اما الجهاد في سبيل الله
فکم له (عليه السلام) في غضون هذه المدة من موقف رهيب تجاه المشرکين والمنافقين. لبس برد النبي الحضرمي الأخضر وبات علي فراشه (صلي الله عليه وآله) ليلة آلهجرة, ليلة هرب النبي من المشرکين إلي الغار وفداه بنفسه. وقد جاء في الحديث انه سبحانه أوحي إلي جبرائيل وميکائيل: إني آخيت بينکما وجعلت عمر أحدکما أطول من الآخر فأيکما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار کلاهما الحياة. فأوحي الله إليهما أفلا کنتما مثل علي بن أبي طالب: آخيت بينه وبين محمد فبات علي فراشه يفديه بنفسه ويؤثر بالحياة, اهبطا إلي الأرض فاحفظاه من عدوه, فنزلا فکان جبرائيل عند رأسه وميکائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي, بخ بخ من مثلک يا علي يباهي الله تبارک وتعالي بک الملائکة. فانزل الله علي رسوله وهو متوجه إلي المدينة. في شان الإمام علي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)[1] . اجل: لقد کان (عليه السلام) لهذه الفضيلة (فضيلة الجهاد) بأسمي مکان وارفع مقام. حيث قام بشؤونه بين يدي الرسول (صلي الله عليه وآله) علي وجه لم يقم باليسير منه غيره من شيوخ القوم وکهولهم. وعلي نحو عجز عن مثله أهل الحنکة والتدريب من صناديدهم وفرسانهم العارفين بفنون الغزو. فهذه بدر. واحد. وتلک الأحزاب. وتلک خيبر وحنين وو... فسل عنها: من کان فارسها الأول, وبطلها الفذ؟ أتري فيها غير أبي الحسن؟ يضرب خراطيم المشرکين بين يدي رسول الله ويخطف أرواحهم ويجرعهم کاس المنون. حتي انصاعوا إلي کلمة الشهادتين ودخلوا أفواجا في الدين الحنيف وظهر الدين الإسلامي علي الدين کله. ولذلک تري أسيد بن أبي إياس الکناني مکبرا لعلي من هذه الناحية مخاطبا قريشا ومحرضا إياهم عليه بقوله: في کل مجمع غايــــــة أخزاکــــــم لله درکــــــم المـــــــــا تنکـــــــــروا هــــــذا ابــــن فاطمــة الذي أفناکم أيـــــــن الکهــول؟ وأين کل دعامة؟ أفنـــــــاهــــم ضـــــربا بکـــــل مهند لو لم يکن له (عليه السلام) من تلک المواقف الجمة التي نصر بها الإسلام سوي موقفه في حادثة الخندق تجاه الأحزاب وقائدها عمرو فارس يليل لکفاه فخرا وشرفا وعزة ومجدا, وذلک حينما ابتلي المؤمنون (کم أنبأ سبحانه) (وزلزلوا زلزالا شديدا* وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا* واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لکم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا)[4] . هذا والنبي الکريم يحرض المسلمين للبراز ومقاتلة عمرو. والمسلمون کأن علي رؤوسهم الطير ينظرون إليه نظر المغشي عليه من الموت. فمن يا تري کشف الکرب عن وجه الرسول في ذلک الموقف الرهيب الذي کاد إن يقضي علي الإسلام وأهله غير المرتضي أبي الحسن؟ ومن قتل عمرا ذلک الشجاع المهيب بضربة نجلاء تخآلها صاعقة نزلت من السماء فبدد بقتله جحافل الشرک ومزق الأحزاب سوي أبي السبطين؟ اجل: عمل الإمام علي (عليه السلام) في ذلک اليوم عملا قال له الرسول (صلي الله عليه وآله): (ابشر يا علي فلو وزن عملک اليوم بعمل أمة محمد لرجح عملک بعملهم)[5] وقال: (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق افضل من عمل أمتي إلي يوم القيامة)[6] . ولم يزل (عليه السلام) علي هذه الوتيرة مجاهدا بالنفس والنفيس وقيدوما لجيش المسلمين في کل موطن تجاه أعداء الدين من الکافرين والمنافقين, في عهده (صلي الله عليه وآله) وبعده فکم أزاح في جراء ذلک ما وقع من الحسک والقتاد دون دعوة الرسول (صلي الله عليه وآله) وکم أجال الکرب عن وجهه الکريم؟! فحاز بذلک من هذه الفضيلة (فضيلة الجهاد) ما لم يحزه غيره من کبار المسلمين, قال سبحانه: (وفضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما)[7] .
فلا مشاحة في أن الجهاد هو الرکن المقوم لانتعاش الدعوة المحمدية وحياة الدولة الإسلامية وانه من اجل الفضائل والمکارم بعد الإسلام وواضح لدي الجميع, انه لم يمثل الجهاد کما يريده الله تعالي ورسوله (صلي الله عليه وآله) أحد مثل الإمام علي (عليه السلام) حيث قام (روحي فداه) بنصرة الدين الحنيف (علي الرغم من صغر سنه) منذ أبان الدعوة إلي أن فارق النبي الحياة. بل وبعد النبي إلي أن فاز بالشهادة.
جذع ابر علي المذاکي القــرح[2] .
قـــــد ينکـر الضيم الکريم ويستحــي
ذبحــــــا ويمشـــــــي آمنا لم يجــرح
للمعضلات وأين زين الأبطح؟[3] .
صلــــــت وحـــــد غــراره لم يصفـح
والکنجي الشافعي في (کفاية الطالب) ص114. والصفوري في (نزهة المجالس) ج2 ص209. وابن الصباغ المالکي في (الفصول المهمة) ص33. وسبط ابن الجوزي في التذکرة ص21, والشبلنجي في نور الأبصار ص86. وفي المصادر الثلاثة الأخيرة: قال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعرا قآله في تلک الليلة: وقبت بنفسي خير من وطأ الحصـــا وبــــت أراعـــي منهم ما يسوءنـــي وبات رســـــول الله فـــــي الغار آمنا ويوجد حديث المبيت أيضا في مسند احمد ج1 ص348. تاريخ الطبري ج2 ص99و101 ط1357. وطبقات ابن سعد ج1 ص122. وتاريخ اليعقوبي ج2 ص29. وسيرة ابن هشام ج2 ص291. والعقد الفريد ج3 ص284 ط1. وتاريخ بغداد للخطيب ج13 ص191. وتاريخ ابن الأثير ج2 ص72 ط1349. وتاريخ أبي الفداء جج1 ص126. ومناقب الخوارزمي ص75. والإمتاع للمقريزي ص39. وتاريخ ابن کثير ج7 ص338. السيرة الحلبية ج2 ص29. وغيرها انظر الغدير ج2 ص48- 49.
واکــرم خلق طاف بالبيت والحجـــــر
وقد صبرت نفسي علي القتل والأسر
ومـــا زال فــي حفظ الآله وفي الستر