تجهيز الخليفة عثمان ودفنه











تجهيز الخليفة عثمان ودفنه



أخرج الطبري من طريق أبي بشير العابدي قال: نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن، ثم أن حکيم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبدالعزي، وجبير ابن مطعم کلما عليا في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لاهله في ذلک، ففعل وأذن لهم علي، فلما سمع بذلک قعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له: حش کوکب[1] کانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلما خرج به علي الناس رجموا سريره وهموا بطرحه، فبلغ ذلک عليا، فأرسل إليهم يعزم

[صفحه 209]

عليهم ليکفن عنه، ففعلوا فانطلق به حتي دفن رضي الله عنه في حش کوکب، فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان علي الناس أمر بهدم ذلک الحائط حتي أفضي به إلي البقيع، فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتي اتصل ذلک بمقابر المسلمين.

ومن طريق أبي کرب وکان عاملا علي بيت مال عثمان قال: دفن عثمان رضي الله عنه بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحکم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه، وأخذ الناس الحجارة وقالوا: نعثل نعثل، وکادت ترجم، فقالوا: الحائط الحائط، فدفن في حائط خارجا.

ومن طريق عبدالله بن ساعدة قال: لبث عثمان بعد ما قاتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ثم حمله أربعة: حکيم بن حزام، وجبير بن مطعم، ونيار بن مکرم، وأبوجهم ابن حذيفة. فلما وضع ليصلي عليه جاء نفر من الصحابة يمنعونهم الصلاة عليه فيهم: أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، وأبوحية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع فقال أبوجهم: ادفنوه فقد صلي الله عليه وملائکته، فقالوا: لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا، فدفنوه في حش کوکب، فلما ملکت بنو أمية أدخلوا ذلک الحش في البقيع، فهو اليوم مقبرة بني أمية.

ومن طريق عبدالله بن موسي المخزومي قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه أرادوا حز رأسه فوقعت عليه نائلة وأم البنين فمنعهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثيابهن، فقال ابن عديس: اترکوه، فأخرج عثمان ولم يغسل إلي البقيع، وأرادوا أن يصلوا عليه في موضع الجنائز فأيت الانصار، وأقبل عمير بن ضابئ وعثمان موضوع علي باب فنزا عليه فکسر ضلعا من أضلاعه وقال: سجنت ضابئا حتي مات في السجن.

وأخرج ابن سعد والطبري من طريق مالک بن أبي عامر قال: کنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قتل، حملناه علي باب وان رأسه لتقرع الباب لاسراعنا به، وإن بنا من الخوف لامرا عظيما حتي واريناه في قبره في حش کوکب.

وأخرج البلاذري من رواية أبي مخنف: ان عثمان رضي الله عنه قتل يوم الجمعة فترک في داره قتيلا، فجاء جبيربن مطعم، وعبدالرحمن بن أبي بکر، ومسور بن مخرمة الزهري، وأبوالجهم بن حذيفة العدوي ليصلوا عليه ويجنوه، فجاء رجال من الانصار

[صفحه 210]

فقالوا: لاندعکم تصلون عليه، فقال أبوالجهم: ألا تدعونا نصلي عليه؟ فقد صلت عليه الملائکة، فقال الحجاج بن غزية: إن کنت کاذب فأدخلک الله مدخله، قال: نعم حشرني الله معه، قال ابن غزية: إن الله حاشرک معه ومع الشيطان، والله إن ترک إلحاقک، به لخطأ وعجز. فسکت أبوالجهم، ثم إن القوم اغفلوا أمر عثمان وشغلوا عنه، فعاد هؤلاء النفر فصلوا عليه ودفنوه، وأمهم جبير بن مطعم وحملت أم البنين بنت عيينة بن حصن امرأة عثمان لهم السراج، وحمل علي باب صغير من جريد قد خرجت عنه رجلاه وأخرج حديث منع الصلاة عليه أبوعمر في «الاستيعاب» من طريق هشام بن عروة عن أبيه.

