثة عنها نزلت جملة واحدة[7] بعد سورة القصص

[صفحه 6]

بخمس سور کما في الاتقان 1 ص 17 فکيف يمکن تطبيقها علي أبي طالب وهو رهن أطباق الثري، وقد توفي قبل نزول الآية ببرهة طويلة.

5- إن سياق الآيات الکريمة هکذا: ومنهم من يستمع اليک وجعلنا علي قلوبهم أکنة أن يفقوه وفي آذانهم وقرا، وإن يروا کل آية لايؤمنوا بها، حتي إذاجاءوک يجاد لونک يقول الذين کفروا إن هذا إلا أساطير الاولين، وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلکون إلا أنفسهم وما يشعرون.

وهو کما تري صريح بأن المراد بالآيات کفار جاءوا النبي فجادلوه وقذفوا کتابه المبين بأنه من أساطير الاولين، وهؤ لاء الذين نهوا عنه صلي الله عليه وآله وعن کتابه الکريم، وناءوا وباعدوا عنه، فأين هذه کلها عن أبي طالب؟ الذي لم يعفل کل ذلک طيلة حياته، و کان إذاجاءه فلکلائته والذب عنه بمثل قوله:


والله لن يصلوا إليک بجمعهم
حتي أوسد في التراب دفينا


وإن لهج بذکره نوه برسالته عنه بمثل قوله:


ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا
رسولا کموسي خط في أول الکتب؟


وإن قال عن کتابه هتف بقوبه:


أويؤمنوا بکتاب منزل عجب
علي نبي کموسي أوکذي النون


وقدعرف ذلک المفسرون فلم يقيموا للقول بنزولها في أبي طالب وزنا، فمنهم من عزاه إلي القيل، وجعل آخرون خلافه أظهر، ورأي غير واحد خلافه أشبه، وإليک جملة من نصوصهم:

قال الطبري في تفسيره 109: 7: المراد المشرکون المکذبون بآيات الله ينهون الناس عن إتباع محمد صلي الله عليه وسلم والقبول منه وينأون عنه ويتباعدون عنه. ثم رواه من الطرق التي أسلفناه عن ابن الحنفية وابن عباس والسدي وقتادة وأبي معاذ، ثم ذکر قولا آخر بأن المراد ينهون عن القرآن أن يسمع له ويعمل بما فيه، وعد ممن قال به قتادة ومجاهد وابن زيد ومرجع هذا إلي القول الاول، ثم ذکرالقول بنزولها في أبي طالب وروي حديث حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس وأردفه بقوله في ص 110: وأولي هذه الاقوال بتأويل الآية قول من قال تأويل وهم ينهون عنه عن إتباع محمد صلي الله عليه وسلم

[صفحه 7]

من سواهم من الناس وينأون عن إتباعه، وذلک ان الآيات قبلها جرت بذکر جماعة المشرکين العادين به والخبر عن تکذيبهم رسول الله صلي الله عليه وسلم والاعراض عما جاءهم به من تنزيل الله ووحيه، فالواجب أن يکون قوله «وهم ينهون عنه» خبرا عنهم، إذ لم يأتنا مايدل علي انصراف الخبر عنهم إلي غيرهم، بل ماقبل هذه الآية ومابعدها يدل علي صحة ما قلنا من ان ذلک خبر عن جماعة مشرکي قوم رسول الله صلي الله عليه وسلم دون أن يکون خبرا عن خاص منهم، وإذا کان ذلک کذلک فتأويل الآية: وإن ير هؤلاء المشرکون يا محمد کل آية لايؤمنوا حتي إذا جاؤک يجادلونک يقولون إن هذا الذي جئتنا به إلا أحاديث الاولين وأخبارهم، وهم ينهون عن استماع التنزيل وينأون عنک، فيبعدون منک ومن إتباعک، وإن يهلکون إلا أنفسهم. اه

وذکر الرازي في تفسيره 28: 4 قولين: نزولها في المشرکين الذين کانوا ينهون الناس عن إتباع النبي والاقرار برسالته. ونزولها في أبي طالب خاصة فقال: والقول الاول أشبه لوجهين: الاول: ان جميع الآيات المتقدمة علي هذه الآية تقتضي ذم طريقتهم فکذلک قوله: وهم ينهون عنه. ينبغي أن يکون محمولا علي أمر مذموم فلو حملناه علي أن أباطالب کان ينهي عن ايذائه لما حصل هذاالنظم.

