راي الخليفة في القدر











راي الخليفة في القدر



أخرج اللاکائي في السنة عن عبدالله بن عمر قال: جاء رجل إلي أبي بکر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟ قال: فان الله قدره علي ثم يعذبني؟ قال: نعم، يابن اللخناء أما والله لو کان عندي إنسان أمرت أن يجأ[1] أنفک.[2] .

قال الاميني: أتري الخليفة عرف معني القدر الصحيح؟ بمعني ثبوت الامر الجاري في العلم الازلي الآلهي، مع إعطاء القدرة علي الفعل والترک، مع تعريف الخير والشر وتبيان عاقبة الاول ومغبة الاخير.

إنا هديناه السبيل إما شاکرا وإما کفورا[3] إنا هديناه النجدين[4] ومن شکر فإنما يشکر لنفسه، ومن کفر فان ربي غني کريم[5] ومن يشکر فإنما يشکر لنفسه، ومن کفر فإن الله غني حميد.[6] .

کل ذلک مع تکافؤ العقل والشهوة في الانسان مع خلق عوامل النجاح تجاه النفس الامارة بالسوء، فمن عامل بالطاعة بحسن اختياره، ومن مقترف للمعصية بسوء الخيرة.

فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات[7] من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها[8] من اهتدي فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها[9] من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلي ربکم ترجعون[10] فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها[11] قل إن ضللت فانما أضل علي نفسي، وإن اهتديت

[صفحه 154]

فبما يوحي إلي ربي[12] إن أحسنتم أحسنتم لانفسکم وإن أسأتم فلها[13] إن ربک هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدي[14] ربي أعلم من جاء بالهدي ومن هو في ضلال مبين.

فالقدر لا يستلزم جبرا وعلم المولي سبحانه بمقادير ما يختاره العباد من النجدين ويأتون به من العمل من خير أو شر لا ينافي التکليف. کما لا أثر له في اختيار المکلفين، ولا يقبح معه العقاب علي المعصية، ولا يسقط معه الثواب علي الطاعة.

فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره[15] ونضع الموازين القسط يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن کان مثقال حبة من خردل أتينا بها وکفي بنا حاسبين[16] اليوم تجزي کل نفس بما کسبت لا ظلم اليوم[17] فکيف إذا جمعناهم ليوم لاريب فيه ووفيت کل نفس بما کسبت وهم لا يظلمون.[18] .

فهل الخليفة عرف هذا المعني من القدر، فأجاب بما أجاب؟ لکن السائل لم يفهم ما أراده فانتقده بما انتقد، غير انه لو کان يريد ذلک لما جابه المنتقد بالسباب المقذع والتمني بأن يکون عنده من يجأ أنفه قبل بيان المراد فيفئ الرجل إلي الحق.

او أن الخليفة لم يکن يعرف من القدر إلا ما ارتفعت به عقيرة جماهير من أشياعه من القول بخلق الاعمال؟ فيتجه إذن ما قاله المنتقد سبه الخليفة أولم يسبه.

والذي يؤثر عن إبنته عائشة هو الجنوح إلي المعني الثاني يوم اعتذرت عن نهضتها علي مولانا أميرالمؤمنين، وتبرجها عن خدرها المضروب لها تبرج الجاهلية الاولي بعد أن ليمت علي ذلک: بأنها کانت قدرا مقدورا وللقدر أسباب، أخرجه الخطيب البغدادي باسناده في تاريخه 160:1.

وإن کان يوقفنا موقف السادر ما يؤثر عنها فيما أخرجه الخطيب أيضا في تاريخه 185:5 عن عروة قال: ما ذکرت عائشة مسيرها في وقعة الجمل قط إلا بکت حتي

[صفحه 155]

تبل خمارها وتقول: ياليتني کنت نسيا منسيا[19] قال سفيان الثوري: النسي المنسي: الحيضة الملقاة.

کأنها کانت تري مسيرها حوبا کبيرا جديرا أن تبکي عليه مدي الدهر، وتبل بدمعها خمارها، وتتمني ماتمنت وهذا ينافي ذلک الاعتذار البارد المأخوذ أصله عن رأي أبيهاالخليفة الذي لم يجد مساغا في دفع ما يتجه عليه إلا السباب.


صفحه 154، 155.








  1. وجأ عنقه: ضربه، ووجأه: رضه ودقه.
  2. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 65.
  3. سورة الانسان: 3.
  4. سورة البلد: 10.
  5. سورة النمل: 40.
  6. سورة لقمان: 12.
  7. سورة فاطر: 33.
  8. سورة يونس: 108 الاسراء: 15.
  9. سورة الزمر: 41.
  10. سور ة الجاثية: 15.
  11. سورة الانعام: 104.
  12. سورة سبأ: 5.
  13. سورة الاسراء: 7.
  14. سورة النجم: 30.
  15. سورة الزلزلة: 7 و 8.
  16. سورة الانبياء: 47.
  17. سورة غافر: 17.
  18. سورة آل عمران: 25.
  19. وذکره ابن الاثير في النهاية 151:4، وابن منظور في لسان العرب. 196:2، والزبيدي في تاج العروس 367:1.