تسيير عثمان صلحاء الكوفة إلي الشام











تسيير عثمان صلحاء الکوفة إلي الشام



روي البلاذري عن عباس بن هشام بن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قال: لما

[صفحه 31]

عزل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة عن الکوفة ولاها سعيد بن العاص وأمره بمداراة أهلها، فکان يجالس قراءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم: مالک بن الحارث الاشتر النخعي، وزيد وصعصعة إبنا صوحان العبديان، وحرقوص بن زهير السعدي، وجندب بن زهير الازدي، وشريح بن أوفي بن يزيد بن زاهر العبسي، وکعب ابن عبدة النهدي، وکان يقال لعبدة بن سعدبن ذوالحبکة-، وکان کعب ناسکا وهو الذي قتله بسر بن أرطاة بتثليث- وعدي بن حاتم الجواد الطائي ويکني أباطريف، وکدام بن حضري بن عامر، ومالک بن حبيب بن خراش، وقيس بن عطارد بن حاجب، وزياد بن خصفة بن ثقف، ويزيد بن قيس الارحبي، وغيرهم فانهم لعنده وقد صلوا العصر إذ تذاکروا السواد والجبل ففضلوا السواد وقالوا: هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النخل، وکان حسان بن محدوج الذهلي الذي إبتدأ الکلام في ذلک فقال عبدالرحمن بن خنيس الاسدي صاحب شرطة: لوددت أنه للامير وان لکم أفضل منه. فقال له الاشتر: تمن للامير أفضل منه ولا تمن له أموالنا. فقال عبدالرحمن: ما يضرک من تمني حتي تزوي ما بين عينيک فوالله لو شاء کان له. فقال الاشتر: والله لو رام ذلک ما قدر عليه. فغضب سعيد وقال: إنما السواد بستان لقريش. فقال الاشتر: أتجعل مراکز رماحنا وما أفاء الله علينا بستانا لک ولقومک؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه. ووثب بابن خنيس فأخذته الايدي.

فکتب سعيد بن العاص بذلک إلي عثمان وقال: إني لا أملک من الکوفة مع الاشتر وأصحابه الذين يدعون القراء وهم السفهاء شيئا. فکتب إليه أن سيرهم إلي الشام. وکتب إلي الاشتر: إني لاراک تضمر شيئا لو أظهرته لحل دمک وما أظنک منتهيا حتي يصيبک قارعة لابقيا بعدها، فإذا أتاک کتابي هذا فسر إلي الشام لافسادک من قبلک وإنک لا تألوهم خبالا. فسير سعيد الاشتر ومن کان وثب مع الاشتر وهم: زيد و صعصعة إبنا صوحان، وعائذ من حملة الطهوي من بني تميم، وکميل بن زياد النخعي، وجندب بن زهير الازدي، والحارث بن عبدالله الاعور الهمداني، ويزيد بن المکفف النخعي، وثابت بن قيس بن المنقع النخعي،وأصعر[1] بن قيس بن الحارث الحارثي

[صفحه 32]

فخرج المسيرون من قراء أهل الکوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بن زرارة فبرهم معاوية وأکرمهم، ثم انه جري بينه وبين الاشتر قول حتي تغالظا فحبسه معاوية فقام عمرو بن زرارة فقال: لئن حبسته لتجدن من يمنعه. فأمر بحبس عمرو فتکلم سائر القوم فقالوا: أحسن جوارنا يا معاوية ثم سکتوا فقال معاوية: مالکم لا تکلمون فقال زيد بن صوحان: وما نصنع بالکلام؟ لئن کنا ظالمين فنحن نتوب إلي الله، وإن کنا مظلومين فانا نسأل الله العافية. فقال معاوية: يا أبا عائشة أنت رجل صدق. وأذن له في اللحاق بالکوفة، وکتب إلي سعد بن العاص: أما بعد: فاني قد أذنت لزيد بن صوحان في المسير إلي منزله بالکوفة لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه فأحسن جواره وکف الاذي عنه وأقبل اليه بوجهک وودک، فانه قد أعطاني موثقا أن لا تري منه مکروها. فشکر زيد معاوية وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل.

