كلمة الباقلاني











کلمة الباقلاني



قال الباقلاني في التمهيد ص 181: باب الکلام في صفة الامام الذي يلزم العقد له. فإن قال قائل: فخبرونا ما صفة الامام المعقود له عندکم؟ قيل لهم: يجب أن يکون علي أوصاف: منها أن يکون قرشيا من الصميم، ومنها: أن يکون من العلم بمنزلة من يصلح أن يکون قاضيا من قضاة المسلمين، ومنها: أن يکون ذا بصيرة بأمر الحرب، وتدبير الجيوش والسرايا، وسد الثغور، وحماية البيضة وحفظ الامة، والانتقام من ظالمها، والاخذ لمظلومها، وما يتعلق به من مصالحها. ومنها: أن يکون ممن لا تلحقه رقة ولا هوادة في إقامة الحدود ولا جزع لضرب الرقاب والابشار.

ومنها: أن يکون من أمثلهم في العلم وسائر هذه الابواب التي يمکن التفاضل فيها، إلا أن يمنع عارض من إقامة الافضل فيسوغ نصب المفضول، وليس من صفاته أن يکون معصوما، ولا عالما بالغيب، ولا أفرس الامة وأشجعهم، ولا أن يکون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قبائل قريش.

وقال في صفحة 185: فإن قالوا: فهل تحتاج الامة إلي علم الامام وبيان شئ

[صفحه 137]

خص به دونهم، وکشف ما ذهب علمه عنهم؟ قيل لهم: لا؟ لانه هو وهم في علم الشريعة وحکمها سيان. فإن قالوا: فلما ذا يقام الامام؟ قيل لهم: لاجل ما ذکرناه من قبل من تدبير الجيوش، وسد الثغور، وردع الظالم، والاخذ للمظلوم، وإقامة الحدود، وقسم الفئ بين المسلمين والدفع بهم في حجهم وغزوهم، فهذا الذي يليه و يقام لاجله، فإن غلط في شئ منه، أو عدل به عن موضعه کانت الامة من ورائه لتقويمه والاخذ له بواجبه.

وقال في ص 186: قال الجمهور من أهل الاثبات وأصحاب الحديث: لا ينخلع الامام «بفسقه وظلمه بغصب الاموال، وضرب الابشار، وتناول النفوس المحرمة، و تضييع الحقوق، وتعطيل الحدود» ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه و ترک طاعته في شئ مما يدعو إليه من معاصي الله، واحتجوا في ذلک بأخبار کثيرة متظافرة عن النبي صلي الله عليه وسلم وعن الصحابة في وجوب طاعة الائمة وإن جاروا واستأثروا بالاموال، وانه قال عليه السلام: إسمعوا وأطيعوا ولو لعبد أجدع، ولو لعبد حبشي، وصلوا وراء کل بر وفاجر. وروي انه قال: أطعهم وإن أکلوا مالک وضربوا ظهرک، وأطيعوهم ما أقاموا الصلاة. في أخبار کثيرة وردت في هذا الباب وقد ذکرنا ما في هذا الباب في کتاب «إکفار المتأولين «وذکرنا ما روي في معارضتها وقلنا في تأويلها بما يغني الناظر فيه إن شاء الله.

وقال في 186: وليس مما يوجب خلع الامام حدوث فضل في غيره ويصير به أفضل منه،وإن کان لو حصل مفضولا عند ابتداء العقد لوجب العدول عنه إلي الفاضل، لان تزايد الفضل في غيره ليس بحدث منه في الدين، ولا في نفسه يوجب خلعه، و مثل هذا ما حکيناه عن أصحابنا أن حدوث الفسق في الامام بعد العقد له لا يوجب خلعه، وإن کان ما لو حدث فيه عند ابتداء العقد لبطل العقد له ووجب العدول. قال الاميني: ومما او عز إليه الباقلاني من الاخبار الکثيرة الدالة علي وجوب طاعة الائمة وإن جاروا واستأثروا بالاموال ولا ينعزل الامام بالفسق مايلي.

