فضائله أبي بكر المأثورة











فضائله أبي بکر المأثورة



هل صح عن النبي الاعظم صلي الله عليه وآله فيه حديث فضيلة؟ وهل صحيح مارووه فيه من الثناء الکثير الحافل؟ نحن هيهنا نقف موقف المستشف للحقيقة، ولا ننبس في القضاء ببنت شفة، غيرما ننقله عن أئمة فن الحديث المميزين بين صحيحه وسقيمه، ثم نردفه بالاعتبار الذي يساعده.

قال الفيروز آبادي في خاتمة کتابه «سفر السعادة المطبوع: خاتمة الکتاب في الاشارة إلي أبواب روي فيها أحاديث وليس منها شيئ صحيح، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث شيئ. ثم عد أبوابا إلي أن قال:

باب فضائل أبي بکر الصديق رضي الله عنه. أشهر المشهورات من الموضوعات ان الله يتجلي للناس عامة ولابي بکر خاصة. وحديث: ما صب الله في صدري شيئا

[صفحه 88]

إلا وصبه في صدر أبي بکر. وحديث: کان صلي الله عليه وآله وسلم إذا اشتاق الجنة قبل شيبة أبي بکر. وحديث: أنا وأبوبکر کفرسي رهان. وحديث: إن الله لما اختار الارواح اختار روح أبي بکر. وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل اه.

وعد العجلوني في کتابه کشف الخفا ص 424 -419 مائة باب من أبواب الفقه وغيره فقال: لم يصح فيه حديث. أو: ليس فيه حديث صحيح. وما يقاربهما وقال في ص 419:فضائل أبي بکر الصديق رضي الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات کحديث إن الله يتجلي للناس عامة ولابي بکر خاصة. إلي آخر عبارة الفيروز آبادي المذکورة.

وذکر السيوطي في «اللئالي المصنوعة» ج 1 ص 186 تا 302 ثلثين حديثا من أشهر فضائل أبي بکر«مما اتخذه المؤلفون في القرون الاخيرة من المتسالم عليه، و أرسلوه إرسال المسلم بلا أي سند أو أي مبالات» وزيفها وحکم فيها بالوضع وذکر رأي الحفاظ فيها.

کان السيوطي يهملج وراء القوم فبهظه أن لا يستصح حتي حديثا واحدا من تلکم الثلثين فقال في ص 296 فيما عزي اليه صلي الله عليه وآله من قوله «عرج بي إلي السماء فما مررت بسماء الا وجدت فيها مکتوبا: محمد رسول الله، أبوبکر الصديق من خلفي» بعد ما حکم عليه بالوضع لمکان عبدالله بن ابراهيم الغفاري[1] الوضاع.

وکان شيخه عبدالرحمن بن زيد المتفق علي ضعفه ينص منه عليهما بذلک ما لفظه: قلت: الذي أستخير الله فيه الحکم علي هذا الحديث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لکثرة شواهده. ثم ذکر شواهد عن طرق لا يصح شئ منها، وفي کل واحد منها وضاع أو کذاب، أو من أتفق علي ضعفه، أو مجهول لا يعرف يروي عن مجهول مثله، وقد عزب عنه أن الاستخارة لا تقلب خيرا، ولا يعيد السقيم صحيحا. ولا المنکر معروفا.


وراحت إلي العطار تبغي شبابها
فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟


والله سبحانه لا يجازف في إسداء الخير، والشواهد المکذوبة لا تقوي الضعف مع

[صفحه 89]

نص الحفاظ علي کل واحد منها بالوضع أو الضعف، وإليک بيان طرف تلک الشواهد. 1- طريق الخطيب البغدادي مر في الجزء الخامس ص 325 و 303 ط 3.

2- طريق البزار في مسنده وفيه عبدالله بن إبراهيم الغفاري الوضاع، وشيخه عبدالرحمن بن زيد المتفق علي ضعفه کما في تهذيب التهذيب 6 ص 178، واللئالي المصنوعة 1 ص 296.

3- طريق ابن شاهين في السنة وهو طريق الخطيب البغدادي وحديثه، وقد حکم الذهبي وابن حجر ببطلانه کما مر في الجزء الخامس.

