اما العلم والتفقه في الحلال والحرام












اما العلم والتفقه في الحلال والحرام



فلا ريب أن عليا (عليه السلام) له الکأس الأوفي والحظ الأوفر من ذلک وانه اعلم الناس في الدين وافقهم في أحکام الشريعة ولا غرو, إذ کانت الصحابة يرجعون إليه في المشاکل والمعضلات ولا يرجع إلي أحد منهم بشيء واحتياج الکل إليه واستغناؤه عن الکل دليل واضح علي أعلميته وأفقهيته.

ويکفيک دليلا ساطعا وبرهانا قاطعا شهادة الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) وکبار الصحابة علي ذلک فدونک بعضها!

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها)[1] , وقال: (أنا دار الحکمة وعلي بابها)[2] , وقال: (اعلم أمتي من بعدي علي ابن أبي طالب)[3] , وقال: (علي وعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتي منه)[4] , وقال: (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي)[5] , وقال: (علي خازن علمي)[6] , وقال: (علي عيبة علمي)[7] (أقضي أمتي علي)[8] وقال: (أقضاکم علي)[9] وقال: (قسمت الحکمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا)[10] إلي غير ذلک.

وقال ابن عباس: (والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارککم في العشر العاشر)[11] وقال: (علم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علي, وما علمي وعلم الصحابة في علم علي إلا کقطرة في سبعة أبحر)[12] .

وقال: (العلم ستة أسداس لعلي خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شارکنا في السدس حتي لهو اعلم به منا)[13] .

وقال أبن مسعود: (قسمت الحکمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعلي أعلمهم بالواحد منها)[14] , وقال: (اعلم بالفرائض علي بن أبي طالب)[15] , وقال: (کنا نتحدث أن أقضي أهل المدينة علي)[16] , وقال: (افرض أهل المدينة وأقضاها علي)[17] , وقال أن القرآن انزل علي سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن)[18] .

وقال عدي بن حاتم- في خطبة له-: (والله لئن کان إلي العلم بالکتاب والسنة. انه (يعني عليا) لأعلم الناس بهما ولئن کان إلي الإسلام انه لأخو نبي الله والرأس في الإسلام ولئن کان إلي العقول والنحائز[19] انه لأشد الناس عقلا وأکرمهم نحيزة)[20] .

وقال أبو سعيد الخدري: (أقضاکم علي)[21] .

وقالت عائشة: (علي اعلم الناس بالسنة)[22] .

وسئل عطاء أ کان في أصحاب محمد أحد اعلم من علي؟!

قال: (لا والله ما اعلمه)[23] .

وقال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا)[24] , وقال: (أقضانا علي)[25] , ولعمر کلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلي علي أمير المؤمنين اخرج نبذة منها العلامة الأميني في کتابه (الغدير ج3و6).

منها قوله غير مرة: (لولا علي لهلک عمر)[26] وقوله: (کاد يهلک ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب)[27] وقوله: (لولا علي لضل عمر)[28] , وقوله: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب)[29] , وقوله: (أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها)[30] وقوله: (أعوذ بالله من معضلة لا علي بها)[31] وقوله: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن)[32] وقوله: (اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلي جنبي)[33] إلي غير ذلک....

وقال سعيد بن المسيب: (کان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن)[34] .

وقال معاوية: (کان عمر إذا أشکل عليه شيء أخذه من علي)[35] .

وقد تواتر عن علي (عليه السلام) قوله: (أن رسول الله اسر إلي ألف حديث في کل حديث ألف باب وفي کل باب ألف مفتاح وإني اعلم بهذا العلم)[36] وقوله (عليه السلام): (سلوني والله ما تسألوني عن شيء يکون إلي يوم القيامة إلا أخبرتکم وسلوني عن کتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل)[37] .

وقوله (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن کتاب الله وما من آية إلا وأنا اعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل ارض وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من کسبها ومن يقتل فيها)[38] .

قال أبو سعيد البحتري: (رأيت عليا (عليه السلام) علي منبر الکوفة وعليه مدرعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو متقلد بسيفه ومتعمم بعمامته (صلي الله عليه وآله) فجلس علي المنبر فکشف عن بطنه وقال: (سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله (صلي الله عليه وآله) زقا. فو الله (لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتي ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان: صدق علي قد أفتاکم بما انزل في وانتم تتلون الکتاب أ فلا تعقلون)[39] .

وقال سعيد بن المسيب: لم يکن أحد من الصحابة يقول: (سلوني إلا علي بن أبي طالب)[40] .

