المغالاة في فضائل الخلفاء الثلاثة، أبي بكر، عمر، عثمان











المغالاة في فضائل الخلفاء الثلاثة، أبي بکر، عمر، عثمان



لقد أوقفناک علي شيئ من الغلو الفاحش في کل فرد من هؤلاء، وعرفناک ان کل ما لفقه القوم ورمقه من الفضائل إنما هي من مرمعات الحديث لا يساعدها المعروف من نفسياتهم وملکاتهم ولايتفق معها ما سجل لهم التاريخ من أفعال وتروک، وهلم الآن إلي لون آخر مما تمنته يد الافتعال يشملهم کلهم، ولانکترث من ذلک إلا لما جاء بصورة الرواية دون الاقوال والکلمات، فإن رمي القول علي عواهنه مما لا نهاية له، وما حدت إليه الاهواء والشهوات لا تقف علي حد، فنمر بما جاء به أمثال أبناء حزم وتيمية والجوزي والجوزية وکثير وحجر ومن لف لفهم من السلف والخلف کراما، فأني يسع لنا التبسط تجاه مزعمة نظراء التفتازاني وأمثاله قال في شرح المقاصد 279:2: احتج أصحابنا علي عدم وجوب العصمة بالاجماع علي إمامة أبي بکر وعمرو عثمان رضي الله عنهم مع الاجماع علي انهم لم تجب عصمتهم وإن کانوا معصومين بمعني انهم منذ آمنوا کان لهم ملکة اجتناب المعاصي مع التمکن منها.

وقال أبوالثناء شمس الدين محمود الاصبحاني المتکلم الشهير في «مطالع الانظار» 470: ولايشترط فيه العصمة خلافا للاسماعيلية والاثنا عشرية. لنا: إمامة أبي بکر والامة اجتمعت علي کونه غير واجب العصمة لا أقول إنه غير معصوم. ه د. وأقر عصمة عثمان الحافظ نور محمد الافغاني في کتابه «تاريخ مزار شريف» ص 4.

ونحن وضعنا أمامک صحائف من کتب أعمال هؤلاء المعصومين التي قضوا أکثرها علي العادات الجاهلية، وأوقفناک علي أن ما طابق منها عهد الاسلام مما لا يمکن أن يکون صاحبه عادلا فضلا عن أن يعد معصوما، وهاهنا لا نحاول أکثر من لفت نظر القاري إلي تلکم الصحائف من غير توسع نکرره، ففيما سبق في الجزء السادس والسابع والثامن من الطامات والجنايات والاحداث والشنايع والفظايع ومما لا تقرره طقوس الاسلام ويشذ عن سنن الکتاب والسنة غني وکفاية.

وأما ما استنتجه التفتازاني من الاجماعين فمن أفحش أغلاطه. أما أولا فلمنع

[صفحه 379]

الاجماع في کل من الثلاثة فإن خلافة أبي بکر إنما تمت بعد وصمات سودت صحيفة تاريخه، وأبقت علي الامة عارا إلي منصرم الدنيا، لا تنسي قط بمر الجديدين وکر الملوين، إنما تمت ببيعة رجل أورجلين أو خمسة، ومن هنا حسبوا ان الخلافة تنعقد برجل أو رجلين أو خمسة[1] مع تقاعد جمع کثير عنها من عمد الصحابة وأعيانهم کما فصلناه في الجزء السابع ص 93 ثم لم يجمعهم مع القوم إلا الترعيد والترعيب ومحاشد الرجال وبروق الصوارم وکان من حشدهم اللهام رجال من الجن رموا سعد بن عبادة أمير الخزرج.

وأما خلافة عمر فکانت بالنص من أبي بکر مع إنکار الصحابة عليه ونقدهم إياه بذلک. وکم اناس کانوا يشارکون طلحة في قوله لابي بکر: ما تقول لربک وقد وليت علينا فظا غليظا[2] .

وأما عثمان فنصبته الشوري علي هنات بين رجال الشوري عقد له عبدالرحمن بن عوف ولم يشترطوا کما قال الايجي[3] إجماع من في المدينة فضلا عن إجماع الامة نعم: عقد عبدالرحمن البيعة لصاحبه وسيفه مسلول علي رأس الامام علي بن أبي طالب قائلا له: بايع وإلا ضربت عنقک ولحقه أصحاب الشوري قائلين بايع وإلا جاهدناک أنساب البلاذري 22:5.

والتمحل بحصول الاجماع بعد ذلک تدريجا لا يجديهم نفعا، فإن الخلافة قد ثبتت عندهم بالبيعة الاولي فجاء متمموا الاجماع بعد ذلک علي أساس موطد.

وأما ثانيا فإن من الممکن علي فرض التنازل مع التفتازاني أن يکون اجماعهم علي خلافة الثلاثة لکونهم معصومين کما ينص به هو، وأما الاجماع المنقول عنهم بعدم وجوب العصمة فمما لاطريق إلي تحصيله من آراء الصحابة، فمتي سبر التفتازاني نظريات السلف وهم معدودون بمئات الالوف فعلم من نفسياتهم انهم لايرون وجوب العصمة في خلفائهم وهم رهائل أطباق الثري؟ ومن ذا الذي کان يسعه أن يعلمها فينهيها إلي التفتازاني وهلم جرا إلي دور الصحابة؟ ومتي کانوا يتعاطون المسائل الکلامية ويتفاوضون

[صفحه 380]

عليها فيحفي هذا خبر ذاک ثم ينقله إلي ثالث إلي أن يتسلسل النقل فيشيع؟ والسابر لصحائف دور الخلافة الاولي منذ يوم السقيفة إلي يوم الشوري لايجد لامر العصمة في منتديات القوم ذکراو لا يسمع منه رکزا، وإنما أتخذوا أمر الخلافة کملوکية يتسني لهم بها الحصول علي أمن البلاد وحفظ الثغور وقطع السارق والاقتصاص من القاتل وما إلي هذه من لداتها کما فصلنا القول فيه تفصيلا ج 7 ص 136 وعلي ذلک جري العلماء والمتکلمون فليس لهم في الشروط النفسانية من العلم والتقوي والقداسة أخذ ولارد إلا کلمات سلبية حول إشتراطها، ومتي کانت الخلافة عند السلف إمرة دينية حتي يبحثوا عن حدوها؟ ولم تکن إلاسياسة وقتية مدبرة بليل.