4- طريق الدارقطني في الافراد قال السيوطي في «اللئالي» 1 ص 297 بعد ذکره قال الدارقطني: تفرد به (محمد) بن فضيل عن ابن جريج لا أعلم أحدا حدث به غير هذين. وأورده المؤلف في الواهيات من طريق السري وقال: لا يصح. قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج بالسري بن عاصم.

قال الاميني: السري بن عاصم راوي الحديث أحد الکذابين مرت ترجمته في الجزء الخامس ص 231 ط 2، وللدارقطني طريق آخر وفيه عمر بن اسماعيل بن مجالد أحد الکذابين[2] وبهذا الطريق ذکره السيوطي في «اللئالي 1 ص 309 فقال: لا يصح آفته عمر کذاب.

5- طريق الديلمي في مسند الفردوس فيه بعد رجال مجاهيل عبد المنعم بن بشير أبوالخير الکذاب الوضاع الذي له مائتا حديث کذب[3] وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم المجمع علي ضعفه کما مر.

6- طريق الختلي في ديباجة عن نصر بن حريش[4] عن أبي سهل مسلم الخراساني عن عبدالله بن اسماعيل عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: مکتوب علي ساق العرش: لا إله إلا الله وحده لا شريک له، محمد رسول الله، ووزيراه أبوبکر الصديق وعمر الفاروق.

[صفحه 90]

قال الدارقطني کما في تاريخ بغداد 3 ص 286: هذا إسناد ضعيف لا يثبت، أبوسهل ونصر بن حريش ضعيفان. وقال العقيلي کما في لسان الميزان 3 ص 260: عبدالله بن اسماعيل منکر الحديث لا يتابع علي شيئ من حديثه. والحديث مع هذا مرسل والحسن البصري لا يروي عن رسول الله ولم يدرکه. وللخطيب طريق بهذا اللفظ ليست فيه کلمة (ساق. ووزيراه) وفي إسناده أحمد برجاء بن عبيدة قال الخطيب في تاريخه 4 ص 158: مجهول.

7- طريق ابن عساکر فيه عبدالعزيز الکتاني لينه الذهبي کما في لسان الميزان 4 ص 33، وفيه الحارث بن زياد المحاربي قال الذهبي وغيره: ضعيف مجهول کما في اللسان 2 ص 149، وفيه من لا يعرف ولا توجد له ترجمة في المعاجم.

ولابن عساکر طريق آخر بالاسناد عن محمد بن عبد بن عامر المعروف بوضع الحديث[5] عن عصام بن يوسف ضعفه ابن سعد. وخطأه ابن حبان، وقال ابن عدي: روي أحاديث لا يتابع عليها کما في لسان الميزان 4 ص 168.

ويرشدک إلي صحة قول الفيروز آبادي والعجلوني ما أوضحناه في الجزء الخامس ص 332 -297 ط 2 من تفنيد مائة منقبة مکذوبة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مختلفة لابي بکر ولزبائنه بحکم الائمة والحفاظ. وکذا ما زيفناه من خمس وأربعين رواية موضوعة في الخلافة في صفحة 356 -333 ط 2 کل ذلک بقضاء من رجالات الفن نظراء.

ابن عدي، الطبراني، ابن حبان، النسائي، الحاکم، الدار قطني، العقيلي، ابن المديني، أبوعمر، الجوزقاني، المحب الطبري، الخطيب البغدادي ابن الجوزي، أبوزرعة، ابن عساکر، الفيروز آبادي، اسحاق الحنظلي ابن کثير، ابن القيم، الذهبي، ابن تيمية، ابن أبي الحديد، ابن حجر الهيثمي، ابن حجر العسقلاني الحافظ المقدسي، السيوطي الصغاني، الملا علي القاري، العجلوني، ابن درويش الحوت، وغيرهم.

ويشهد لبطلان تلکم الروايات الجمة في فضائل الخليفة الاول خلو الصحاح الست والسنن والمسانيد القديمة عنها، فلو کان مؤلفوها يجدون علي شيئ منها مسحة

[صفحه 91]

من الصحة بل لو کانوا واقفين عليها ولو علي واحدة منها لما أجمعوا علي ترکها فيرويها متحروا لزوايا، ونباشة الدفاين، فيبرزوها إلي الملا من تحت غبار الهجر، أو وراء نسج عناکب النسيان، فيرشدنا ذلک إلي أن مواليد هذه الروايات متأخر تاريخها عن عهد ارباب الصحاح وحسبها ذلک مهانة وضعة. کما أن ما في الصحاح من النزر اليسير ولائد متأحرة عن عهد النبي الاعظم صلي الله عليه وآله.

