يوم الدار والقتال فيها











يوم الدار والقتال فيها



أخرج ابن سعد في طبقاته 25:5 ط ليدن من طريق أبي حفصة مولي مروان قال: خرج مروان بن الحکم يومئذ يرتجز ويقول: من يبارز؟ فبرز إليه عروة بن شييم بن البياع الليثي فضربه علي قفاه بالسيف فخر لوجهه فقام إليه عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي بسکين معه ليقطع راسه فقامت إليه امه التي أرضعته وهي فاطمة الثقفية وهي جدة إبراهيم بن العربي صاحب اليمامة فقالت: إن کنت تريد قتله؟ فقد قتله، فما تصنع بلحمه أن تبضعه؟ فاستحي عبيد بن رفاعة منها فترکه.

وروي عن عياش بن عباس قال: حدثني من حضر ابن البياع يومئذ يبارز مروان بن الحکم: فکأني أنظر إلي قبائه قد أدخل طرفيه في منطقته وتحت القباء الدرع، فضرب مروان علي فقاه ضربة فقطع علابي رقبته ووقع لوجهه فأرادوا أن يذففوا عليه فقيل: تبضعون اللحم؟ فترک.

وأخرج البلاذري من طريق خالد بن حرب قال: لجأ بنو أمية يوم قتل عثمان إلي أم حبيبة[1] فجعلت آل العاص وآل أبي العاص وآل أسيد في کندوج[2] وجعلت سائرهم في مکان آخر، ونظر معاوية يوما إلي عمرو بن سعيد يختال في مشيته فقال: بأبي وأمي أم حبيبة، ما کان أعلمها بهذا الحي حين جعلتک في کندوج؟

قال: ومشي الناس إلي عثمان وتسلقوا عليه من دار بني حزم الانصاري، فقاتل دونه ثلاثة من قريش: عبدالله بن وهب بن زمعة بن الاسود[3] عبدالله بن عوف ابن السباق[4] وعبدالله[5] بن عبدالرحمن بن العوام، وکان عبدالله بن عبدالرحمن

[صفحه 199]

ابن العوام يقول: يا عبادالله بيننا وبينکم کتاب الله. فشد عليه عبدالرحمن بن عبدالله الجمحي وهو يقول:


لاضربن اليوم بالقرضاب
بقية الکفار والاحزاب


ضرب امرئ ليس بذي ارتياب
أأنت تدعونا إلي الکتاب


نبذته في سائر الاحقاب

فقتله، وشد جماعة من الناس علي عبدالله بن وهب بن زمعة، وعبدالله بن عوف ابن السباق، فقتلوهما في جانب الدار.

جاء مالک الاشتر حتي انتهي إلي عثمان فلم ير عنده أحدا فرجع فقال له مسلم بن کريب القابضي من همدان: أيا أشتر دعوتنا إلي قتل رجل فأجبناک حتي إذا نظرت اليه نکصت عنه علي عقبيک. فقال له الاشتر: لله أبوک أما تراه ليس له مانع ولاعنه وازع فلما ذهب لينصرف قال ناتل مولي عثمان: واثکلاه هذا والله الاشتر الذي سعر البلاد کلها علي أميرالمؤمنين، قتلني الله إن لم أقتله. فشد في أثره فصاح به عمرو بن عبيد الحارثي من همدان: وراءک الرجل يا أشتر فالتفت الاشتر إلي ناتل فضربه بالسيف فأطار يده اليسري ونادي الاشتر: يا عمرو بن عبيد إليک الرجل فاتبع عمرو ناتلا فقتله.