وأما ثالثا: فإنا لانحتج بالاجماع إلا بعد ثبوت حجيته، فإذا ثبتت فانها لا تختص بمورد دون آخر فيجب أن يکون حجة في الخلافتين معا من أبي بکر وعثمان ذلک علي نصبه، وهذا علي استباحة قتله، والنقض بخروج ثلاثة أو أربعة من ساقة الامويين أو ممن يمت بهم ويحمل بين جنبيه نزعتهم في الاجماع علي عثمان مقابل بخروج امه صالحة عن الاجماع الاول من أعيان الصحابة وفي طليعتهم سيد العترة وإمام الامة اميرالمؤمنين علي عليه السلام والامامان الحسنان والصديقة الطاهرة أصحاب الکساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، إلي غيرهم من بني هاشم والعمد والدعائم من المهاجرين والانصار، ووفاقهم الاخير مشفوعا بالترهيب لايعد وفاقا ولايکون متمما للاجماع، فانهم کانوا مستمرين علي آرائهم وإن ألجأتهم الظروف وحذار وقوع الفرقة إن شهروا سيفا وباشروا نضالا إلي المغاضاة عن حقهم الواضح والمماشاة مع القوم کيفما حلوا وربطوا، فهذا مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام يقول بعد منصرم أيام الثلاثة في رحبة الکوفة: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحي، ينحدر عني السيل، ولا يرقي إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها کشحا، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر علي طخية عمياء، يهرم فيها الکبير، ويشيب فيها الصغير، ويکدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه، فرأيت أن الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت وفي العين قذي، وفي الحلق شجي أري تراثي نهبا حتي مضي الاول لسبيله فأدلي بها إلي ابن الخطاب بعده. ثم ثمثل

[صفحه 381]

بقول الاعشي:


شتان ما يومي علي کورها
ويوم حيان أخي جابر


فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطر اضرعيها، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ کلمها، ويخشن مسها، ويکثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها کراکب الصعبة، إن أشنق لها خرم: وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلون واعتراض فصبرت علي طول المدة، وشدة المحنة حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشوري، متي اعترض الريب في مع الاول منهم حتي صرت أقرن إلي هذه النظائر، لکني أسففت إذا سفوا وطرت إذا طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن إلي أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع، إلي أن انتکث فتله، وأجهز عليه عمله، وکبت به بطنته.[4] .

تعرب هذه الخطبة الشريفة عن رأيه عليه السلام في الخلافة، وکل جملة منها تشهد علي عدم العصمة المزعومة، أو تمثل اولئک المعصومين للملا بعجزهم وبجرهم، أضف اليها قوله عليه السلام من کتاب له إلي معاوية، ذکرت إبطائي عن الخلفاء، وحسدي إياهم، والبغي عليهم، فأما البغي فمعاذالله أن يکون، وأما الکراهة لهم فوالله ما اعتذر للناس من ذلک، وذکرت بغيي علي عثمان وقطعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت و عمل به الناس ما قد بلغک.[5] .

وقوله عليه السلام من خطبة له لما أراد المسير إلي البصرة: إن الله لما قبض نبيه صلي الله وعليه واله وسلم استأثرت علينا قريش بالامر ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس کافة، فرأيت أن الصبر علي ذلک أفضل من تفريق کلمة المسلمين وسفک دمائهم، والناس حديثو عهد بالاسلام، والدين يمخض مخض الوطب.يفسده أدني وهن، ويعکسه أقل خلق، فولي الامر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا،ثم انتقلوا إلي دار الجزاء و الله ولي تمحيص سيآتهم والعفو عن هفواتهم.[6] .

[صفحه 382]

وقوله عليه السلام إن النبي صلي الله وعليه واله وسلم قبض وما أري أحد أحق بهذا الامر مني، فبايع الناس أبابکر فبايعت کما بايعوا، ثم أن أبابکر هلک وما أري أحد أحق بهذا الامر مني فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت کما بايعوا، ثم ان عمر هلک وما أري أحدا أحق بهذا الامر مني فجعلني من ستة أسهم فبايع الناس عثمان.[7] .

وقوله عليه السلام يوم قال أبوبکر لقنفذ وهو مولي له: اذهب فادع لي عليا. فذهب إلي علي فقال: ما حاجتک؟ فقال: يدعوک خليفة رسول الله. فقال علي: لسريع ما کذبتم علي رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة ثم قال أبوبکر: عد إليه فقل له: أميرالمؤمنين يدعوک لتبايع. فجاءه قنفذ فأدي ما امر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعي ما ليس له. الحديث. الامامة والسياسة 13:1.

إلي کلمات اخري توقف الباحث علي جلية الحال.

فأين العصمة المزعومة؟ ثم أين الاجماع المدعي عليها؟ وأني کان الاجماع علي الخلافة؟ ومتي تحقق؟ وإن تم الاجماع فيجب أن يحتج به في الخلافتين وصاحبيهما وإن ابطلناه ففيهما معا.

ونحن لو اندفعنا إلي تفنيد أمثال هذه السفاسف المنبعثة عن الغلو في الفضائل لضاق بنا المجال عن السير في مواضيع الکتاب علي أنها غير مبتنية علي اسس رصينة تستحق أخذا بها أو رد عليها، وإنما ذکرنا هذه الاسطورة فحسب لان نعطيک شيئأ من نماذج تلکم الاقاويل المسطرة بلا أي تعقل وتدبر، فدونک شيئا مما عزوه إلي الروايات من فضايل الثلاثة.