علي أن الخليفة نفسه لو کان علي ثقة من صدور شئ من تلکم الاحاديث ولو يسيرا منها من قائلها صلي الله عليه وآله لما کان يري مثل أبي عبيدة الجراح حفار القبور أولي منه بالخلافة، ولما قدمه علي نفسه، ولما ترک الاحتجاج بها يوم کانت حاجته إليه مسيسة، ويوم کان الحوار في أمر الخلافة قائما علي قدم وساق،وطفق کل ذي فضل يدلي بحججه، وقد احتدم الجدال حتي کاد أن يکون جلادا، واستحر الحجاج حتي عاد لجاجا، لکن الرجل لم يکن عنده حجة ولا لزبانيته إلا انه صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وثاني اثنين إذهما في الغار، وأنه أکبر القوم سنا وکان أبوه أکبر منه لا محالة وقد اختارته الجماعة وانعقدت له البيعة بعد هوس وهياج رکونا إلي أمثال هذه مما لا تثبت بها حجة، ولا يخضع لها ذو مسکة، ولا يصلح بها شأن الامة، ولا يجمع بها شمل ولا يتم بها الامر.

نعم: روي عن أبي بکر انه ذکر في الحجاج له أشياء حذفتها الرواة ولم يذکروا منها إلا انه أول من أسلم. أو: أول من صلي. عن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو بکر: ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب کذا؟ ألست صاحب کذا؟[6] .

وعن أبي نضرة قال: لما أبطأ الناس عن أبي بکر قال: من أحق بهذا الامر مني؟ ألست أول من صلي؟ ألست؟ ألست؟ ألست؟ فذکر خصالا فعلها مع النبي صلي الله عليه وسلم[7] .

[صفحه 92]

ونحن لا نعرف شيئا مما حذفوه من فضائله المزعومة أو اختلقوا نسبته إليه إذ من الممکن- بل المحقق- انه لم يقل شيئا، وإنما اصطنعوا له هذه الصورة لايهام انه کانت له يوم ذاک فضائل مسلمة، لکن نعطف النظرة علي المذکور من تلک المناقب وهو کون الخليفة أول من أسلم. أو: أول من صلي، ولم يکن کذلک. والقول به يخالف رأي النبي الاعظم ونصوص الصحابة، وقد فصلناالقول فيه في الجزء الثالث ص 219 تا 243 ط 2 وذکرنا مائة نص عن النبي الاقدس وأميرالمؤمنين صلوات الله علهيما وآلهما، وعن الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان علي أن أول من أسلم وأول من صلي من ذکر هو مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام. وأوضحنا هنالک أن أبا بکر ليس أول من أسلم. أو: صلي بل في صحيحة الطبري: أنه أسلم بعد أکثر من خمسين رجلا. فراجع.

ولو کانت الصحابة الاولون يعرفون شيئا من تلکم الموضوعات الجمة لما ترکوا الاحتجاج به يوم ذاک يوم إخضاع الناس بدلا عن إشفاع الدعوة بالارهاب والترعيد، و لما يقتصر عمر بن الخطاب يوم السقيفة بقوله: من له مثل هذه الثلاث: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن. إن الله معنا.وبقوله: إن أولي الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار. أبوبکر السباق المسن.

وبقوله يوم بيعة العامة: إن أبا بکر صاحب رسول الله. وثاني اثنين إذ هما في الغار.[8] .

ولما قال سلمان للصحابة. أصبتم ذا السن منکم ولکنکم أخطأتم أهل بيت نبيکم.[9] .

ولما يکتفي عثمان بن عفان في الدعوة إلي أبي بکر بقوله: إن أبا بکر الصديق أحق الناس بها، إنه لصديق وثاني اثنين وصاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم.

[صفحه 93]

ولما فاه المغيرة بن شعبة بمقاله لابي بکر وعمر: تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الامر نصيبا فيکون له ولعقبه فتقطعوا به من ناحية علي ويکون لکم حجة عند ألناس علي علي إذا مال معکم العباس.

ولما دخل أبوبکر وعمر وأبوعبيدة والمغيرة علي العباس ليلا، ولما قال أبوبکر له: لقد جئناک ونحن نريد أن نجعل لک في هذا الامر نصيبا يکون لک ويکون لمن بعدک من عقبک، إذ کنت عم رسول الله[10] .

