الغلو في فضايل عمر











الغلو في فضايل عمر



قدمنا في الجزء السادس من نفسيات الخليفة الثاني وملکاته من فقهه وعلمه وعمله وخطواته الواسعة في شتي النواحي ما يوقفک علي أن کل مانسرد هاهنا من ولائدالغلو في الفضائل، وقد إلتمط بحياته الروحية من أول يومه إلي أن تسنم عرش الخلافة بإدلاء من الخليفة الاول إليه حصوله علي لماظة من العيش يقتاب بها.

کان ردحا من الزمن يرعي الابل في وادي ضجنان[1] يرعب ويتعب إذاعمل ويضرب إذا قصر[2] .

وآونة کان يحتطب ويحمل فوق رأسه حزمة من الحطب مع أبيه الخطاب وما منهما إلا في نمرة[3] لايبلغ[4] رسغيه[5] .

وکان مدة يقف في سوق عکاظ وبيده عصا ترع الصبيان به، وکان يوم ذاک يسمي عميرا[6] .

وکان برهة من أيام إسلامه يمتهن بالبرطشة، وکان مبرطشا يلهيه عن أخذ الکتاب والسنة الصفق بالاسواق.[7] .

[صفحه 61]

وکان دهرا يبيع الخيط والقرظة بالبقيع[8] .

أنا لا أدري في أي من أيامه هذه حصل علي جدارة لما يخبرنا به ابن الجوزي في سيرة عمر ص 6: من انه کانت السفارة- في الجاهلية- إلي عمر بن الخطاب إن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيرا. وزاد عليه أبوعمر في الاستيعاب قوله: وإن نافر هم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به وبعثوه منافرا ومفاخرا.[9] .

أو کانت قريش کلهم من هذه الطبقة الواطئة؟ فکانوا يبعثون للسفارة والمفاخرة غلاما هذا شأنه؟ وفيهم الصناديد والعظماء والرؤسا وذوو عارضة ورجال الکلام.

أم کانوا لايبا لون بمن يرسلونه؟ «والرسول دليل عقل المرسل» لم يکن هذا ولا ذاک ولکن الحب يعمي ويصم، وإنک تجد من نظاير هذه شيئا کثيرا، وإليک جملة منه مضافا علي ما مر في الجزء الخامس مما وضعته يدالغلو في فضائله.



صفحه 61.





  1. جبل بناحية مکة.
  2. الاستيعاب 428: 2، الرياض النضرة 50: 2، تاريخ أبي الفدا ج 165: 1، الخلفاء للنجار ص 113، وأوعز إلي حديثه ابن منظور في لسان العرب 112: 17، والزبيدي في تاج العروس 262: 9.
  3. النمرة في القاموس: بردة من صوف تلبسها الاعراب. وفي الفائق للزمخشري: بردة تلبسها الاماء فيها تخطيط.
  4. الرسغ: مفصل مابين الساعد والکتف، والساق والقدم.
  5. العقد الفريد 91: 1، شرح ابن أبي الحديد 58: 1، فائق الزمخشري 28: 2.
  6. الاستيعاب هامش الاصابة 291: 4، الاصابة 29: 4، الفتوحات الاسلامية 423: 2، وفيه تحريف نلفت إليه الانظار.
  7. مر تفصيله في الجزء السادس ص 302 و 287 و 146 ط 1.
  8. راجع مااسلفناه في الجزء السادس ص 303 ط 2.
  9. وذکرابن عساکر مارواه أبوعمر وابن الجوزي في تاريخه 432: 6.