وبلغ معاوية أن قوما من أهل دمشق يجالسون الاشتر وأصحابه فکتب إلي عثمان: إنک بعثت إلي قوما أفسدوا مصرهم وأنغلوه، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قبلي و يعلموهم مالا يحسنونه حتي تعود سلامتهم غائلة، واستقامتهم إعوجاجا.

فکتب إلي معاوية يأمره أن يسيرهم إلي حمص، ففعل وکان واليها عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، ويقال: إن عثمان کتب في ردهم إلي الکوفة فضج منهم سعيد ثانية فکتب في تسييرهم إلي حمص فنزلوا الساحل.

الانساب 39:5 و 43.

صورة مفصلة

إن عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الصحابة من تأمير بني أمية ولاسيما الفساق منهم وأرباب السفه وقلة الدين، وإخراج مال الفئ اليهم وما جري في أمرعمار وأبي ذر وعبدالله بن مسعود وغير ذلک من الامور التي جرت في أواخر خلافته، ثم اتفق ان الوليد بن عقبة لما کان عاملا علي الکوفة وشهد عليه بشرب الخمر صرفه، وولي سعيد بن العاص مکانه فقدم سعيد الکوفة واستخلص من أهلها قوما يسمرون عنده فقال سعيد يوما: إن السواد بستان لقريش وبني أمية، فقال الاشتر النخغي: وتزعم ان السواد الذي أفاءه الله علي المسلمين بأسيافنا بستان لک ولقومک؟ فقال صاحب شرطته: أترد علي الامير مقالته؟ وأغلظ له، فقال الاشتر لمن حوله من النخع وغيرهم

[صفحه 33]

من أشراف الکوفة: ألا تسمعون؟ فوثبوا عليه بحضرة سعيد فوطؤه وطأ عنيفا وجروا برجله، فغلظ ذلک علي سعيد وأبعد سماره، فلم يأذن بعد لهم فجعلوا يشتمون سعيدا في مجالسهم ثم تعدوا ذلک إلي شتم عثمان، واجتمع إليهم ناس کثيرا حتي غلظ أمرهم فکتب سعيد إلي عثمان في أمرهم فکتب إليه أن يسيرهم إلي الشام لئلا يفسدوا أهل الکوفة وکتب إلي معاوية وهو والي الشام: إن نفرا من أهل الکوفة قد هموا بإثارة الفتنة وقد سيرتهم، إليک، فانههم فإن آنست منهم رشد افأحسن إليهم وارددهم إلي بلادهم. فلما قدموا علي معاوية، وکانوا: الاشتر، ومالک بن کعب الارحبي، والاسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان العبدي، وغيرهم جمعهم يوما وقال لهم:

إنکم قوم من العرب ذووا أسنان وألسنة وقد أدرکتم بالاسلام شرفا وغلبتم الامم وحويتم مواريثهم، وقد بلغني انکم ذممتم قريشا، ونقمتم علي الولاة منها، ولولا قريش لکنتم أذلة إن أئمتکم لکم جنة فلا تفرقوا عن جنتکم، إن أئمتکم ليصبرون علي الجور ويحتملون فيکم العتاب، والله لتنتهين أوليبتلينکم الله بمن يسومکم الخسف ولا يحمدکم علي الصبر ثم تکون شرکاؤهم فيما جررتم عليه الرعية في حياتکم وبعد وفاتکم.

فقال له صعصعة بن صوحان: أما قريش فإنها لم تکن أکثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية، وإن غيرها من العرب لاکثر منها وأمنع.

فقال معاوية: إنک لخطيب القوم ولا أري لک عقلا وقد عرفتکم الآن، وعلمت أن الذي أغراکم قلة العقول، أعظم عليکم أمر الاسلام فتذکروني الجاهلية، أخزي الله قوما عظموا أمرکم، افقهوا عني ولا أظنکم تفقهون: إن قريشا لم تعز في جاهلية ولا في الاسلام إلا بالله وحده، لم تکن بأکثر العرب ولا أشدها ولکنهم کانوا أکرمهم أحسابا، وأمحضهم أنسابا، وأکملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس تأکل بعضهم بعضا إلابالله، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عربا أو عجما أوسودا أو حمرا؟ إلاوقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم إلا ما کان من قريش، فانه لم يردهم أحد من الناس بکيد إلا جعل الله خده الاسفل حتي أراد الله تعالي أن يستنقذ