1 اخرج الامام الفقيه المحدث الثقة[8] أبوالحسين محمد بن أحمد الملطي الشافعي المتوفي 377 في کتابه «التنبيه والرد علي أهل الاهواء والبدع» ص 23 قال: قال محمد بن عکاشة رحمه الله أخبرني معاوية بن حماد الکرماني عن الزهري قال: من اغتسل ليلة الجمعة وصلي رکعتين يقرأ فيهما (قل هوالله أحد) ألف مره رأي النبي صلي الله وعليه وسلم في منامه. قال محمد بن عکاشة: فدمت عليه کل ليلة جمعة اصلي الرکعتين أقرأ

[صفحه 383]

فيهما (قل هوالله أحد) ألف مرة طمعا أن أري النبي صلي الله وعليه وسلم في منامي فأعرض عليه هذه الاصول فأتت علي ليلة باردة فاغتسلت وصليت رکعتين ثم أخذت مضجعي فأصابني حلم، فقمت ثانية فاغسلت وصليت رکعتين، وفرغت منهما قريبا من الفجر فاستندت إلي الحائط ووجهي إلي القبلة إذ دخل علي النبي صلي الله وعليه وسلم ووجهه کالقمر ليلة البدر وعنقه کابريق فضة فيه قضبان الذهب علي النعت والصفة، وعليه بردتان من هذه اليمانية قد إتزر بواحدة وارتدي باخري، فجاء واستوفز علي رجله اليمني وأقام اليسري فأردت أن أقول: حياک الله فبادرني وقال: حياک الله وکنت احب أن أري رباعيته المکسورة فتبسم فنظرت إلي رباعيته فقلت: يا رسول الله! إن الفقهاء والعلماء قد اختلفوا علي وعندي اصول من السنة أعرضها عليک فقال: نعم فقلت:

الرضا بقضاءالله: والتسليم لامرالله والصبر علي حکم الله: والاخذ بما أمر الله، والنهي عما نهي الله عنه، والاخلاص بالعمل لله، والايمان بالقدر خيره وشره من الله، وترک المراء والجدال والخصومات في الدين، والمسح علي الخفين، والجهاد مع أهل القبلة، والصلاة علي من مات من أهل القبلة سنة، والايمان يزيد وينقص، قول وعمل، والقرآن کلام الله، والصبر تحت لواء السلطان علي ما کان فيه من جور وعدل ولا يخرج علي الآمر بالسيف وإن جاروا، ولا ينزل أحد من أهل التوحيد جنه ولا نار، ولا يکفر أحد من أهل التوحيد بذنب وإن عملوا الکبائر، والکف عن أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم- فلما أتيت: والکف عن أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم بکي حتي علاصوته- و أفضل الناس بعد رسول الله صلي الله عليه واله وسلم أبوبکر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. قال محمد بن عکاشة: فقلت في نفسي في علي: ابن عمه وختنه. فتبسم عليه السلام کأنه قد علم ما في نفسي. قال محمد: فدمت ثلاث ليال متواليات أعرض عليه هذه الاصول کل ذلک أقف عند عثمان وعلي فيقول لي عليه السلام: ثم عثمان ثم علي. ثم عثمان ثم علي: ثلاث مرات. قال: وکنت أعرض عليه هذه الاصول وعيناه تهملان بالدموع قال: فوجدت حلاوة في قلبي وفمي فمکثت ثمانية أيام لا آکل طعاما ولاأشرب شرابا حتي ضعفت عن صلاة الفريضة فلما أکلت ذهبت تلک الحلاوة واللذة والله شاهد علي وکفي بالله شهيدا.

وقال أميرالؤمنين المتوکل رحمه الله لاحمد بن حنبل رضي الله عنه: يا أحمد!

[صفحه 384]

إني أريد أن أجعلک بيني وبين الله حجة فأظهرني علي السنة والجماعة وما کتبته عن اصحابک عما کتبوه عن التابعين مما کتبوه عن أصحاب رسول الله. فحدثه بهذا الحديث.

قال الاميني: نحن نجد الباحث في غني عن البحث عن هذه الاسطورة ومافيها من مضحکات الثکلي، ونجل أحمد عن أن يتخذها حجة بينه وبين الله فيلقنها خليفة وقته، ونربي به عن تصديق مثل محمد بن عکاشة الذي جاء فيه قول ابن عساکر بعد روايته هذه الرؤيا: قال سعيد بن عمرو البردعي: قلت لابي زرعة: محمد بن عکاشة الکرماني. فحرک رأسه فقال: رأيته وکتبت عنه وکان کذابا. قلت: کتبت عنه الرؤيا التي کان يحکيها؟ قال: نعم کتبت عنه فزعم انه عرض علي شبابة: الايمان قول وعمل ويزيد وينقص فيه اي به، وأنه عرض علي أبي نعيم: علي ثم عثمان فقال به وهو کذوب ولايحسن انه يکتب ايضا، يعني إن شبابة لايقول بذلک وکذا أبونعيم قلت: اين رأيته؟ قال، قدم هنا مع محمد بن رافع وکان رفيقه کنت أري له سمتا ولقيني محمد ابن رافع فکره أن يقول فيه شيئا وقال لي: لا يخفي عليک أمره إذا فاتحته فقلت: إن رأيت أن تفيدني شيئا قال: نعم. ثم کاد يصعق واضطرب بطنه فهالني ذلک ثم أقبل علي فقال: إن اول ما أملي علي أن کذب علي الله وعلي رسوله صلي الله عليه واله وسلم وعلي علي وعلي ابن عباس. الخ[9] .

وذکره الحاکم في الضعفاء فقال: منهم جماعة وضعوا کما زعموا يدعون الناس إلي فضائل الاعمال مثل أبي عصمة ومحمد بن عکاشة الکرماني ثم نقل عن سهل بن السري الحافظ انه کان يقول: وضع أحمد الجويباري ومحمد بن تميم ومحمد بن عکاشة علي رسول الله صلي الله عليه واله وسلم أکثر من عشرة آلاف حديث. راجع ما أسلفناه في سلسلة الکذابين ج 261:5 ط 2، ولسان الميزان 286:5 و 289.