وکان (عليه السلام) إذا سئل عن مسالة يکون فيها کالسکة المحماة ويقول:


إذا المشکــــــلات تصديـن لي
کشفــــــت حقائقهــــا بالنظـــــــــر


فان برقت في مخيل الصـواب
عميـــاء لا يجتليهـــا البصــــــــــر


مقنعـــــة بغيــــوب الأمــــــور
وضعــت عليهــا صحيـح الفکـــــر


لسانـــا کشقشقــــة الأرحبــــي
أو کالحســــام اليمانـــي الذکــــــر


وقلبــــا إذا استنطقتـــه الفنـون
ابــــــر عليهــــــا بــــــــــواه درر


ولســـــت بإمعة[41] في الرجال
يسائـــل هـــذا وذا مــا الخبــــر؟


ولکننـــي مذرب الأصغرين[42]
أبيــن مـع ما مضي ما غبر[43] .


هذا غيض من فيض مما جاء في أعلميته (عليه السلام) من جميع الصحابة وبه الکفاية.

ويجد القارئ الکريم في غضون کتب الحديث والتاريخ من آثاره وأخباره(عليه السلام) ما يدعم شهادة هؤلاء بوضوح.

ولو لم يکن هناک شاهد سوي نهج البلاغة, الذي هو رشحة من رشحات علمه الفياض ونفحة من نفحات بيانه وما انطوي عليه سجيته الکريمة لکفانا مؤونة البرهان وتکلف الاستدلال.

إذا انک تري الکتاب کما انه نهج البلاغة والفصاحة (بحيث أن الکلام فيه فوق کلام المخلوق وتحت کلام الخالق) کذلک تجده نهج العلم والمعارف. نهج السياسة والتدبير. نهج الوعظ والتبليغ نهج البرهان التوحيدي والدلالة علي ذات الله وصفاته.

فقل لي يا تري: أليس في نهج البلاغة من ينبوع الحکمة الآلهية والمعارف الکونية, ما عجز عن إدراکها أعاظم الحکماء والفلاسفة, فتري العلم الحديث قد کشف الکثير من غوامضها ودقائقها المدهشة؟

فقل لي يا تري:

أليس في النهج من الآداب العالية ما يرشدنا إلي أن مبدعها الفذ لم يتکلف هذا الفن وان طبعه الفياض لا يباريه مثل ولا يجاريه ند في الوجود؟!

أليس نهج البلاغة هو الذي فتح لأرباب الکلام البرهان العقلي الفني علي وجود الباري ووحدانيته بما لم يسبق له مثيل ولا عرفه الناس من قبل وإنما حذوا حذوه من بعده؟!

أليس النهج نهج الوعظ والإرشاد والأمر والزجر ونهج کل شيء وفيه من مناهج السياسة وعلوم الاجتماع ما يصلح لان يکون مصباحا يستضاء به لتدبير البلاد وقيادة العباد. فتراه ينبئ بان ربانه السياسي المحنک والعالم الاجتماعي الخبير, لم يأخذ العلم من أفواه الرجال وقراطيس الکتب. وإنما أخذه عن المدبر الحکيم بواسطة صاحب الرسالة. فانک لو أمعنت النظر في عهده (عليه السلام) لمالک الأشتر وحده. لعرفت مبلغ علم الإمام في ذلک العصر الأعزل عن أمثال هذه المعارف.

هذا هو کتاب نهج البلاغة. فهل يا تري انه لا يعرب عن تقدم منشيه بالعلم وبکل فضيلة. وتفوقه في کل مکرمة وفضل فعز عن المثيل والند والنظير؟!









