اما العلم والتفقه في الحلال والحرام
ويکفيک دليلا ساطعا وبرهانا قاطعا شهادة الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) وکبار الصحابة علي ذلک فدونک بعضها! قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها)[1] , وقال: (أنا دار الحکمة وعلي بابها)[2] , وقال: (اعلم أمتي من بعدي علي ابن أبي طالب)[3] , وقال: (علي وعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتي منه)[4] , وقال: (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي)[5] , وقال: (علي خازن علمي)[6] , وقال: (علي عيبة علمي)[7] (أقضي أمتي علي)[8] وقال: (أقضاکم علي)[9] وقال: (قسمت الحکمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا)[10] إلي غير ذلک. وقال ابن عباس: (والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارککم في العشر العاشر)[11] وقال: (علم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علي, وما علمي وعلم الصحابة في علم علي إلا کقطرة في سبعة أبحر)[12] . وقال: (العلم ستة أسداس لعلي خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شارکنا في السدس حتي لهو اعلم به منا)[13] . وقال أبن مسعود: (قسمت الحکمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعلي أعلمهم بالواحد منها)[14] , وقال: (اعلم بالفرائض علي بن أبي طالب)[15] , وقال: (کنا نتحدث أن أقضي أهل المدينة علي)[16] , وقال: (افرض أهل المدينة وأقضاها علي)[17] , وقال أن القرآن انزل علي سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن)[18] . وقال عدي بن حاتم- في خطبة له-: (والله لئن کان إلي العلم بالکتاب والسنة. انه (يعني عليا) لأعلم الناس بهما ولئن کان إلي الإسلام انه لأخو نبي الله والرأس في الإسلام ولئن کان إلي العقول والنحائز[19] انه لأشد الناس عقلا وأکرمهم نحيزة)[20] . وقال أبو سعيد الخدري: (أقضاکم علي)[21] . وقالت عائشة: (علي اعلم الناس بالسنة)[22] . وسئل عطاء أ کان في أصحاب محمد أحد اعلم من علي؟! قال: (لا والله ما اعلمه)[23] . وقال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا)[24] , وقال: (أقضانا علي)[25] , ولعمر کلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلي علي أمير المؤمنين اخرج نبذة منها العلامة الأميني في کتابه (الغدير ج3و6). منها قوله غير مرة: (لولا علي لهلک عمر)[26] وقوله: (کاد يهلک ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب)[27] وقوله: (لولا علي لضل عمر)[28] , وقوله: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب)[29] , وقوله: (أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها)[30] وقوله: (أعوذ بالله من معضلة لا علي بها)[31] وقوله: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن)[32] وقوله: (اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلي جنبي)[33] إلي غير ذلک.... وقال سعيد بن المسيب: (کان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن)[34] . وقال معاوية: (کان عمر إذا أشکل عليه شيء أخذه من علي)[35] . وقد تواتر عن علي (عليه السلام) قوله: (أن رسول الله اسر إلي ألف حديث في کل حديث ألف باب وفي کل باب ألف مفتاح وإني اعلم بهذا العلم)[36] وقوله (عليه السلام): (سلوني والله ما تسألوني عن شيء يکون إلي يوم القيامة إلا أخبرتکم وسلوني عن کتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل)[37] . وقوله (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن کتاب الله وما من آية إلا وأنا اعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل ارض وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من کسبها ومن يقتل فيها)[38] . قال