وقال: إنه لقيهم قوم من الانصار فقاتلوهم حتي طرحوه، ثم توطأ عمير بن ضابئ بن الحارث بن ارطاة التميمي ثم البرجمي بطنه، وجعل يقول: ما رأيت کافرا ألين بطنا منه، وکان أشد الناس علي عثمان، فکان يقول يومئذ: أرني ضابئا، أحي لي ضابئا ليري ما عليه عثمان من الحال. وقال ابن قتيبة في الشعر والشعراء ص 128: جاء عمير بن ضابئ حتي رفسه برجله.

قال البلاذري: ودفن عثمان في حش کوکب وهو نخل لرجل قديم يقال له: کوکب، ثم أقبل الناس حين دفن إلي علي فبايعوه وأرادوا دفن عثمان بالبقيع فمنعهم من ذلک قوم فيهم أسلم بن بجرة الساعدي، ويقال: جبلة بن عمرو الساعدي، وقال ابن دأب: صلي عليه مسور بن مخرمة.

وقال المدائني عن الوقاضي عن الزهري: امتنعوا من دفن عثمان فوقفت أم حبيبة بباب المسجد ثم قالت: لتخلن بيننا وبين دفن هذا الرجل أولا کشفن ستر رسول الله فخلوا بينهم وبين دفنه.

وأخرج من طريق أبي الزناد قال: خرجت نائلة امرأة عثمان ليلة دفن ومعها سراج وقد شقت جيبها وهي تصيح: واعثماناه، وأمير المؤمنيناه، فقال لها جبير بن مطعم: اطفئي السراج فقد ترين من الباب، فأطفأت السراج وانتهوا إلي البقيع، فصلي عليه جبير وخلفه حکيم بن حزام، وأبوجهم، ونيار بن مکرم، ونائلة وأم البنين امرأتاه ونزل في حفرته نيارو أبوجهم وجبير، وکان حکيم والامر أتان يدلونه علي الرجال

[صفحه 211]

حتي قبر وبني عليه وغموا قبره وتفرقوا. وفي لفظ أبي عمر: فلما دفنوه غيبوا قبره، وذکره السمهودي في وفاء الوفاء 99:2 من طريق ابن شبة عن الزهري.

وأخرج ابن الجوزي والمحب الطبري والهيثمي من طريق عبدالله بن فروخ قال: شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه ولم يغسل. وقال المحب: خرجه البخاري والبغوي في معجمه. وذکر ابن الاثير في «الکامل» وابن أبي الحديد في الشرح انه لم يغسل وکفن في ثيابه.

وأخرج أبوعمر في «الاستيعاب» من طريق مالک قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه ألقي علي المزبلة ثلاثة أيام فلما کان من الليل أتاه اثنا عشر رجلا[2] فيهم حويطب ابن عبدالعزي، وحکيم بن حزام، وعبدالله بن الزبير فاحتملوه فلما صاروا به إلي المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن: والله لئن دفنتموه ههنا لنخبرن الناس غدا. فاحتملوه وکان علي باب وان رأسه علي الباب ليقول: طق طق، حتي صاروا به إلي حش کوکب فاحتفروا له وکانت عائشة بنت عثمان رضي الله عنهما معها مصباح في جرة، فلما أخرجوه ليدفنوه صاحب فقال لها ابن الزبير: والله لئن لم تسکتي لاضربن الذي في عيناک. فسکتت فدفن.

وذکره المحب الطبري في «الرياض» نقلا عن القلعي، وذکر عن الخجندي انه أقام في حش کوکب ثلاثا مطروحا لا يصلي عليه.

وذکر الصفدي في تمام المتون ص 79 عن مالک ان عثمان ألقي علي المزبلة ثلاثة أيام.

وقال اليعقوبي: أقام ثلاثا لم يدفن وحضر دفنه حکيم، وجبير، وحويطب، و عمرو بن عثمان ابنه، ودفن ليلا في موضع يعرف بحش کوکب، وصلي عليه هؤلاء الاربعة وقيل: لم يصل عليه، وقيل: أحد الاربعة صلي عليه، فدفن بغير صلاة.