فرجل هذا حاله وتلک صفته وذلک حديثه ليس بالمستطاع تصديقه علي دعاويه المجردة في المبادئ والمعتقدات، العجب کل العجب من الفقيه الثقة الذي يعتمد علي مثلها من خزاية، قاتل الله الحب المعمي والمصم هو الذي حدي القوم إلي تفتين بسطاء الامة بمثل هذه الخزعبلات والله يعلم أنهم لکاذبون.

[صفحه 385]

2- أخرج البلاذري في الانساب 5:5 عن خلف البزار عن أبي شهاب الحناط[10] .

عن خالد الحذاء البصري عن أبي قلابة البصري عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أرحمکم أبوبکر، وأشدکم في الدين عمر، وأقرؤکم ابي، وأصدقکم حياء عثمان، وأعلمکم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضکم زيد بن ثابت، وإن لکل امة أمينا وأمين هذه الامة أبوعبيدة الجراح.

وأخرجه ابن عساکر في تاريخه 325:1 محذوف الاسناد بلفظ: أرحم امتي أبوبکر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء، عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرأهم ابي بن کعب. إلخ.

ورواه في ج 199:6 من طريق أبي سعيد الخدري وعقبه: قال العقيلي: أسانيد هذه الاحاديث غير محفوظة والمتون معروفة.

قال الاميني: ألا تعجب من اسطورة جاء بها خلف البزار الثقة الامين العابد الفاضل السکير. قال أبوجعفر النفيلي: کان من أصحاب السنة لولا بلية کانت فيه: شرب النبيذ.

وذکر خلف عند أحمد- إمام الحنابلة- فقيل: يا أباعبدالله! انه يشرب. فقال: قد انتهي إلينا علم هذا عنه، ولکن هو والله عندنا الثقة الامين شرب أو لم يشرب[11] .

والرواية نفسها شاهد صدق علي ما انتهي إلي إمام الحنابلة علمه من خلف البزار والذين أخذوها منه ورووها عنه إنما أقحمتم فيها سکرة الهوي لا نشوة السلافة.

ولتقديس ذيل هذا الثقة الامين عن رجاسة النبيذ جاء الخطيب البغدادي بما رواه عن محمد بن أحمدبن رزق عن محمدبن الحسن بن زياد النقاش قال: سمعت ادريس ابن عبدالکريم الحداد يقول: خلف بن هشام يشرب من الشراب علي التأويل فکان ابن اخته يوما يقرأ عليه سورة الانفال حتي بلغ- ليميز الله الخبيث من الطيب- فقال ياخال! إذا ميز الله الخبيث أين يکون الشراب؟ قال: فنکس رأسه طويلا ثم قال: مع الخبيث. قال: فترضي أن تکون مع أصحاب الخبيث؟ قال: يابني امض إلي المنزل

[صفحه 386]

فاصبت کل شيئ فيه، وترکه، فأعقبه الله الصوم، فکان يصوم الدهر إلي أن مات.

حبذا هذا التنزيه لو صدقت الاحلام، وهو وإن کان معقولا أحسن من رأي الامام أحمد من أنه الثقة الامين شرب أولم يشرب. فإنه رأي تافه لاتساعده البرهنة ولا يوافقه الشرع والعقل والمنطق، والله يقول: يا أيها الذين آمنو إن جاءکم فاسق بنبأ فتبينوا[12] غير أن من المأسوف عليه جدا بطلان إسناده لمکان محمدبن الحسن النقاش فإنه کذبه طلحة بن محمد، ووهاه الدار قطني، ودلسه أبوبکر، وقال البرقاني: کل حديثه منکر، وذکر عنده تفسير وفقال: ليس فيه حديث صحيح. وکل هذه ذکره الخطيب نفسه فبماذا ينزه الرجل؟ وأني يتأتي له أمله؟

وإني أشکر من انتهي اليه وضع هذه الاکذوبة علي انه لم يذکر مع القوم مولانا أميرالمؤمنين عليا عليه السلام الذي هو أربي من کلهم في جميع الصفات المذکورة فانه يرفع عن أن يذکر في عداده أي احد، کما أن فضائله أربي من أن تذکر معها فضيلة.

وهاهنا لا نناقش متن الرواية في الاوصاف التي حابت القوم بها، فلعل فيها ما هو مدعوم بالبرهنة، فيشهد علي کون أبي بکر أرحم الامة إحراقه الفجاءة، وغضه الطرف عن وقيعة خالد بن الوليد في بني حنيفة وخزايته مع مالک بن نويرة وزوجته[13] .

وعدم اکتراثه لامر الصديقة فاطمة في دعواها، وکانت له مندوحة عن مجابهتها باسترضاء المسلمين واستنزال کل منهم عن حصته من فدک إن غاضينا القوم علي الفتوي الباطلة والرواية المکذوبة في انقطاع إرث النبوة خلافا لايات المواريث المطلقة وإرث الانبياء خاصة، علي أن فاطمة سلام الله عليها وابن عمها ما کانا يجهلان بما تفرد بنقله أبوبکر وصافقته علي قوله سماسرته من الساسة لامر دبر بليل، وأميرالمؤمنين عليه السلام أقضي الامة وباب مدينة علم النبي، والصديقة فاطمة بضعته وما کان يشح صلي الله عليه واله وسلم عليها من إفاضة العلم ولاسيما علم الاحکام وعلي الاخص ما يتعلق بها، وهو صلي الله عليه واله وسلم يعلم أنها سوف تقيم الدعوي علي صحابته المتغلبين علي فدک وأنها ستمنع عنها ويحتدم بينها و

[صفحه 387]

بينهم الشجار، ويستتبع ذلک انشقاقا بين الامة إلي يوم القيامة، فمن مزدلفة إلي بضعة النبوة، ومن جانحة إلي من منعها عن حقها، فکان من الواجب أن يسبق صلي الله عليه واله وسلم إلي ابنته بتفصيل حکم هذا شأنه قبل أبي بکر.