[صفحه 34]

من اکرمه باتباع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة، فارتضي لذلک خير خلقه، ثم ارتضي له أصحابا، وکان خيارهم قريشا، ثم بني هذا الملک عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصح الامر إلا بهم، وقد کان الله يحوطهم في الجاهلية وهم علي کفرهم، أفتراه لا يحوطهم وهم علي دينه أف لک ولاصحابک، أما أنت يا صعصعة فان قريتک شر القري، أنتنها نبتا، وأعمقها واديا، وألامها جيرانا، وأعرفها بالشر، لم يسکنها شريف قط، ولا وضيع إلا شب بها نزاع الامم وعبيد فارس، وأنت شر قومک أحين أبرزک الاسلام وخلطک بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجا، وتنزع إلي الغواية إنه لن يضر ذلک قريشا ولايضعهم ولا يمنعهم من تأدية ما عليهم، إن الشيطان عنکم لغير غافل، قد عرفکم بالشر فأغراکم بالناس،وهو صارعکم وإنکم لا تدرکون بالشر أمرا إلا فتح عليکم شر منه وأخزي، قد أذنت لکم فاذهبوا حيث شئتم، لا ينفع الله بکم أحدا ابدا ولا يضره، ولستم برجال منفعة ولا مضرة، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتکم ولا نبطرنکم النعمة، فإن البطر لا يجر خيرا، اذهبوا حيث شئتم، فسأکتب إلي أمير المؤمنين فيکم.

وکتب إلي عثمان: إنه قدم علي قوم ليست لهم عقول ولا أديان، اضجرهم العدل لا يريدون الله بشئ، ولا يتکلمون بحجة، إنما هممهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم وليسوا بالذين نخاف نکايتهم، وليسوا الاکثر ممن له شعب ونکير. ثم أخرجهم من الشام.

وروي الحسن المدائني: انه کان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها المحاورات والمخاطبات بينهم، وإن معاوية قال لهم في جملة ما قاله: إن قريشا قد عرفت ان أباسفيان أکرمها وابن أکرمها إلا ما جعل الله لنبيه صلي الله عليه وآله فانه إنتجبه وأکرمه، ولوان أباسفيان ولد الناس کلهم لکانوا حلماء.

فقال له صعصعة بن صوحان: کذبت، قد ولدهم خير من أبي سفيان، من خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائکة فسجدوا له، فکان فيهم البر والفاجر والکيس والاحمق.

قال: ومن المجالس التي دارت بينهم: إن معاوية قال لهم: أيهاالقوم ردو اخيرا

[صفحه 35]

واسکنوا وتفکروا وانظروا فيما ينفعکم والمسلمين فاطلبوه وأطيعوني.

فقال له صعصعة: لست بأهل لذلک ولاکرامة لک أن تطاع في معصية الله.

فقال: إن أول کلام ابتدأت به أن أمرتکم بتقوي الله وطاعة رسوله وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.

فقال صعصعة: بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبي صلي الله عليه وآله.

فقال: إن کنت فعلت فإني الآن أتوب وآمرکم بتقوي الله وطاعته ولزوم الجماعة وأن توقروا أئمتکم وتطيعوهم.

فقال صعصعة: إذا کنت تبت فإنا نأمرک أن تعتزل أمرک فإن في المسلمين من هو أحق به منک ممن کان أبوه أحسن أثرا في الاسلام من أبيک، وهو أحسن قدما في الاسلام منک.