وقال ابن قتيبة: ذکروا أن عبدالرحمن بن الازهر قال: لم أکن دخلت في شئ من أمر عثمان لا عليه ولاله، فاني مجالس بفناء داري ليلا بعد ما قتل عثمان بليلة إذ

[صفحه 212]

جاءني المنذر بن الزبير فقال إن أخي يدعوک فقمت إليه فقال لي: إنا أردنا أن ندفن عثمان فهل لک قلت: والله ما دخلت في شئ من شأنه وما أريد ذلک، فانصرفت عنه ثم إتبعته، فإذا هو في نفرفيهم جبير بن مطعم، وأبوالجهم، والمسور، وعبدالرحمن بن أبي بکر، وعبدالله بن الزبير فاحتملوه علي باب وان رأسه ليقول: طق طق، فوضعوه في موضع الجنائز فقام إليهم رجال من الانصار فقالوا لهم: لا والله لا تصلون عليه، فقال أبوالجهم: ألا تدعون نصلي عليه فقد صلي الله تعالي عليه وملائکته. فقال له رجل منهم: إن کنت کاذبا فأدخلک الله مدخله، فقال له: حشرني الله معه فقال له: إن الله حاشرک مع الشياطين، والله إن ترکناکم به لعجز منا. فقال القوم لابي الجهم: اسکت عنهم وکف فسکت، فاحتملوه ثم انطلقوا مسرعين کأني اسمع وقع رأسه علي اللوح حتي وضعوه في أدني البقيع فأتاهم جبلة بن عمرو الساعدي من الانصار فقال: لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله ولا نترککم تصلون عليه، فقال أبوالجهم: انطلقوا بنا إن لم نصل عليه فقد صلي الله عليه، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في حق حتي إذا أتوا به جسر[3] کوکب حفروا له حفرة ثم قاموا يصلون عليه وأمهم جبير بن مطعم، ثم دلوه في حفرته فلما رأته ابنته صاحت فقال ابن الزبير: والله لئن لم تسکتي لاضربن الذي في عينيک فدفنوه، ولم يلحدوه بلبن وحثوا عليه التراب حثوا.

وقال ياقوت الحموي: لما قتل عثمان ألقي في حش کوکب ثم دفن في جنبه.

وذکرابن کثير بعض ما أسلفناه نقلا عن البلاذري فقال: ثم أخرجوا بعبدي عثمان اللذين قتلا في الدار وهما: صبيح ونجيح رضي الله عنهما فدفنا إلي جانبه بحش کوکب، وقيل: إن الخوارج لم يمکنوا من دفنهما، بل جروهما بأرجلهما حتي ألقوهما بالبلاط[4] فأکلتهما الکلاب، وقد اعتني معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان، ورفع الجدار بينه وبين البقيع وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله.

وذکر الحلبي في السيرة عن ابن ماجشون عن مالک: ان عثمان بعد قتله ألقي

[صفحه 213]

علي المزبلة ثلاثة أيام، وقيل، أغلق عليه بابه بعد قتله ثلاثة أيام، لا يستطيع أحد أن يدفنه (إلي آخر ما مر من حديث مالک) ولما دفنوه عفواقبره خوفا عليه أن ينبش، وأما غلاماه اللذان قتلا معه فجروهما برجليها وألقوهما علي التلال فأکلتهما الکلاب.

وذکر ابن أبي الحديد وابن الاثير والدميري انه أقام ثلاثة أيام لم يدفن ولم يصل عليه، وقيل لم يغسل ولم يکفن، وقيل: صلي عليه جبير بن مطعم ودفن ليلا.

وذکر السمهودي في وفاء الوفا عن عثمان بن محمد الاخنسي عن أم حکيمة قالت: کنت مع الاربعة الذين دفنوا عثمان بن عفان: جبير، حکيم، أبوجهم، نيار الاسلمي وحملوه علي باب اسمع قرع رأسه علي الباب کأنه دباة ويقول: دب دب حتي جاؤا به حش کوکب فدفن به ثم هدم عليه الجدار وصلي عليه هناک.