والثاني: انه تعالي قال بعد ذلک: وإن يهلکون إلا أنفسهم. يعني به ماتقدم ذکره ولا يليق ذلک بأن يکون المراد من قوله وهم ينهون عنه النهي عن أذيته، لان ذلک حسن لا يوجب الهلاک.

فان قيل: إن قوله «وإن يهلکون إلا أنفسهم» يرجع إلي قوله «وينأون عنه» لاإلي قوله «ينهون عنه» لان المراد بذلک أنهم يبعدون عنه بمفارقة دينه وترک الموافقه له وذلک ذم فلا يصح مارجحتم به هذالقول؟ قلنا: إن ظاهر قوله: وإن يهلکون إلا أنفسهم. يرجع إلا کل ما تقدم ذکره لانه بمنزلة أن يقال: إن فلانا يبعد عن الشئ الفلاني وينفر عنه ولايضر بذلک إلا نفسه، فلايکون هذا الضرر متعلقا بأحد الامرين دون الآخر. اه.

وذکر ابن کثير في تفسيره 127: 2 القول الاول نقلا عن ابن الحنيفة وقتادة ومجاهد والضحاک وغير واحد فقال: وهذا القول أظهر والله أعلم وهو إختيار ابن جرير.

[صفحه 8]

وذکر النسفي في تفسيره بهامش تفسير الخازن 10: 2: القول الاول ثم قال: وقيل: عني به أبوطالب والاول أشبه.

وذکر الزمخشري في الکشاف: 448: 1، والشوکاني في تفسيره 103: 2 وغير هما القول الاول وعزوا القول الثاني إلي القيل، وجاء الآلوسي وفصل في القول الاول ثم ذکر الثاني وأردفه بقوله: ورده الامام. ثم ذکر محصل قول الرازي.

وليت القرطبي لما جاء نا يخبط في عشواء وبين شفتيه رواية إلتقطها کحاطب ليل دلنا علي مصدر هذاالذي نسجه، ممن أخذه؟ وإلي من ينتهي اسناده؟ ومن ذا الذي صافقه علي روايتها من الحفاظ وأي مؤلف دونه قبله، ومن الذي يقول ان ماذکره من الشعر قاله أبوطالب يوم ابن الزبعري؟ ومن الذي يروي نزول الآية يوم ذلک؟ وأي ربط وتناسب بين الآية واخطارها النبي صلي الله عليه وآله علي أبي طالب وبين شعره ذاک؟ وهل روي قوله في هذاالنسيج: ياعم نزلت فيک آية. غيره من أئمة الحديث ممن هو قبله أو بعده؟ وهل وجد القرطبي للجزء الاخير من روايته مصدرا غير تفسيره؟ وهل اطل علي جب الحيات والعقارب فوجده خاليا من أبي طالب؟ وهل شد الاغلال و فکها هو ليعرف أن شيخ الابطح لا يغل بها؟ أم أن مدرکه في ذلک الحديث النبوي؟ حبذا لوصدقت الاحلام، وعلي کل فهو محجوج بکل ماذکرناه من الوجوه.



صفحه 4، 5، 6، 7، 8.





  1. طبقات ابن سعد 1 ص 105، تاريخ الطبري 110: 7، تفسيرابن کثير 127: 2، الکشاف 448: 1، تفسير ابن جزي 6: 2، تفسير الخازن 11: 2.
  2. تفسير القرطبي 406: 6.
  3. تهذيب التهذيب 179: 2.
  4. ميزان الاعتدال 396: 1.
  5. تفسير الطبري 109: 7، الدر المنثور 8: 3.
  6. تفسير الطبري 109: 7، الدر المنثور 9 و 8: 3، تفسير الآلوسي 126 و 7.
  7. أخرجه أبوعبيد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والنحاس من طريق ابن عباس والطبراني وابن مردويه من طريق عبدالله بن عمر، راجع تفسير القرطبي 383 و 382: 6، تفسير ابن کثير 122: 2، الدر المنثور 2: 3، تفسير الشوکاني 92 و 91: 3.