1- عن حذيفة بن اليمان قال: قلت يا رسول الله إنا کنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: وهل وراء هذا الشر

[صفحه 138]

خير؟قال نعم: قلت: فهل وراء ذلک الخير شر؟ قال: نعم. قلت: کيف يکون؟ قال: يکون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس. قلت: کيف أصنع يا رسول الله إن أدرکت ذلک؟ قال:تسمع وتطيع للامير وإن ضرب ظهرک وأخذ مالک فاسمع وأطع.

صحيح مسلم 2 ص 119، سنن البيهقي 157:8.

2- عن عوف بن مالک الاشجعي قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: خيار أئمتکم الذين تحبونهم ويحبونکم وتصلون عليهم يصلون عليکم، وشرار أئمتکم الذين تبغضونهم ويبغضونکم، وتلعنونهم ويلعنونکم، قال: قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلک؟ قال: لا ما أقاموا فيکم الصلاة، ألا ومن ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليکره ما يأتي من معصية الله ولا تنزعن يدا من طاعة. صحيح مسلم 2 ص 122، سنن البيهقي 159:8.

3- سأل سلمة بن يزيد الجعفي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ قال: فأعرض عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم سأله فقال: إسمعوا وأطعيوا فانما عليهم ما حملوا وعليکم ما حملتم.

صحيح مسلم 2 ص 119 سنن البيهقي 158:8.

4- عن المقدام: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أطيعوا امراءکم ما کان، فإن أمروکم بما حدثتکم به؟ فانهم يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتکم، وإن أمروکم بشئ مما لم آمرکم به فهو عليهم وأنتم منه برءاء، ذلک بأنکم إذا لقيتم الله قلتم: ربنا لا ظلم. فيقول: لا ظلم. فيقولون: ربنا أرسلت إلينا رسلا فأطعناهم باذنک. واستخلفت علينا خلفاء[1] فأطعناهم باذنک. وأمرت علينا امراء فأطعناهم. قال: فيقول: صدقتم هو عليهم وأنتم منه برءاء.سنن البيهقي 8ص 159.

5- عن سويد بن غفله قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أبا امية لعلک أن تخلف بعدي، فأطع الامام وان کان عبدا حبشيا، إن ضربک فاصبر، وإن

[صفحه 139]

أمرک بأمر فاصبر، وإن حرمک فاصبر، وإن ظلمک فاصبر، وإن أمرک بأمر ينقص دينک فقل: سمع وطاعة، دمي دون ديني.[2] .

وأخذا بهذه الاحاديث قال الجمهور بعدم عزل الامام بالفسق قال النووي في شرح مسلم هامش إرشاد الساري 36:8 في ذيل هذه الاحاديث المذکورة عن صحيح مسلم: ومعني الحديث: لا تنازعوا ولاة الامور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منکرا محققا تعلمونه من قواعد اسلام فاذا رأيتم ذلک فانکروه عليهم، وقولوا بالحق حيثما کنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام باجماع المسلمين وإن کانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الاحاديث بمعني ما ذکرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق- إلي أن قال: فلو طرأ علي الخليفة فسق قال بعضهم: يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب، وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتکلمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلک، بل يجب وعظه وتخويفه.

قال الاميني: فما عذر عائشة وطلحة والزبير ومن تبعهم من الناکثين والمارقين في الخروج علي مولانا أميرالمؤمنين؟ هبه صلوات الله عليه آوي قتلة عثمان، وعطل الحدود «معاذ الله» فأين العمل بهذه الاحاديث التي أخذتها الامة المسکينة سنة ثابتة مشروعة: أنا لا أدري.


صفحه 137، 138، 139.








  1. هذا افتراء علي الله، ان الله قط لم يستخلف ولم يأمر علي الامة اولئک الخلفاء والامراء وانما هم خيرة امتهم، والشکر والعتب «عليها مهما صلحوا أو جاروا.
  2. سنن البيهقي 159:8.