طبقات ابن سعد 55:3: انساب البلاذري 83 و 86 و 99، الامامة والسياسة 40:1، تاريخ الطبري 143:5 و 144، تاريخ اليعقوبي 153:2، الاستيعاب 478:2 و 479 صفة الصفوة 117:1، الکامل لابن الاثير 76:3، الرياض النضرة 131:2 و 132، معجم البلدان 281:3، شرح ابن ابي الحديد 168:1، تاريخ ابن کثير 190:7 و 191، حياة الحيوان للدميري 54:1، وفاء الوفا للمسهودي 99:2، السيرة الحلبية 85:2، تاريخ الخميس 265:2.

وقال الشاعر المفلق أحمد شوقي بک في دول العرب ص 49.


من لقتيل بالسفا[5] مکفن
مرت به ثلاثة لم يدفن


تعرضه نوادبا أرامله
ويشفق النعش ويأبي حامله


قد حيل بين الارض وابن آدما
ونوزعت دار البقاء قادما


قال الاميني: إن هاهنا صحيفة غامضة أقف تجاهها موقف السادر لا تطاوعني النفس علي الرکون إلي أي من شقي الاحتمال الذين يخالجان في الصدر، وذلک ان ما ارتکب من الخليفة في التضييق عليه وقتله بتلکم الصور المشددة، ثم ما نيل منه بعد القتل من المنع عن تجهيزه وتغسيله ودفنه والصلاة عليه والوقيعة فيه بالسباب المقذع وتحقيره برمي جنازته بالحجارة وکسر بعض اضلاعه، يستدعي إما فسق الصحابة أجمع

[صفحه 214]

فانهم کانوا بين مباشر لهاتيک الاحوال، وبين خاذل للمودي به، وبين مؤلب عليه، إلي مثبط عنه، إلي راض بما فعلوا، إلي محبذ لتلکم الاهوال، وکان يرن في مسامعهم قوله تعالي: لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. وقوله تعالي: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فکأنما قتل الناس جميعا. وقوله تعالي: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.

وما جاء في ذلک من السنة أکثر، وما يؤثر عن نبي العظمة صلي الله عليه وآله من وجوب دفن موتي المؤمنين وتغسيلهم وتکفينهم والصلاة عليهم، وان حرمة المؤمن ميتا کحرمته حيا، فالقوم إن کانوا متعمدين في مخالفة هذه النصوص فهم فساق إن لم نقل إنهم مراق عن الدين بخروجهم علي الامام المفترص طاعته.

أو أن هذه الاحوال تستدعي انحراف الخليفة عن الطريقة المثلي؟ وان القوم اعتقدوا بخروجه عن مصاديق تلکم الاوامر والمناهي المؤکدة التي تطابق عليها الکتاب والسنة. وليس من السهل الهين البخوع إلي أي من طرفي الترديد أما الصحابة فکلهم عدول عند القوم يرکن إليهم ويحتج بأقوالهم وأفعالهم ويوثق بايمانهم، وقد کهربتهم صحبة الرسول صلي الله عليه وآله فأخرج درن نفوسهم، وکان في المعمعة منهم بقايا العشرة المبشرة کطلحة والزبير، ولطلحة خاصة فظاظات حول ذلک الجلاد، إلي اناس آخرين من ذوي المآثر نظراء عمار بن ياسر، ومالک الاشتر، وعبدالله بن بديل، وکان بين ظهرانيهم إمام المسلمين أميرالمؤمنين علي عليه السلام وهو المرموق يومئذ للخلافة، وقد انثنت إليه الخناصر، والامة أطوع له من الظل لذيه. أفتراه والحالة هذه سکت عن تلکم الفظايع وهو مطل عليها من کثب وهو أعلم الناس بنواميس الشريعة، وأهداهم إلي طريقها المهيع، وهو يعلم أن من المحظور إرتکابها؟ لا هاالله.