ألم تکن لابي بکر مندوحة تصحح إقطاع فاطمة فدکا وردها إليها حتي لا يفتح باب السوءة علي الامة کما ردها عمر إلي ورثة النبي الاقدس، وأقطعهما عثمان مروان وأقطعها معاوية مروان وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية علي الاثلاث، إلي ما رأي فيها الخلفاء بعدهم من التصرف کتصرف الملاک في أملاکهم[14] .

سل عن صفة أبي بکر هذه فاطمة وهي صديقة يوم خرجت عن خدرها وهي تبکي وتنادي بأعلي صوتها: يا أبت! يارسول الله! ماذالقينا بعدک من ابن الخطاب وابن أبي قحافة[15] .

وسلها عنها يوم لاثت خمارها علي رأسها، وأشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله حتي دخلت علي أبي بکر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبکاء، وارتج المجلس[16] .

وسلها عنها يوم قالت لابي بکر: والله لادعون عليک بعد کل صلاة اصليها. وسلها عنها يوم ماتت وهي واجدة علي أبي بکر، وهي التي طهرها الجليل بآية التطهير، وصح عن أبيها قوله صلي الله عليه واله وسلم: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني، يؤذيني ماآذاها، ويغضبني ماأغضبها[17] .

وقوله: فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني[18] .

وقوله: إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها[19] .

[صفحه 388]

وسل عنها أميرالمؤمنين وهو الصديق الاکبر يوم قادوه، کما يقاد الجمل المخشوش إلي بيعة عمت شومها الاسلام، وزرعت في قلوب أهلها الآثام، وعنفت سلمانها، وطردت مقدادها، ونفت جندبها، وفتقت بطن عمارها، وحرفت القرآن، وبدلت الاحکام، و غيرت المقام، وأباحت الخمس للطلقاء، وسلطت أولاد اللعناء علي الفروج والدماء، و خلطت الحلال بالحرام، واستخفت بالايمان والاسلام، وهدمت الکعبة، و أغارت علي دارالهجرة يوم الحرة وأبرزت بنات المهاجرين والانصار للنکال والسوءة، وألبستهن ثوب العار والفضيحة، ورخصت لاهل الشبهة في قتل أهل بيت الصفوة وإبادة نسله، واستيصال شأفتة، وسبي حرمه وقتل أنصاره: وکسرمنبره، وإخفاء دينه، و قطع ذکره. إنا لله وإنا إليه راجعون.

وسل عنها أميرالمؤمنين يوم لاذ بقبر أخيه رسول الله صلي الله عليه واله وسلم وهو يبکي ويقول: يا ابن ام إن القوم استضعفوني وکادوا يقتلونني[20] .

إلي غير هذه من دلائل کون أبي بکر أرحم الامة.

وأما کون عمر أشدهم في الدين فمن جلية الواضحات إن الشدة في الدين ليست هي الفظاظة والغلظة فحسب وإنما هي التهالک في التمسک بعروتي الکتاب والسنة و العمل بهما والاخذ والقيام بما جاء فيهما من الحدود، وما أکثر ما خالفهما الرجل ونبذهما وراء ظهره واتخذ برأيه الشاذ عنهما؟ ودع عنک ما جهله منهما. وماقيمة شدة بلاعلم؟ وما مقدار شدة مع التنکب عن أساسيات الدين؟ مع الخروج عن طقوس الاسلام، مع التمسک بالاهواء والشهوات؟ راجع نوادر الاثر في علم عمر من الجزء السادس ص 83 تا 333 ط 2 فإنک تجد هنالک شواهد قوية علي إثبات هذه الصفة فاقرأها وتبصر.

وأما کون عثمان أصدقهم حياء فيکفي دلالة عليه الجزء الثامن والتاسع من هذا الکتاب وکل صحيفة منهما آية من آيات صفته تلک، مضافا إلي ما سردناه في هذا الجزءص 274 تا 289 من البحث الخاص في حيائه.

وأما الثلاثة الباقون فلا نطيل البحث عن إثبات ما ذکر لهم، ففيه تضييع للوقت وشغل عما هواهم من ذلک، ومن سبر کتابنا هذا عرف أعلم الامة وأفرضها وأمينها

[صفحه 389]

وعلم أنه غيرهم، فلا يدلس ساحة الامة بأمثال المذکورين، ولا يخاف عليه مما کان يخاف النبي الاقدس صلي الله عليه واله وسلم علي أمته کما جاء عنه: أخاف علي امتي من بعدي ضلالة الاهواء، واتباع الشهوات، والغفلة بعد المعرفة. «اسدالغابة 108:1».

2 في کتاب المناقب من صحيح البخاري 249:5 عن محمد بن الحنفية قال: قلت لابي: أي الناس خير بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قال: ابوبکر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. وخشيت أن يقول: ثم عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.

وفي لفظ الخطيب في تاريخه 432:13: قال قلت: يا أبت! من خير الناس بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قال: يا بني أو ما تعلم؟ قال: قلت: لا. قال: أبوبکر. قال: قلت: ثم من؟ قال: يا بني؟ أو ماتعلم؟ قال: قلت: لا. قال ثم عمر. قال: ثم بدرته فقلت: يا أبت! ثم أنت الثالث. قال: فقال لي: يا بني أبوک رجل من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم.

قال الاميني: ليست هذه اول سقطة من سقطات البخاري، ومن عرف معتقد أمير المؤمنين علي عليه السلام في الذين تقدموه وما استمر عليه دؤبه من التصريح بذلک المعتقد تارة والتلويح إليه اخري لا يشک في أن ما عزي اليه بهتان عظيم.

وليس ابن الحنفية ذلک الذي لا يعرف أباه ولا نظريته في القوم بعد اللتيا والتي حتي يسأله عن اولئک الرجال ثم يخاف عن أن يقول في المرة الثالثة عثمان وهو يعرفه بعجره وبجره لا محالة، ويعلم أنه هو أحد الثلاثين من بني أبي العاص الذين صح فيهم قول رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: إذا بلغ بنوأبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا[21] .