أبو سعيد البحتري: (رأيت عليا (عليه السلام) علي منبر الکوفة وعليه مدرعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو متقلد بسيفه ومتعمم بعمامته (صلي الله عليه وآله) فجلس علي المنبر فکشف عن بطنه وقال: (سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله (صلي الله عليه وآله) زقا. فو الله (لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتي ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان: صدق علي قد أفتاکم بما انزل في وانتم تتلون الکتاب أ فلا تعقلون)[39] . وقال سعيد بن المسيب: لم يکن أحد من الصحابة يقول: (سلوني إلا علي بن أبي طالب)[40] . وکان (عليه السلام) إذا سئل عن مسالة يکون فيها کالسکة المحماة ويقول: إذا المشکــــــلات تصديـن لي فان برقت في مخيل الصـواب مقنعـــــة بغيــــوب الأمــــــور لسانـــا کشقشقــــة الأرحبــــي وقلبــــا إذا استنطقتـــه الفنـون ولســـــت بإمعة[41] في الرجال ولکننـــي مذرب الأصغرين[42] هذا غيض من فيض مما جاء في أعلميته (عليه السلام) من جميع الصحابة وبه الکفاية. ويجد القارئ الکريم في غضون کتب الحديث والتاريخ من آثاره وأخباره(عليه السلام) ما يدعم شهادة هؤلاء بوضوح. ولو لم يکن هناک شاهد سوي نهج البلاغة, الذي هو رشحة من رشحات علمه الفياض ونفحة من نفحات بيانه وما انطوي عليه سجيته الکريمة لکفانا مؤونة البرهان وتکلف الاستدلال. إذا انک تري الکتاب کما انه نهج البلاغة والفصاحة (بحيث أن الکلام فيه فوق کلام المخلوق وتحت کلام الخالق) کذلک تجده نهج العلم والمعارف. نهج السياسة والتدبير. نهج الوعظ والتبليغ نهج البرهان التوحيدي والدلالة علي ذات الله وصفاته. فقل لي يا تري: أليس في نهج البلاغة من ينبوع الحکمة الآلهية والمعارف الکونية, ما عجز عن إدراکها أعاظم الحکماء والفلاسفة, فتري العلم الحديث قد کشف الکثير من غوامضها ودقائقها المدهشة؟ فقل لي يا تري: أليس في النهج من الآداب العالية ما يرشدنا إلي أن مبدعها الفذ لم يتکلف هذا الفن وان طبعه الفياض لا يباريه مثل ولا يجاريه ند في الوجود؟! أليس نهج البلاغة هو الذي فتح لأرباب الکلام البرهان العقلي الفني علي وجود الباري ووحدانيته بما لم يسبق له مثيل ولا عرفه الناس من قبل وإنما حذوا حذوه من بعده؟! أليس النهج نهج الوعظ والإرشاد والأمر والزجر ونهج کل شيء وفيه من مناهج السياسة وعلوم الاجتماع ما يصلح لان يکون مصباحا يستضاء به لتدبير البلاد وقيادة العباد. فتراه ينبئ بان ربانه السياسي المحنک والعالم الاجتماعي الخبير, لم يأخذ العلم من أفواه الرجال وقراطيس الکتب. وإنما أخذه عن المدبر الحکيم بواسطة صاحب الرسالة. فانک لو أمعنت النظر في عهده (عليه السلام) لمالک الأشتر وحده. لعرفت مبلغ علم الإمام في ذلک العصر الأعزل عن أمثال هذه المعارف. هذا هو کتاب نهج البلاغة. فهل يا تري انه لا يعرب عن تقدم منشيه بالعلم وبکل فضيلة. وتفوقه في کل مکرمة وفضل فعز عن المثيل والند والنظير؟!
فلا ريب أن عليا (عليه السلام) له الکأس الأوفي والحظ الأوفر من ذلک وانه اعلم الناس في الدين وافقهم في أحکام الشريعة ولا غرو, إذ کانت الصحابة يرجعون إليه في المشاکل والمعضلات ولا يرجع إلي أحد منهم بشيء واحتياج الکل إليه واستغناؤه عن الکل دليل واضح علي أعلميته وأفقهيته.
کشفــــــت حقائقهــــا بالنظـــــــــر
عميـــاء لا يجتليهـــا البصــــــــــر
وضعــت عليهــا صحيـح الفکـــــر
أو کالحســــام اليمانـــي الذکــــــر
ابــــــر عليهــــــا بــــــــــواه درر
يسائـــل هـــذا وذا مــا الخبــــر؟
أبيــن مـع ما مضي ما غبر[43] .
إذا عمـر تخبـــط فـــي جواب يقــــول بعدلــــه لـــولا علــي انظر الغدير ج4 ص397 ط2.
ونبهه علـــــــي بالصـــــواب
هلکت هلکت في ذاک الجواب