أو أنه عليه السلام أخذ الحياد في ذلک المأزق الحرج وهو مستبيح للحياد أو لما يعملون به أنا لا أدري.

وليس من المستطاع القول بأن معظم الصحابة ما کانوا عالمين بتلکم الوقايع، أو انهم ما کانوا يحسبون ان الامر يبلغ ذلک المبلغ، أو أنهم کانوا غير راضين بهاتيک الاحدوثة، فإن الواقعة ما کانت مباغتة ولا غيلة حتي يعزب عن أحد علمها، فإن

[صفحه 215]

الحواراستدام أکثرمن شهرين، وطيلة هذه المدة لم يکن للمتجمهرين طلبة من الخليفة إلا الاقلاع عن أحداثه، أو التنازل عن عرش الخلافة، وکانوا يهددونه بالقتل إن لم يخضع لاحدي الطلبتين، وکانت نعرات القوم في ذلک تتموج بها الفضاء، وعقيرة عثمان في التوبة تارة وعدم التنازل أخري وتخويفهم بمغبات القتل ثالثة تتسرب في فجوات الجو، فلو کان معظم الصحابة منحازين عن ذلک الرأي لکان في وسعهم تفريق الجمع بالقهر أو الموعظة، لکن بالرغم عما يزعم عليهم لم يؤثر عن أحد منهم ما يثبت ذلک أو يقربه، وما أسلفناه من الاحاديث الجمة النامة عن معتقدات الصحابة في الخليفة وفي التوثب عليه تفند هذه المزعمة الفارغة، إن لم نقل انها تثبت ما يعلمه الکل من الاجماع علي مقت الخليفة والتصافق علي ما نقموا عليه والرضا بما نيل منه، حتي أن أحد الم يروعن انه ساءه نداء قاتله حين طاف بالمدينة ثلاثا قائلا: أنا قاتل نعثل[6] .

وأما ثاني الاحتمالين فمن المستعصب أن يبلغ سوء الظن بالخليفة هذا المدي، وإن کانت الصحابة جزموا بذلک، والشاهد يري ما لا يراه الغايب، وقد أوقفناک علي قول السيدة عائشة: اقتلوا نعثلا قتله الله وقد کفر.

وقولها لمروان: وددت والله انه في غرارة من غرائري هذه واني طوقت حمله حتي ألقيه في البحر.

وقولها لابن عباس: إياک أن ترد الناس عن هذا الطاغية.

وقول عبدالرحمن بن عوف للامام أميرالمؤمنين عليه السلام: إذا شئت فخذ سيفک وآخذ سيفي، انه قد خالف ما أعطاني.

وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادي في ملکه.

وقوله له: لله علي أن لا اکلمک أبدا.

وقول طلحة لمجمع بن جارية لما قال له: أظنکم والله قاتليه: (فإن قتل فلا ملک مقرب ولانبي مرسل).

وقد مر ان طلحة کان أشد الناس علي عثمان في قتله يوم الدار، وقتل دون دمه وقول الزبير: اقتلوه فقد بدل دينکم.

[صفحه 216]

وقوله: إن عثمان لجيفة علي الصراط غدا.

وقول عمار يوم صفين: امضوا معي عبادالله إلي قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاکم علي عبادالله بغير ما في کتاب الله.

وقوله: ما ترکت في نفسي حزة أهم إلي من أن لا نکون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار.

وقوله: أراد أن يغير ديننا فقتلناه.

وقوله: والله إن کان إلا ظالما لنفسه الحاکم بغير ما أنزل الله.

وقوله: إنما قتله الصالحون المنکرون للعدوان الآمرون بالاحسان.

وقول حجر بن عدي وأصحابه: هو أول من جار في الحکم وعمل بغير الحق.

وقول عبدالرحمن العنزي: هو أول من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحق.

وقول هاشم المرقال: إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا و خالف حکم الکتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولي بالنظر في امور المسلمين.