لماذا کتم أميرالمؤمنين عليه السلام من ابن الحنفية رأيه هذا يوم مقتل عثمان لما أراد الامام عليه السلام أن يأتي الرجل وينصره فأخذ ابن الحنفية بضبعيه أو بکفيه أو بحقويه يمنعه من ذلک[22] .

حاشا ابن الحنفية من الجهل بما جاء في أبيه الطاهر عن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم من

[صفحه 390]

قوله: إنه خير البرية، وإنه خير البشر، وإنه خير من أترکه بعدي، وإنه خير الناس، وإنه خير الرجال، وإنه أحد الخيرتين[23] ومحمد بن الحنفية هوالذي کان ينشد شاعره کثير عزة بين يديه قوله:


أنت ابن خير الناس من بعد النبي
يابن علي سر ومن مثل علي؟[24] .


وأني تصح نسبة هذه المزعمة إلي علي عليه السلام وقد جاء عنه من عدة طرق إنه قال: حدثني رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا مسنده إلي صدري فقال: أي علي؟ألم تسمع قوله الله تعالي «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية»؟أنت وشيعتک. وورد عن جابر: إن أصحاب النبي صلي الله عليه واله وسلم کانو إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خيرالبرية. راجع ما أسلفناه في ج 52:2. أخرجه مضافا إلي ما ذکرناه هنالک من المصادر ابن أبي حاتم في تفسيره، قال السيوطي في لئاليه 12:1: التزم ابن أبي حاتم أن يخرج في تفسيره أصح ما ورد ولم يخرج حديثا موضوعا البتة.ه.

ولو کان يري أميرالمؤمنين أن أبابکر خيرالناس فلماذا تقاعد عن بيعته إلي أن توفيت سيدة النساء فاطمة؟ وکان له وجه عند الناس أيام حياتها کما أخرجه البخاري نفسه، وصافقه علي ذلک بنو هاشم ومن وافقهم من غيرهم من وجوه الامة وأعيان الصحابة، أولم يکن فيهم من يعرف منزلة الصديق هذه؟ وما بال علي أميرالمؤمنين عليه السلام کان يحمل الصديقة الطاهرة علي دابة ليلا في مجالس الانصار تسألهم النصرة علي خير البشر؟[25] ولماذا لم يکن في مقال الدعاة إلي أبي بکر ايضا يوم السقيفة و بعده ما يومي إلي أنه خير البشر؟ بل کان رطب ألسنتهم: انه السباق المسن وثاني اثنين إذ هما في الغار[26] مشفوعا کل ذلک بالارهاب والترعيد. أفلم يدبروا القول، أم جاءهم مالم يأت آباءهم الاولين؟.

هب أن الصحابة يوم ذاک ما کانوا يعرفون منزلة الرجل، فهلا نبههم عليه أمير المؤمنين وأمرهم باتباع خيرالناس وفيهم من کان أطوع له من الظل لذيه، فقم بذلک

[صفحه 391]

جذوم الفتنة، واستأصل جذورها، وکسح الخلاف من بين المسلمين، فلم يترکها فتنة عمياء تحتدم عليها الاحن، وتتعاقب المحن؟ حاشا مولانا أمير المؤمنين من کل هذه، لکنه لم يعرف ما عزي إليه من حديث خير الناس ولا اعترف بمفاده طرفة عين، بل کان صلوات الله عليه يرفع عقيرته بما يضاد هذه المزعمة في صهوات المنابر بين الملا الديني، وقد مر شطر من تلکم الکلم في هذا الجزء.

نحن هاهنا لسنا في مقام إثبات أن عليا خير البشر بعد صنوه الطاهر صلي الله عليهما وآلهما. کلا ثم کلا.

ولسنا في صراط بيان المفاضلة بينه سلام الله عليه وبين خلفاء الانتخاب الدستوري، حاشا ثم حاشا.

وإنما يروقنا جدا أن نمرکز لهذا الانسان الکامل في الملا الديني مکانة فرد من آحاد المسلمين، ونجعلها کلمة سواء بيننا وبين القوم، ونتصافق علي هذا فحسب. أللهم غفرانک وإليک المصير.

يا حبذا بعد ما صدق القوم ما عزي إليه صلوات الله عليه من قول: ما أنا إلا رجل من المسلمين أو قوله لا بنه: يا بني أبوک رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم. کانوا يعدونه رجلا منهم وأجروا عليه أحکام من آمن بالله وأسلم، وکان له ما لهم وعليه ما عليهم. بل ليتهم کانوا اتبعوا رأي عثمان فيه ويرون مروان بن الحکم اللعين ابن اللعين بلسان النبي الاقدس أفضل منه. وليتهم ساووا بينه وبين سفلة الاعراب، والطبقة الواطئة الساقطة من الصحابة، لکن: أني؟ ثم أني؟.

قل لي بربک أي مسلم شريف أو وضيع لعن غيره في ثمانية عشر ألف منبر، ولم ينبس ابن انثي ببنت شفة في الدفاع عنه؟.

قل لي بربک أي مسلم سائد أو سوقة غير سيد العترة سن سبه في الجمعة و الجماعة في الحواضر الاسلامية جمعاء، وتختم بلعنه أندية الوعظ والخطابة، ومن نهي عن ذلک ينفي عن عقر داره؟ قال الجنيد بن عبدالرحمن بن عمرو: أتيت من حوران إلي دمشق لآخذ عطائي فصليت الجمعة ثم خرجت من باب الدرج فإذا عليه شيخ يقال له: أبوشيبة القاص، يقص علي الناس فرغب فرغبنا، وخوف فبکينا، فلما

[صفحه 392]

انقضي حديثه قال: اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب، فلعنوا أبا تراب عليه السلام، فالتفت إلي من علي يميني فقلت له: فمن أبوتراب؟ فقال: علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وزوج ابنته، وأول الناس إسلاما، وأبوالحسن والحسين. إلي آخر ما في تاريخ ابن عساکر 407:3. وفيه أن الجنيد استنکر الامر ولطم وجه الرجل فشکي إلي هشام ابن عبدالملک فنفي الجنيد إلي السند فلم يزل بها إلي أن مات.