فقال معاوية: إن لي في الاسلام لقدما وإن کان غيري أحسن قدما مني لکنه ليس في زماني أحد أقوي علي ما أنا فيه مني، ولقد رأي ذلک عمربن الخطاب، فلو کان غيري أقوي مني لم يکن عند عمر هوادة لي ولغيري، ولا حدث ماينبغي له أن أعتزل عملي، ولو رأي ذلک أميرالمؤمنين لکتب إلي فاعتزلت عمله، ولو قضي الله أن يفعل ذلک لرجوت أن لا يعزم له علي ذلک إلا وهو خير، فمهلا فإن في دون ما أنتم فيه، ما يأمر في الشيطان وينهي، ولعمري لو کانت الامور تقضي علي رأيکم وأهوائکم ما استقامت الامور لاهل الاسلام يوما وليلة، فعودوا الخير وقولوه. فقالوا: لست لذلک أهلا. فقال: أما والله إن لله لسطوات ونقمات وإني لخائف عليکم أن تتبايعوا إلي مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن فيحلکم ذلک دار الهوان في العاجل والآجل.

فوثبوا عليه فأخذوا برأسه ولحيته فقال: مه، إن هذه ليست بأرض الکوفة والله لو رأي اهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملکت أن أنهاهم عنکم حتي يقتلوکم فلعمري إن صنيعکم ليشبه بعضه بعضا، ثم قام من عندهم فقال: والله لا أدخل عليکم مدخلا ما بقيت وکتب إلي عثمان:

بسم الله الرحمن الرحيم، لعبدالله عثمان أميرالمؤمنين من معاوية بن أبي سفيان أمابعد: يا أميرالمؤمنين فانک بعثت إلي أقواما يتکلمون بألسنة الشياطين و ما يملون

[صفحه 36]

عليهم ويأتون الناس زعموا من قبل القرآن فيشبهون علي الناس، وليس کل الناس يعلم ما يريدون، وإنما يريدون فرقة، ويقربون فتنة، قد أثقلهم الاسلام وأضجرهم، و تمکنت رقي الشيطان من قلوبهم، فقد أفسدوا کثيرا من الناس ممن کانوا بين ظهرانيهم من أهل الکوفة، ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم و فجورهم فارددهم إلي مصرهم، فلتکن دارهم في مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم. والسلام.

فکتب إليه عثمان يأمره أن يردهم إلي سعيد بن العاص بالکوفة فرد هم إليه فلم يکونوا إلا أطلق ألسنة منهم حين رجعوا، وکتب سعيد إلي عثمان بضج منهم، فکتب عثمان إلي سعيد أن سيرهم إلي عبدالرحمن بن خالد بن الوليد وکان أميرا علي حمص وهم: الاشتر، وثابت بن قيس الهمداني[2] وکميل بن زياد النخعي، وزيد بن صوحان وأخوه صعصعة، وجندب بن زهير الغامدي، وحبيب بن کعب الازدي، وعروة ابن الجعد[3] وعمرو بن الحمق الخزاعي.

وکتب عثمان إلي الاشتر وأصحابه: أما بعد: فاني قد سيرتکم إلي حمص فإذا أتاکم کتابي هذا فاخرجوا إليها فإنکم لستم تألون الاسلام وأهله شرا. والسلام.

فلماقرأ الاشتر الکتاب قال: أللهم أسوأنا نظرا للرعية، وأعملنا فيهم بالمعصية فعجل له النقمة. فکتب بذلک سعيد إلي عثمان، وسار الاشتر وأصحابه إلي حمص فأنزلهم عبدالرحمن بن خالد الساحل وأجري عليهم رزقا.

وروي الواقدي: إن عبدالرحمن بن خالد جمعهم بعد أن أنزلهم أياما وفرض لهم طعاما ثم قال لهم: يا بني الشيطان لا مرحبا بکم ولا أهلا، قد رجع الشيطان محسورا وأنتم بعد في بساط ضلالکم وغيکم، جزي الله عبدالرحمن إن لم يؤذکم، يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم، أتراکم تقولون لي ما قلتم لمعاوية؟ أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن من عجمته العاجمات، أنا ابن فاقئ عين الردة، والله يا ابن صوحان لاطيرن بک طيرة بعيدة المهوي إن بلغني أن أحدا ممن معي دق أنفک فاقتنعت رأسک، قال: فأقاموا عنده شهرا کلما رکب أمشاهم معه ويقول لصعصعة: يا ابن الخطية! إن من لم

[صفحه 37]

يصلحه الخير أصلحه الشر، مالک لاتقول کما کنت تقول لسعيد ومعاوية؟ فيقولون: نتوب إلي الله، أقلنا أقالک الله، فما زال ذاک دأبه ودأبهم حتي قال: تاب الله عليکم. فکتب إلي عثمان يسترضيه عنهم ويسأله فيهم فرد هم إلي الکوفة.