وقال مروان في يوم الدار:


وما قلت يوم الدار للقوم: حاجزوا
رويدا ولا اختاروا الحياة علي القتل


ولکنني قد قلت للقوم: قاتلوا
بأسيافکم لا يوصلن إلي الکهل


وفي رواية أبي مخنف: تهيأ مروان وعدة معه للقتال فنهاهم عثمان فلم يقبلوا منه وحملوا علي من دخل الدار فأخرجوهم. ورمي عثمان بالحجارة من دار بني حزم بن زيد الانصاري ونادوا: لسنا نرميک، ألله يرميک، فقال: لو رماني الله لم يخطأني، و شد المغيرة بن الاخنس بالسيف وهو يقول:


قد علمت جارية عطبول
لها وشاح ولها جديل


أني لمن حاربت ذو تنکيل

فشد عليه رفاعة بن رافع وهو يقول:


قد علمت خود صحوب للذيل
ترخي قرونا مثل أذناب الخيل

[صفحه 200]

أن لقرني في الوغي مني الويل

فضربه علي رأسه بالسيف فقتله. ويقال: بل قتله رجل من عرض الناس، وخرج مروان بن الحکم وهو يقول:


قد علمت ذات القرون الميل
والکف والانامل الطفول


أني أروع أول الرعيل

ثم ضرب عن يمينه وشماله فحمل عليه الحجاج بن غزية وهو يقول:


قد علمت بيضاء حسناء الطلل
واضحة الليتين قعساء الکفل


أني غداة الروع مقدام بطل

فضربه علي عنقه بالسيف فلم يقطع سيفه وخر مروان لوجهه وجاءت فاطمة بنت شريک الانصارية من بلي- وهي ام ابراهيم بن عربي الکناني الذي کان عبدالملک ابن مروان ولاه اليمامة وهي التي کانت ربت مروان- فقامت علي رأسه ثم أمرت به فحمل، وادخل بيتا فيه کنه[6] وشد عامر بن بکير الکناني وهو بدري علي سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن امية فضربه بالسيف علي رأسه، وقامت نائلة بنت الفرافصة علي رأسه ثم احتملته فأدخلته بيتا وأغلقت بابه[7] .

وفي رواية الطبري من طريق أبي حفصة مولي مروان: لما حصر عثمان رضي الله عنه شمرت معه بنو أمية، ودخل معه مروان الدار فکنت معه في الدار، فأنا والله أنشبت القتال بين الناس رميت من فوق الدار رجلا من سلم فقتلته وهو نيار الاسلمي فنشب القتال، ثم نزلت فاقتتل الناس علي الباب، فأرسلوا إلي عثمان أن أمکنا من قاتله قال: والله ما أعرف له قاتلا فباتوا ينحرفون علينا ليلة الجمعة بمثل النيران، فلما أصبحوا غدوافأول من طلع علينا کنانة بن عتاب في يده شعلة من نار علي ظهر سطوحنا قد فتح له من دار آل حزم، ثم دخلت الشعل علي اثره تنضح بالنفط فقاتلناهم ساعة علي الخشب وقد اضطرم الخشب، فأسمع عثمان يقول لاصحابه: ما بعد الحريق شئ قد احترق الخشب واحترقت الابواب ومن کانت لي عليه طاعة فليمسک داره، ثم قال لمروان:

[صفحه 201]

اجلس فلا تخرج. فعصاه مروان فقال: والله لاتقتل ولا يخلص إليک وأنا أسمع الصوت ثم خرج إلي الناس فقلت: ما لمولاي مترک. فخرجت معه أذب عنه ونحن قليل فأسمع مروان يقول:


قد علمت ذات القرون الميل
والکف والانامل الطفول


أني أروع أول الرعيل
بفاره مثل قطا الشليل


وقال أبوبکر بن الحارث: کأني أنظر إلي عبدالرحمن بن عديس البلوي وهو مسند ظهره إلي مسجد نبي الله صلي الله عليه وسلم وعثمان محصور فخرج مروان فقال: من يبارز فقال عبدالرحمن بن عديس لفلان بن عروة[8] قم إلي هذا الرجل. فقام إليه غلام شاب طوال فأخذ رفيف الدرع فغرزه في منطقته فأعور له عن ساقه فأهوي له مروان وضربه ابن عروة علي عنقه، فکأني أنظر إليه حين استدار وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليدفف عليه (إلي آخر ما مر عن ابن سعد).

