غاية جهد الباحث











غاية جهد الباحث



هذه غاية جهد الباحث عن علم الخليفة بالسنة وهذه سعة إطلاعه عليها، فنحن إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخلفية من الصحيح والموضوع في التفسير والاحکام والفوائد من المائة وأربعة حديثا أو المائة واثنين وأربعين حديثا إلي ما جاء عن النبي الاقدس من السنة الشريفة لتجدها کقطرة من بحر لجي، لاتقام بها قائمة للاسلام، ولا تدعم بها أي دعامة للدين، ولا تروي بها غلة صاد، ولا تنحل بها عقدة أية مشکلة. هذا أبو هريرة، وأنس بن مالک، وعبدالله عمر، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وعبدالله بن مسعود، وو ويروون آلافا من السنة النبوية فقد أخرج تقي ابن مخلد في مسنده من حديث أبي هريرة فحسب خمسة آلاف وثلثمائة حديث وکسرا[1] وأبوهريرة لم يصحب النبي إلا ثلاث سنين.

وهذا أحمد بن الفرات کتب ألف ألف وخمسمائة ألف حديث، وانتخب منها ثلاثمائة ألف في التفسير والاحکام والفوائد: «خلاصة التهذيب ص 9»

وهذا حرمة بن يحيي أبوحفص المصري صاحب الشافعي يروي عن طريق إبن وهب فحسب مائة ألف حديث. «خلاصة التهذيب ص 63»

وهذا أبوبکر الباغندي يجيب عن ثلثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله صلي الله عليه وآله «تاريخ الطبري 3 ص 210».

وهذا الحافظ روح بن عبادة القيسي له أکثر من مائة ألف حديث. «ميزان الاعتدال 1 ص 342»

وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحيح عنده ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. «طبقات الحفاظ 2 ص 151».

وهذا الحافظ أبومحمد عبدان الاهوازي يحفظ مائة ألف حديث «تاريخ ابن عساکر 7 ص 288»

وهذا الحافظ أبوبکر ابن الانباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن

[صفحه 116]

وکان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها (شذرات الذهب 2 ص 316).

وهذا الحافظ أبوزرعة حفظ مائة ألف حديث کما يحفظ الانسان قل هو الله أحد،ويقال: سبعمائة ألف حديث (تاريخ ابن کثير 11 ص 37، تهذيب التهذيب 7 ص 33).

وهذا الحافظ ابن عقدة يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت عليهم السلام وبني هاشم حدث بها عنه الدارقطني (تذکرة الحفاظ 3 ص 56) وهذا الحافظ أبوالعباس احمد بن منصور الشيرازي کتب علي الطبراي ثلاثمائة ألف حديث (تذکرة الحفاظ 3 ص 122).

وهذا الحافظ أبوداود السجستاني کتب عن النبي صلي الله عليه وآله خمسمائة ألف حديث (تذکرة الحفاظ 2 ص 154).

وهذا عبدالله بن إمام الحنابلة أحمد سمع من أبيه مائة ألف وبضعة أحاديث ( طبقات الحفاظ 2 ص 214).

وهذا ثعلب البغدادي سمع من القواريري مائة ألف حديث (طبقات الحفاظ 2 ص 214).

وهذا أبوداود الطيالسي يملي من حفظه مائة ألف حديث (شذرات الذهب 2 ص 12).وهذا أبوبکر الجعابي يحفظ أربعمائة ألف حديث بأسانيد ها ومتونها ويذاکر ستمائة ألف حديث، ويحفظ من المراسيل والمقاطيع والخطابات قريبا من ذلک ( تاريخ ابن کثير 11 ص 261).

وهذا إمام الحنابلة أحمد عنده أکثر من سبعمائة وخمسين ألفا (راجع آخر الجزء الاول من مسنده).

وهذا الحافظ أبوعبدالله الختلي يحدث من حفظه بخمسين ألف حديث (تاريخ ابن کثير11ص217).

وهذا يحيي بن يمان العجلي يحفظ عن سفيان أربعة آلاف حديث في التفسير فقط (تاريخ الطبري 14 ص 121).

[صفحه 117]

وهذا الحافظ ابن أبي عاصم يملي من ظهر قلبه خمسين ألف حديث بعد ما ذهبت کتبه (تذکرة الحفاظ 2 ص 194).