تاريخ الطبري 90 -88:5، الکامل لابن الاثير 60 -57:3، شرح ابن أبي الحديد 160 -158:1 ورأي هذه الصورة أصح ما ذکر في القضية، تاريخ ابن خلدون 983-387:2، تاريخ أبي الفداج 168:1 في حوادث سنة 33.

قال الاميني: کان في عظمة أکثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم عليه وتقواهم المعترف بها مرتدع من أذاهم وإجفالهم عن مستوي عزهم وموطن إقامتهم وتسييرهم من منفي إلي منفي، والاصاخة إلي سعاية ذلک الشاب المستهتر والله سبحانه يقول: إن جاءکم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين[4] وکان علي الخليفة أن يبعث اليه باللا ئمة بل يعاقبه علي ما فرط في جنب أولياء الله بتسميته إياهم السفهاء وهم قراء المصر، وزعماء الملا، ونساک القطر، وفقهاء القارة، وهم القدوة في التقوي والنسک، وبهم الاسوة في الفقه والاخلاق، ولم يکن عليهم إلا عدم التنازل لميول ذلک الغلام الزائف، وعدم مماشاتهم إياه علي شهواته ومزاعمه، وهلا أستشف الخليفة حقيقة ما شجر بينه وبين القوم حتي يحکم فيه بالحق، لکنه بدل أن يتخذ تلکم الطريقة المثلي في القضية استهواه ذلک الشاب المترف فمال اليه بکله، ونال من القوم ما نال، وأوقع بهم ما حبذه له الحب والمعمي والمصم، لکن الدين وملاه أنکرا ذلک عليه وحفظه التاريخ مما نقم به علي عثمان.

کانت لائمة معاوية للقوم مزيجها الملاينة لاعن حلم، وخشونة لا يستمر عليها، کل ذلک لم يکن لنصرة حق أو ابتغاء إصلاح، وإنما کان يکاشفهم جلبا لمرضاة الخليفة، ويوادعهم لما کان يدور في خلده من هوي الخلافة غدا، وکان يعرف القوم بالشدة والمتبوعية، فما کان يروقه قطع خط الرجعة بينه وبينهم متي تسني له الحصول علي غايته المتوخاة، وکانت هذه الخواطر لا تبارحه، ولا يزال هو يعد الدقائق والثواني للتوصل إليها، وکان أحب الاشياء إليه إکتساح العراقيل دونها، ولذلک أطلق سراح

[صفحه 38]

القوم وتثبط عن النهضة لنصرة عثمان لما استنصره (کما سيأتي تفصيله) حتي قتل و معاوية في الخاذلين له.

وأما إبن خالد فقد مجري أبيه في الفظاظة والغلظة، فلم يعاملهم إلا بالرعونة لم يجاملهم إلا بالقسوة، وکل إناء بالذي فيه ينضح.

وهاهنا نوقفک علي نبذ من أحوال من يهمک الوقوف علي حياته الثمينة من أولئک الرجال المنفيين الابرار، حتي تعلم أن ما تقولوه فيهم وفعلوه بهم في منتأي عنهم، وإنما کان ذلک ظلما وعدوانا، وتعلم أن ابن حجر مائن فيما يصف به الاشتر من المروق[5] غير مصيب في قذفه، متجانف للاثم في الدفاع عن عثمان بقوله: إن المجتهد لا يعترض عليه في أموره الاجتهادية، لکن أولئک الملاعين المعترضون لافهم لهم بل ولاعقل[6] .



صفحه 31، 32، 33، 34، 35، 36، 37، 38.





  1. کذا في انساب الاشراف بالعين المهملة وفي الاصابة بالمعجمة.
  2. في تاريخ الطبري: النخعي. بدل: الهمداني.
  3. في اسد الغابة 403:3: کان ممن سيره عثمان رضي الله عنه إلي الشام من أهل الکوفة.
  4. سورة الحجرات: 6.
  5. راجع الصواعق ص 68.
  6. راجع الصواعق ص 68.