ومن طريق حسين بن عيسي عن أبيه قال: لما مضت أيام التشريق أطافوا بدار عثمان رضي الله عنه، وأبي إلا الاقامة علي أمره، وأرسل إلي حشمه وخاصته فجمعهم فقام رجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم يقال له: نيار بن عياض وکان شيخا کبيرا فنادي: يا عثمان فأشرف عليه من أعلي داره فناشده الله وذکره الله لما اعتزلهم، فبينا هو يراجعه الکلام إذا رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم، وزعموا أن الذي رماه کثير بن الصلت الکندي، فقالوا لعثمان عند ذلک: إدفع الينا قاتل نيار بن عياض فلنقتله به. فقال: لم أکن لاقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي، فلما رأوا ذلک ثاروا إلي بابه فاحرقوه، وخرج عليهم مروان بن الحکم من دار عثمان في عصابة، وخرج سعيد بن العاص في عصابة، وخرج المغيرة بن الاخنس الثقفي في عصابة، قاقتتلوا قتالا شديدا، وکان الذي حداهم علي القتال انه بلغهم ان مددا من أهل البصرة قد نزلوا صرارا وهي من المدينة علي ليلة، وأن أهل الشام قد توجهوا مقبلين فقاتلوهم قتالا شديدا علي باب الدار فحمل المغيرة بن الاخنس الثقفي علي القوم وهو يقول مرتجزا:

[صفحه 202]

قد علمت جارية عطبول
لها وشاح ولها حجول


أني بنصل السيف خنشليل

فحمل عليه عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو يقول:


إن تک بالسيف کما تقول
فاثبت لقرن ماجد يصول


بمشرفي حده مصقول

فضربه عبدالله فقتله، وحمل رفاعة بن رافع الانصاري ثم الزرقي علي مروان ابن الحکم فضربه فصرعه فنزع عنه وهو يري انه قد قتله، وجرح عبدالله بن الزبير جراحات وانهزم القوم حتي لجأوا إلي القصر فاعتصموا ببابه فاقتلوا عليه قتالا شديدا فقتل في المعرکة علي الباب زياد بن نعيم الفهري[9] في ناس من أصحاب عثمان فلم يزل الناس يقتتلون حتي فتح عمرو بن حزم الانصاري باب داره وهو إلي جنب دار عثمان بن عفان ثم نادي الناس، فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار حتي انهزموا وخلي لهم عن باب الدار فخرجوا هرابا في طريق المدينة، وبقي عثمان في أناس من اهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضي الله عنه[10] .

وفر خالد بن عقبة بن أبي معيط أخو الوليد يوم الدار، وإليه أشار عبدالرحمن ابن سيحان[11] بقوله:


يلومونني إن جلت في الدار حاسرا
وقد مر منها خالد وهو دارع[12] .


فإن کان نادي دعوة فسمعتها
فشلت يدي واستک مني المسامع


فقال خالد:


لعمري لقد أبصرتهم فترکتهم
بعينک إذ ممشاک في الدار واسع[13] .


وقال أبوعمر: قتل المغيرة بن الاخنس يوم الدار مع عثمان رحمه الله وله يوم

[صفحه 203]

الدار أخبار کثيرة، ومنها: انه قال لعثمان حين أحرقوا بابه: والله لا قال الناس عنا إنا خذلناک وخرج بسيفه وهو يقول:


لما تهدمت الابواب واحترقت
يممت منهن بابا غير محترق


حقا أقول لعبدالله آمره
إن لم تقاتل لدي عثمان فانطلق


والله لا أترکه ما دام بي رمق
حتي يزايل بين الراس والعنق


هو الامام فلست اليوم خاذله
إن الفرار علي اليوم کالسرق


وحمل علي الناس فضربه رجل علي ساقه فقطعها ثم قتله. فقال رجل من بني زهرة لطلحة بن عبيدالله: قتل المغيرة بن الاخنس فقال: قتل سيد حلفاء قريش. راجع «الاستيعاب» ترجمة المغيرة.