  1. اخرج العلامة الأميني في(الغدير) ج6 ص61- 77 ط2, الحديث المذکور عن مائة وثلاثة وأربعين مصدرا منها مستدرک الحاکم ج3, ص126- 128. تاريخ ابن کثير, ج7, ص358. تاريخ بغداد ج2, ص377, وج4, ص348, وج7 ص173, وج11 ص204. الاستيعاب ج2, ص461. ينابيع المودة ص65. تذکرة سبط ابن الجوزي ص29. الرياض النضرة ج1, ص192. مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص114. حياة الحيوان للدميري ج1 ص55. الجامع الصغير للسيوطي ج1ص374. المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص143. تهذيب التهذيب للعسقلاني ج7 ص337.
  2. ينابيع المودة ص71.
  3. مناقب الخوارزمي ص49. مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص43. کنز العمال ج6 ص153.
  4. شمس الأخبار ص49.
  5. کنز العمال ج6 ص156. کشف الخفاء ج1 ص204.
  6. شرح النهج لابن أبي الحديد ج2 ص448.
  7. الجامع الصغير للسيوطي ج4 ص356. قال المناوي في فيض القدير عند شرح الحديث: قال ابن دريد: وهذا من کلامه(صلي الله عليه وآله) الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة إختاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره.... الخ.
  8. مصابيح البغوي, ج2 ص277. الرياض النضرة, ج2 ص198.
  9. مواقف القاضي الايجي ج3 ص276. شرح النهج ج2 ص235.
  10. حلية الأولياء ج1 ص65. (الغدير ج3 ص96).
  11. الاستيعاب ج3 ص40. الرياض النضرة ج2 ص194.
  12. ينابيع المودة ص70.
  13. مناقب الخوارزمي ص55. فرائد السمطين في الباب68.
  14. کنز العمال ج5 ص156و401, نقلا عن غير واحد من الحفاظ.
  15. الاستيعاب ج3 ص41. الرياض النظرة ج2 ص194.
  16. مستدرک الحاکم ج3 ص41. أسني المطالب للجزري ص14. الصواعق ص76.
  17. الرياض النضرة ج2 ص198. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.
  18. مفتاح السعادة ج1 ص400. (الغدير ج3 ص99 ط2).
  19. النحائز: جمع نحيزة ومعناها الطبيعة.
  20. جمهرة خطب العرب ج1 ص202.
  21. فتح الباري ج8 ص136.
  22. الاستيعاب ج3 ص40 هامش الإصابة. الرياض النضرة ج2 ص193, مناقب الخوارزمي ص54. الصواعق ص76. تاريخ الخلفاء ص115.
  23. الاستيعاب ج3 ص40. الفتوحات الإسلامية ج2 ص337.
  24. حلية الأولياء ج1 ص65. الرياض النضرة ج2 ص189و244. تاريخ ابن کثير ج7 ص359, وقال: (ثبت عن عمر). أسني المطالب للجزري ص14. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.
  25. الاستيعاب ج3 ص41. تاريخ ابن عساکر ج2 ص325. مطالب السؤول ص30.
  26. الاستيعاب ج3 ص39. الرياض النضرة ج2 ص194. تفسير النيسابوري ج3 في سورة الأحقاف. مناقب الخوارزمي ص48. تذکرة السبط ص87. فيض القدير ج4 ص357. السنن الکبري ج7 ص442. ذخائر العقبي ص82. تفسير الرازي ج7 ص484. کفاية الکنجي ص105. الدر المنثور ج1 ص288, وج6 ص40.
  27. کفاية الکنجي ص96, الفصول المهمة لابن صباغ ص18.
  28. تمهيد الباقلاني ص199.
  29. تذکرة السبط ص87. مناقب الخوارزمي ص58. مقتل الخوارزمي ج1 ص45 وللخوارزمي قصيدة يمدح فيها عليا قال فيها:


    إذا عمـر تخبـــط فـــي جواب
    ونبهه علـــــــي بالصـــــواب


    يقــــول بعدلــــه لـــولا علــي
    هلکت هلکت في ذاک الجواب


    انظر الغدير ج4 ص397 ط2.

  30. تاريخ ابن کثير ج7 ص359. الفتوحات الإسلامية ج2 ص306.
  31. نور الأبصار للشبلنجي ص79.
  32. ترجمة علي بن أبي طالب ص79.
  33. الرياض النضرة ج2 ص194.
  34. الاستيعاب هامش الإصابة ج3 ص39. صفة الصفوة ج1 ص121. تذکرة السبط ص85. طبقات الشافعية للشيرازي ص10. الإصابة ج2 ص509, الصواعق ص76. فيض القدير ج4 ص357.
  35. الرياض النضرة ج2 ص194. مطالب السؤول ص30.
  36. ينابيع المودة ص72.
  37. جامع بيان العلم ج1 ص114. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص124. الإتقان ج2 ص319. تهذيب التهذيب ج7 ص338. فتح الباري ج8 ص485. عمدة القارئ ج9 ص167. مفتاح السعادة ج1 ص400.
  38. ينابيع المودة ص74.
  39. ينابيع المودة ص74.
  40. جامع بيان العلم ج1 ص114. الرياض النضرة ج2 ص198. الصواعق ص76.
  41. الإمعة, بکسر آلهاء وتشديد الميم: الذي لا رأي له فهو يتابع کل أحد علي رأيه وآلهاء فيه للمبالغة.
  42. المذرب الحاد. والأصغرين: القلب واللسان.
  43. جامع بيان العلم ج2, ص113. زهر الآداب للقيرواني ج1 ص38. جمع الجوامع للسيوطي کما في ترتيبه ج5 ص242. تاج العروس ج5 ص268. وقد اعتمدنا في غير واحد من مصادر هذا الفصل علي ما في الغدير ج3و6.