ولما تم الامر له ببيعة اثنين فحسب: عمر وأبي عبيدة. أو: ببيعة اربع: هما مع اسيد وبشر. أو بخمسة: هم مع سالم مولي أبي حذيفة کما يأتي تفصيله.

ولما تخلف عن بيعته رؤس المهاجرين والانصار: علي وابناه السبطان. والعباس وبنوه في بني هاشم. وسعد بن عبادة وولده واسرته. والحباب بن المنذر وتابعوه. والزبير وطلحة. وسلمان. وعمار. وأبوذر. والمقداد. وخالد بن سعيد. وسعد بن أبي وقاص. وعتبة بن أبي لهب. والبراء بن عازب. وابي بن کعب. وأبوسفيان بن حرب. وغيرهم[11] .

ولما کان مجال لقول محمد بن اسحاق: کان عامة المهاجرين وجل الانصار لا يشکون ان عليا صاحب الامر بعد رسول الله صلي الله عليه وآله. شرح ابن ابي الحديد 8:2.

ولما قال عتبة بن ابي لهب يوم ذاک بملا من مدعي الفضائل:


ما کنت أحسب أن الامر منصرف
عن هاشم ثم منهم عن ابي حسن


عن أول الناس ايمانا وسابقة
وأعلم الناس بالقرآن والسنن


وآخر الناس عهدا بالنبي ومن
جبريل عون له في الغسل والکفن


من فيه ما فيهم؟ لا يمترون به
وليس في القوم ما فيه من الحسن


ماذا الذي ردکم عنه؟ فنعلمه
ها إن بيعتکم من أول الفتن[12] .

[صفحه 94]

ولما قال قصي يوم ذاک:


بني هاشم لا تطمعوا الناس فيکم
ولا سيما تيم بن مرة أو عدي


فما الامر إلا فيکم وإليکم
وليس لها إلا أبوحسن علي


أبا حسن فاشدد بها کف حازم
فانک بالامر الذي يرتجي ملي


وإن امرءا يرمي قصيا وراءه
عزيز الحمي والناس من غالب قصي[13] .

[صفحه 95]


صفحه 88، 89، 90، 91، 92، 93، 94، 95.








  1. راجع الجزء الخامس من هذا الکتاب ص 303 ط 2.
  2. راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا ص 246 ط 2.
  3. راجع الجزء الخامس من الکتاب ص 241 ط 2.
  4. في اللئالي: جريش: والصحيح ما ذکرناه.
  5. راجع الجزء الخامس من کتابنا هذا ص 259 ط 2.
  6. أخرجه الترمذي، والبزار، وابن حبان، وابونعيم في المعرفة، وابن مندة في غرائب شعبة، وسعيد بن منصور، وأبوداود کما في کنز العمال 3 ص 125، وذکره ابن الاثير في اسد الغابة 209:3، وابن کثير في تأريخه 27:3.
  7. أخرجه ابن سعد في الطبقات الکبري ط ليدن 129:3، وخيثمة الطرابلسي في فضائل الصحابة کما في کنز العمال 126:3.
  8. سيرة ابن هشام 340:4، الرياض النضرة 166 و 162:1، تأريخ ابن کثير 248 و 247:5، شرح ابن ابي الحديد 16:2، السيرة الحلبية 388:3.
  9. شرح ابن ابي الحديد 131:1، ج 17:2 أخرج الاطرابلسي في فضائل الصحابة کما في کنز العمال 140:3.
  10. الامامة والسياسة 15:1 تأريخ اليعقوبي 104 و 103:2 شرح بن أبي الحديد 132:1.
  11. تأريخ اليعقوبي 103:2، الرياض النضرة 167:1 تأريخ ابي الفداج 156:1، روضة المناظر لابن شحنة هامش الکامل 164:7 شرح ابن ابي الحديد 134:1.
  12. تأريخ اليعقوبي 103:2، رسائل الجاحظ 22، اسد الغابة 4 ص 40، تأريخ ابي الفداج 1 ص 164، شرح ابن ابي الحديد 259:3، الغدير 232:3. تعزي هذه الابيات إلي عدة شعراء راجع المصادر المذکورة.
  13. تاريخ اليعقوبي 105:2.