وهذا الحافظ أبوقلابة عبدالملک حدث من حفظه ستين ألف حديث (طبقات الحفاظ 2 ص 143).

وهذا أبوالعباس السراج کتب لمالک سبعين ألف مسألة (تاريخ بغداد 1 ص 251)وهذا الحافظ ابن راهوية يملي سبعين ألف حديث من حفظه (تاريخ ابن عساکر 2 ص 413).

وهذا الحافظ اسحاق الحنظلي يحفظ سبعين ألف حديث (تاريخ الخطيب 6 ص 352).وهذا اسحاق بن بهلول التنوخي يحدث من حفظه خمسين ألف حديث (تاريخ الخطيب6ص368).

وهذا محمد بن عيسي الطباع کان يحفظ نحوا من أربعين ألف حديث (تاريخ بغداد2 ص 396).

وهذا الحافظ ابن شاهين يکتب من حفظه بعد ما ذهبت کتبه عشرين أو ثلاثين ألف حديث (تاريخ بغداد 11 ص 268).

وهذا الحافظ يزيد بن هارون يحفظ أربعة وعشرين ألف حديث باسنادها (شذرات الذهب2ص16).

فهلم معي نري أن إسلاما هذه سعة نطاق علمه، وکثرة طقوسه وسننه، وغزارة فنونه وعلومه، ونبيا هذا حديثه وسنته، وهذا ودايعه المصلحة لامته، وهذا شأن الاعلام امناء ودايع العلم والدين، وهذه سيرة حفظة السنة الشريفة، کيف يجب أن يتحلي خليفة ذلک النبي الاقدس بأبراد علوم الکتاب والسنة؟ وکيف يحق أن يکون حاملا بأعباء علوم مستخلفه ومعالمه، وراثا مآثره وآثاره؟ أفهل يقتصر منه بمائة وأربعة حديثا؟ أو تقبل الامة المسکينة أو تجديها هذه الکمية اليسيرة من ذلک الحوش الحايش؟ أو يسد ذلک الفراغ، ويمثل تلک العلوم الاسلامية الجمة من هذا شأنه وشعاره، وهذه سيرته وسنته،وهذا علمه وحديثه؟ أو يلتقي

[صفحه 118]

بالقبول عذر المدافع عن الخليفة بأن قلة حديثه لقصر مدة خلافته؟ أي صلة بين قصر العمر بعد النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقلة الرواية؟ فان رواة الاحاديث علي العهد النبوي ما کان حجر عليها، ولم يکن عقال في ألسن أولئک الصحابة الاولين، ولا علي الافواه أوکية عن بث العلم من الکتاب والسنة طيلة حياة النبي الاقدس، ولم يکن المکثرون من الرواية قصروا أحاديثهم علي ما بعد ايامه صلي الله عليه وآله وسلم، فقلة حديث الرجل إن هي إلا لقلة تلقيه، وقصر حفظه، إنما الاناء ينضح بما فيه والاوعية إذاطفحت فاضت. ثم أني يسوغ للخليفة؟ أن تثقله أعباء الخلافة، وتعييه معضلات المسائل و ويتترس بمثل قوله: أي سماء تظلني. إلخ. أو قوله: سأقول فيها برأيي. أو يخطب بعد أيام قلائل من خلافته وقد أهرجته المواقف، ويتطلب الفوز منها بقوله: لوددت أن هذا کفانيه غيري، ولئن أخذ ولئن أخذ تموني بسنة نبيکم صلي الله عليه وسلم لا اطيقها، إن کان لمعصوما من الشيطان، وإن کان لينزل عليه الوحي من السماء.[2] .

أو بقوله: أما والله ما أنا بخيرکم، ولقد کنت لمقامي هذا کارها، ولوددت أن فيکم من يکفيني، أفتظنون اني أعمل فيکم بسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ إذن لا أقوم بها إن رسول الله کان يعصم بالوحي، وکان معه ملک، وإن لي شيطانا يعتريني، فاذا غضبت فاجتنبوني أن لا أوثر في أشعارکم وأبشارکم، ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني وفي لفظ ابن سعيد: ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منکم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإن رأيتمون غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعارکم وأبشارکم[3] .

أو بقوله: إني وليت عليکم ولست بخيرکم، فان رأيتموني علي الحق فأعينوني وإن رأيتموني علي الباطل فسددوني[4] .