وقول عمرو بن العاص: أنا أبوعبدالله إذا حککت قرحة نکأتها، إن کنت لاحرض عليه حتي إني لاحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.

وقوله له: رکبت بهذه الامة نهابير من الامور فرکبوها منک، وملت بهم فمالوا بک، اعدل أو اعتزل.

وقوله: أنا عبدالله قتلته وأنا بوادي السباع.

وقول سعد بن أبي وقاص: إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، وسمه ابن أبي طالب، وسکت الزبير وأشار بيده، وأمسکنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. إلخ.

وقول جهجاه الغفاري: قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر، ندرعک عباءة، ولنطرحک في الجامعة، ولنحملک علي شارف من الابل ثم نطرحک في جبل الدخان.

وقول مالک الاشتر: إلي الخليفة المبتلي الخاطئ الحائد عن سنة نبيه، النابذ لحکم القرآن وراء ظهره.

وقول عمرو بن زرارة: إن عثمان قد ترک الحق وهو يعرفه. الخ.

وقول الحجاج بن غزية الانصاري: والله لو لم يبق من عمره إلا بين الظهر والعصر

[صفحه 217]

لتقربنا إلي الله بدمه.

وقول قيس بن سعد الانصاري: أول الناس کان فيه «قتل عثمان» قياما عشيرتي ولهم أسوة.

وقول جبلة بن عمرو الانصاري: يانعثل! والله لاقتلنک ولاحملنک علي قلوص جرباء ولاخرجنک إلي حرة النار.

وقوله وقد سئل الکف عن عثمان: والله لا ألقي الله غدا فأقول: إنا أطعنا سادتنا وکبراءنا فأضلونا السبيل.

وقول محمد بن أبي بکر له: علي أي دين أنت يا نعثل غيرت کتاب الله. وقوله له: الآن وقد عصيت قبل وکنت من المفسدين.

وقول الصحابة مجيبين لقوله: لا تقتلوني فانه لا يحل إلا قتل ثلاثة: إنا نجد في کتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعي في الارض فسادا، وقتل من بغي ثم قاتل علي بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دون وکابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه وکابرت عليه. الخ.

وقول عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث من أبيات مرت ج 288:8.


وشبهته کسري وقد کان مثله
شبيها بکسري هديه وضرائبه


إلي کلمات آخرين محکمات وأخر متشابهات، يشبه بعضها بعضا.

إن في هذا المأزق الحرج لابد لنا من رکوب إحدي الصعبتين، والحکم هي الفطرة السليمة مهما دار الامر بين تخطئة إنسان واحد محتف بالاحداث، وبين تضليل آلاف مؤلفة فيهم الائمة والعلماء والحکماء والصالحون وقد ورد في فضلهم ما ورد کما نرتأيه نحن، أو أن کلهم عدول يحتج بأقوالهم وأفعالهم کما يحبسه أهل السنة، وإن کان في البين إجتهاد کما يحسبونه في أمثال المقام فهو في الطرفين، والتحکم بإصابة إنسان واحد وخطأ تلک الامة الکبيرة في اجتهادها، تهور بحت، وتحمل لايصار إليه، وإن حکمت فاحکم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين.

[صفحه 218]



صفحه 209، 210، 211، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 218.





  1. قال ابوعمر في «الاستيعاب» وياقوت في «المعجم» والمحب الطبري في «الرياض»: کوکب رجل من الانصار، والحش: البستان.
  2. احاديث الباب مطلقة علي ان الذين تولوا اجنانه کانوا اربعة. وقال المحب الطبري وقد قيل: ان الذين تولوا تجهيزه کانوا خمسة اوستة. اربعة رجال وامراتان نائلة وام البنين.
  3. کذا في النسخة، والصحيح: حش.
  4. البلاط من الارض: وجهها، او منتهي الصلب منها. وفي لفظ الحلبي کما يأتي: التلال ولعله الصحيح.
  5. السفا: الغبار.
  6. الاستيعاب 478:2.