قل لي بربک أي عزيز تحت ظل النبوة غير عزيزنا المفدي، أضهده نير المذلة، وأصبح ضهدة لکل أحد، جرعته يد الاحن کاسات المحن، حتي سئم من حياته، وصبر وفي العين قذي، وفي الحلق شجي، يري تراثه نهبا؟.

قل لي بربک أي صحابي غير علي عليه السلام لا يستقيم الامر لامة محمد إلا بسبه؟ يقال لمروان: مالکم تسبونه علي المنابر؟ فيقول بمل ء فمه. إنه لايستقيم لنا الامر إلا بذلک[27] .

قل لي بربک أي موحد إسلامي في الملا الديني يتبرأ منه في بيعة خليفة المسلمين بيع الله ورسوله سوي علي عليه السلام؟ وقد اشترط معاوية البراءة منه عليه السلام في بيعته[28] .

قل لي بربک أي إنسان ثقل اسمه علي الناس غير علي صلوات الله عليه؟ هذه عائشة لم تسمه ولا تقدر علي أن تذکره بخير، ولا تطيب له نفسا[29] وکان معاوية أو عبدالملک بن مروان أو هما معا يأمران إبن عباس أن يغير اسم ولده علي وکنيته[30] وکان علي بن الجهم السلمي يلعن أباه لانه سماه عليا[31] .

قل لي بربک أي رجل أسلم وجهه لله وهو محسن غير أول المسلمين يري

[صفحه 393]

لاعنوه وشاتموه ومعاندوه وقاتلوه و خاذلوه متأولين مجتهدين لايستحقون مقتا ولا أخذا ولاهوانا ولا عقابا؟

قل لي بربک أي ابن انثي من أبناء الاسلام عدا وليد الکعبة ابن فاطمة استحق شيعته ومحبوه وأهله وذووه في المجتمع السب واللعن والقتل والسبي والازراء و الضرب والنکال والسوءة والحبس في ظلم المطامير وقعر السجون، وضاقت عليهم الارض بما رحبت؟

الهضيمة کل الهضيمة دفاع ابن حجر عن مثل حکم بن أبي العاص طريد النبي ولعينه وعن الوقيعة فيه بما تحقق منه وعلم من الفاحشة، وذبه عنه لمکان کونه صحابيا[32] .

الهضيمة کل الهضيمة ذب ابن حزم عن عبدالرحمن بن ملجم قاتل اميرالمؤمنين وعدم تجويزه لعنه وتبريره عمله بأنه مجتهد مخطئ[33] .

الهضيمة کل الهضيمة نصرة القاضي حسين الشافعي عمران بن حطان مادح ابن ملجم قاتل الامام الطاهر بقوله:


ياضربة من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا


إني لاذکره حينا فأحسبه
أوفي البرية عندالله ميزانا


يحکم بعدم جواز لعنه زعما بکونه صحابيا[34] ذاهلا عن أن ابن حطان لم يکن صحابيا وإنما هو من رؤس الخوارج الملعونين بلسان النبي الاقدس، ولد الرجل بعده صلي الله عليه واله وسلم بمدة.

الهضيمة کل الهضيمة تبرير ساحة معاوية الربا والخمور من دنس طاماته و موبقاته وجناياته الکبيرة علي الاسلام والمسلمين وقتله آلافا من صلحاء امة محمد صلي الله عليه واله وسلم بکلمة واحدة موجزة، بأنه کان مجتهدا متأولا مخطئا.[35] .

الهضيمة کل الهضيمة الاعتذار عما اقترفه يزيد الخمورو الفجور: وتنزيه ساحته

[صفحه 394]

من أرجاسه المکفرة والنهي عن لعنه وذکره بالسؤ بأنه مسلم لم يثبت کفره وانه إمام مجتهد[36] .

إلي مناصرات ومدافعات عن أمثال هؤلاء بشروي تلکم الکلم الفارغة، وأما سيدنا المفدي حبيب الله وحبيب رسوله فلسنا مغاليا إن قلنا: إن الامة کانت مصرة علي مقته، مجتمعة علي قطيعة رحمه وإقصاء ولده إلا القليل ممن وفا لرعاية الحق فيه، فليت القوم أخذوا من بخاريهم وخطيبهم هذه الکلمة المعزوة إلي أمير المؤمينن: «ماأنا إلا رجل من المسلمين»- وإن کانت مختلقة- وأجروا عليه حکمها. لکن. لکن...

ثم کيف تعزي إليه سلام الله عليه هذه المفاضله وقد جاء عن النبي الاقدس قوله لفاطمة الصديقة: زوجتک خير امتي، أعلمهم علما، وأفضلهم حلما، وأولهم سلما؟ مرفي ج 95:3 ط 2.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم علي خير من أترکه بعدي.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم: خير رجالکم علي بن ابي طالب، وخير نسائکم فاطمة بنت محمد.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم: علي خير البشرفمن أبي فقد کفر.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم: من لم يقل علي خيرالناس فقد کفر.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم: لفاطمة سلام عليها: إن الله إطلع علي أهل الارض فاختار منه أباک فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلک.

وقوله لها: إن الله اختار من أهل الارض رجلين أحدهماأبوک والآخر زوجک[37] .