وقال ابن کثير في تاريخه 188:7: ومن أعيان من قتل من أصحاب عثمان زياد ابن نعيم الفهري، والمغيرة بن الاخنس بن شريق، ونيار بن عبدالله الاسلمي، في أناس وقت المعرکة.

قال الاميني: لقد حدتني إلي سرد هذه الاحاديث الدلالة بها منضمة إلي ما سبقها من الاخبار علي أنه لم يکن مع عثمان من يدافع عنه غير الامويين ومواليهم وحثالة ممن کان ينسج علي نولهم تجاه هياج المهاجرين والانصار فقتل من اولئک من قتل، وضم إليه کندوج ام حبيبة آخرين، وتفرق شذاذ منهم هاربين في أزقة المدينة، فلم يبق إلا الرجل نفسه وأهله حتي انتهت إليه نوبة القتل من دون أي مدافع عنه، فتحفظ علي هذا فإنه سوف ينفعک فيما يأتي من البحث عن سلسلة الموضوعات.

(لفت نظر) عد نيار بن عبدالله بن أصحاب عثمان کما فعله ابن کثير غلط فاحش دعاه إليه حبه إکثار عدد المدافعين عن الخليفة المقتولين دونه، وقد عرفت) لفت نظر (عد نيار بن عبدالله من أصحاب عثمان کما فعله ابن کثير غلط فاحش دعاه إليه حبه إکثار عدد المدافعين عن الخليفة المقتولين دونه، وقد عرفت ان کان شيخا کبيرا حضر ذلک الموقف للنصيحة والموعظة الحسنة لعثمان فقتله مولي مروان بسهم، فشب به القتال، وطولب عثمان بقاتله ليقتص منه وامتنع عن دفعه فهاج بذلک غضب الانصار عليه.

[صفحه 204]



صفحه 199، 200، 201، 202، 203، 204.





  1. زوجة رسول الله صلي الله عليه وآله.
  2. کندوج: شبه المخزن في البيت.
  3. قال ابن الاثير في اسد الغابة 273:3، قتل يوم الجمل أو يوم الدار وقال ابن حجر في الاصابة 381:2: قتل يوم الدار.
  4. هو عبدالله بن أبي مرة «أبي ميسرة «العبدري قتل مع عثمان کما في الاستيعاب 3:2، و الاصابة 367:2.
  5. ذکر أبوعمر في الاستيعاب وابن الاثير في اسد الغابة في ترجمة عبدالرحمن، وابن حجر في الاصابة 415:2: انه ممن قتل يوم الدار.
  6. کنة بالضم: جناح يخرج من الحائط. والسقيفة تشرع فوق باب الدار: وقيل: هو مخدع أورف يشرع في البيت.
  7. الانساب 78:5 تا 81.
  8. لعل الصحيح: عروة بن شييم البياع الليثي کما جاء في رواية الطبري في تاريخه 133:5 ومر في ص 198 من رواية ابن سعد في طبقاته.
  9. عده من قتلي يوم الدار ابوعمر في الاستيعاب وابن حجر في الاصابة.
  10. تاريخ الطبري 122:5 تا 125، الکامل لابن الاثير 73:3 و 74.
  11. کذا في الانساب وفي الاستيعاب والاصابة: أزهر بن سحبان.
  12. في الانساب للبلاذري:

    يلومونني في الدار إن غبت عنهم
    وقد فر عنهم خالد وهو دارع

  13. الانساب 117:5، الاستيعاب 155:1، الاصابة 103:1 و 410.