[صفحه 119]

وفي لفظ ابن الجوزي في الصفوة 98:1: قد وليت أمرکم ولست بخيرکم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني.

وهل الخليفة حري بأن ترعاه امته ورعيته فتعينه وتسدده وتقومه عند الخطل والزيغ؟ وکيف لا يؤاخذ الخليفة بالسنة وهو وارث علم النبي وحامل سنته وقد أکمل الله دينه وأوحي إلي نبيه ما تحتاج إليه امته، وبلغ صلي الله عليه وآله کل ماجاء به حتي حق له أن ينهي عن الرأي والقياس في دين الله، أو يقول: ما ترکت شيئا مما أمرکم الله به إلا وقد أمرتکم به، ولا ترکت شيئا مما نهاکم عنه إلا وقد نهيتکم عنه.[5] .

وقد فتح الخليفة لقصر باعه في علوم الکتاب والسنة باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سده النبي الاعظم علي امته، ولم تکن عند الخليفة مندوحة سواه، قال ابن سعد في الطبقات، وأبوعمر في کتاب العلم 51:2، وابن القيم في أعلام الموقعين ص 19، إن أبابکر نزلت به قضية فلم يجد في کتاب الله منها اصلا، ولا في السنة أثرا، فاجتهد رأيه ثم قال: هذا رأيي فان يکن صوابا فمن الله، وإن يکن خطأ فمني واستغفر الله. «وذکره السيوطي في تاريخ الخلفاء عن ابن سعد ص 71».وقال ميمون بن مهران: کان أبوبکر إذ ورد عليه الخصم فإن وجد في الکتاب أو علم من رسول الله ما يقضي بينهم قضي به،فان أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني کذا وکذا فهل علمتم أن رسول الله قضي في ذلک بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر کلهم يذکر من رسول الله فيه قضاءا، فيقول أبوبکر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رؤس الناس و خيارهم فاستشارهم فاذا اجتمع رأيهم علي أمر قضي به[6] .

هکذا کان شأن الخليفة في القضاء، وهذا مبلغ علمه، وهذه سيرته في العمل بالرأي المجرد وقد قال عمر بن الخطاب: أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم الاحاديث أن يعوها، وتفلتت منهم أن يرووها فاشتقوا الرأي، أيهاالناس أن الرأي إن کان من

[صفحه 120]

رسول الله مصيبا لان الله کان يريه، وإنما هو منا الظن والتکلف[7] .

ثم ما المسوغ لمن سد فراغ النبي وأشغل منصته أن يسأل الناس عن السنة الشريفة، ويأخذها ممن هو خليفة عليه؟ ولماذا خالف سيرته هذه لما سئل عن الاب والکلالة و ترک سؤال الصحابة واستشارتهم فأفتي برأيه ما أفتي وقال بحريته ما قال.

وفيما اتفق لابي بکر من القضايا غير ما مر مع قلته غنية وکفاية في عرفان مبلغ علمه وإليک منها:


صفحه 116، 117، 118، 119، 120.








  1. الاصابة 4 ص 205.
  2. مسند احمد 1 ص 14، الرياض النضرة 1 ص 177، کنز العمال 3 ص 126.
  3. طبقات ابن سعد 3 ص 151، الامامة والسياسة 1 ص 16، تاريخ الطبري 3 ص210، الصفوة 1 ص 99، شرح نهج البلاغة: 3 ص 8، ج 167:4. کنز العمال 3 ص 126.
  4. طبقات ابن سعد 3 ص 139، المجتني لابن دريد ص 27، عيون الاخبار لابن قتيبة 2 ص234، تاريخ الطبري 3 ص 203، سيرة ابن هشام 4 ص 340، تهذيب الکامل1ص 6، العقد الفريد 2 ص 158، اعجاز القرآن ص 115، الرياض النضرة 1 ص 177 و 167، تاريخ ابن کثير ص 247 وصححه، شرح ابن ابي الحديد 1 ص 134، تاريخ الخلفاء السيوطي ص 48 و 47 السيرة الحلبية 3 ص 388.
  5. کتاب العلم لابي عمر، وفي مختصره ص 222.
  6. سنن الدارمي 1 ص 58، واخرجه البغوي کما في الصواعق ص 10.
  7. کتاب العلم لابي عمر 134:2، وفي مختصره ص 185، اعلام الوقعين ص 19.