وليت شعري کيف تصح عنه هذه المفاضلة وقد اتخذه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم له نفسا کما جاء في الذکر الحکيم، وطهره الجليل بآية التطهير، وقرن بين ولايته وولاية رسوله وبين ولاية علي في نص الکتاب الکريم، وأنزله صلي الله عليه واله وسلم من نفسه منزلة هارون من موسي، ولم يستثن لنفسه إلا النبوة، واتخذه صلي الله عليه واله وسلم أخا لنفسه يوم المؤاخاة المبتنية علي أساس المشاکلة في الملکات والنفسيات، فکيف تتم هذه کلها وفي

[صفحه 395]

الامة من هو أولي منه؟

ولست أدري کيف کان علي اميرالمؤمنين أحب الخلق إلي الله وإلي رسوله صلي الله عليه واله وسلم وفي الامة من هو خيرمنه، وقد صح عنه صلي الله عليه واله وسلم قوله في حديث الطير المشوي الآتي ذکره إنشاءالله. اللهم ائتني بأحب خلقک إليک ليأکل معي. فأتاه علي عليه السلام.

وقوله صلي الله عليه واله وسلم لعائشه: إن عليا أحب الرجال إلي وأکرمهم علي فاعرفي له حقه واکرمي مثواه.

وقوله: أحب الناس إلي من الرجال علي.

وقوله: علي أحبهم إلي وأحبهم إلي الله.

ولاتنس ها هنا قول عايشة: والله ما رأيت أحدا أحب إلي رسول الله من علي. ولا قول بريدة وابي: أحب ا لناس إلي رسول الله صلي الله عليه واله وسلم من النساء فاطمة ومن الرجال علي[38] .

ثم مابال الصديقة فاطمة تموت وهي واجدة علي أبي بکر وعمر وهما خيرا البشر؟ مابالها وندائها بعد في آذان الامة المرحومة وهي باکية لاذت بقبر أبيها و تقول: يا أبت يارسول الله! ماذا لقينا بعدک من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟

ما بالها وقولها للخيرين: إني ا شهدالله وملائکته إنکما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لاشکونکما إليه؟ وحديث أنينها بعد دائر سائر بين حملة التاريخ.

ما بالها وهي توصي بأن تدفن ليلا ولا يصلي عليها أبوبکر، ولا يحضر الخيران تجهيزها وتشييعها؟ وهذا النبأ العظيم بعد يدور في أندية الرجال.[39] .

نعم: السر في ذلک کله أن الصديقة کابن عمها أميرالمؤمنين لاتعرف شيئا من. قول الزور، ولعل الواقف علي الجزء السادس والسابع من هذا الکتاب يطل علي کون الرجلين خير البشر بأقرب من هذا.

ونحن علي يقين من أن الباحث النابه الحر بعد الوقوف علي ما في غضون الاجزاء

[صفحه 396]

الخمسة الاخيرة من العشرة الاولي من أجزاء کتابنا هذا لايبقي له قط ريب في أن رواة هذه الاساطير المختلقة والقائلين بمغزاها والمخبتين اليها صما وعميا ناهم الغلاة في الفضائل حقا، فقد جاءوا ظلما وزورا وإن فريقا منهم ليکتمون الحق وهم يعلمون فبدل الذين ظلمواقولا غيرالذي قيل لهم، فمن أظلم ممن کذب علي الله وکذب بالصدق إذ جاءه فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

انتهي الجزء التاسع

من کتاب «الغدير» ويتلوه العاشر إن شاءالله

يبدا فيه ببقية مناقب الخلفاء الثلاثة



صفحه 379، 380، 381، 382، 383، 384، 385، 386، 387، 388، 389، 390، 391، 392، 393، 394، 395، 396.





  1. راجع مامر في الجزالسابع ص 141 تا 143 ط 2.
  2. مرت کلمته في ج 152:7. وراجع الرياض النضرة 181:1 کنز العمال 324:6
  3. مرت کلمته في الجزء السابع ص 141 ط 2.
  4. راجع الجزء السابع ص 81 تا 85.
  5. العقد الفريد 286:2.
  6. شرح ابن أبي الحديد 102:1.
  7. تاريخ الطبري 171:5.
  8. کذا وصفوه وأنت تعرف صدق وصفه من حديثه.
  9. لسان الميزان 287:5.
  10. عبد ربه بن نافع السکناني، ثقة ليس بالقوي يهم في حديثه ويخطئ.
  11. إقرأ واحکم.
  12. سورة الحجرات: 6.
  13. راجع الجزء السابع ص 156 و 157 و 158 و 168 ط 2.
  14. راجع ج 7 ص 195 ط 2.
  15. راجع ج 7 ص 77.
  16. راجع ج 7 ص 192 ط 2.
  17. راجع ج 7 ص 231 تا 235 ط 2.
  18. راجع ج 7 ص 20.
  19. راجع ج 7 ص 235 ط 2.
  20. راجع الجزء السابع ص 78.
  21. راجع ما مر في الجزء الثامن ص 250 و 251 و 305 ط 2
  22. الانساب 94:5.
  23. راجع ما مضي في الجزء الثاني ص 57، وج 22:3 و 24 ط 2.
  24. طبقات ابن سعد 79:5.
  25. الامامة والسياسة 12:1.
  26. راجع الجزء السابع ص 91 ط 2.
  27. الصواعق لابن حجر ص 33.
  28. البيان والتبيين للجاحظ 85:2.
  29. مرالحديث باسناد صحيح في هذا الجزء صفحة 325.
  30. تاريخ الطبري 230:8، حلية الاولياء 207:3، الکامل للمبرد 157:2، العقد الفريد 286:3، الکامل لابن الاثير 78:5، تاريخ ابن خلکان 350:1، تهذيب التهذيب 358:8، شذرات الذهب 148:1.
  31. لسان الميزان 210:4.
  32. راجع مامضي في الجزء الثامن ص 251 ط 2.
  33. راجع ما أسلفناه في الجزء الاول ص 323 ط 2.
  34. الصابة 179:3.
  35. الفصل لا بن حزم 89:4، تاريخ ابن کثير 279:7.
  36. تاريخ اين کثير 223:8 ج 9:13.
  37. راجع ما مر في ج 20 تا 23 ط 2.
  38. راجع مامرفي ج 21:3 تا 23 ط 2.
  39. راجع مامر في ج 227:7.