نظرة في أحاديث الحصارين











نظرة في أحاديث الحصارين



الأول: ما يقع عليه النظر من هذه الاحاديث المجهزين علي عثمان هم المهاجرون والانصار من الصحابة ولم يشذ عنهم إلا أربعة أسلفنا ذکر في صفحة 195 وهم الذين أصفقوا مع أهل مصر والکوفة والبصرة علي مقت الخليفة وقتله بعد أن أعيتهم الحيل وأعوزهم السعي في استتابته، وإکفائه من الاحداث، ونزوعه عما هو عليه من الجرائم وإن في المقبلين من تلکم البلاد من عظماء الصحابة، ومن رجال الفضيلة والفقه والتقي من التابعين جماعات لا يستهان بعدتهم، ولا يغمز في دينهم، وهم رؤساء هاتيک الجماهير والمؤلبين لهم علي عثمان، فمن الکوفيين:

1 زيد الخير، له إدراک أثني عليه النبي الاعظم، وانه من الخيار الابرار.

2 مالک بن الحارث الاشتر، له إدراک، أو قفناک علي عظمته وفضله وموقفه من الايمان، ومبلغه من الثقة والصلاح.

3 کعب بن عبدة النهدي، وقد سمعت عن البلاذري انه کان ناسکا.

[صفحه 186]

4 زياد بن النضر الحارثي، له إدراک.

5 عمر وبن الاهتم، صحابي خطيب بليغ شريف في قومه، ترجمه ابن عبد البرفي «الاستيعاب»، وابن الاثير في «اسد الغابة» وابن حجر في «الاصابة».

(وفي المصريين)

6 عمرو بن الحمق الخزاعي، صحب النبي وحفظ عنه أحاديث، وحظي بدعائه صلي الله عليه وآله وسلم له کمامر تفصيله ص 45.

7 عمرو بن بديل الخزاعي، صحابي عادل مترجم في معاجم الصحابة.

8 عبدالله بن بديل الخزاعي: قال أبوعمر: کان سيد خزاعة وخزاعة عيبة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وشهد حنينا والطائف وتبوک، وکان له قدر وجلالة، وکان من وجوه الصحابة راجع الاستيعاب، وأسد الغابة، والاصابة.

9 عبدالرحمن بن عديس أبومحمد البلوي، صحب النبي وسمع منه، وکان ممن بايع تحت الشجرة من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

10 محمد بن أبي بکر، وحسبک فيه ما في الاستيعاب والاصابة من أن عليا «أميرالمؤمنين» کان يثني عليه ويفضله وکانت له عبادة واجتهاد، وکان من أفضل أهل زمانه.

(ورئيس البصريين)

11 حکيم بن جبلة العبدي، قال أبوعمر في «الاستيعاب»: أدرک النبي صلي الله عليه وآله وکان رجلا صالحا له دين مطاعا في قومه. وقال المسعودي في المروج 7:2: کان من سادات عبدالقيس وزهادها ونساکها. وأثني عليه مولانا أميرالمومنين بقوله کما في الکامل 96:3:


دعا حکيم دعوة سميعه
نال بها المنزلة الرفيعه


يالهف ما نفسي علي ربيعه
ربيعة السامعة المطيعه


قد سبقتني فيهم الوقيعة

وإن ما جري في غضون تلکم المعامع، وتضاعيف ذلک الحوار من أخذ ورد وهتاف وقول، کلها تنم عن صلاح القوم وتقواهم، وإنهم لم يغضبوا إلا لله، ولا دعوا

[صفحه 187]

إلا إلي أمره، ولا نهضوا إلا لاقامة الامت والعوج، وتقويم دين الله وتنزيهه عن المعرات والاحداث، ولم يجلبهم إلي ذلک الموقف مطمع في إمارة، أو نزع إلي حکم أو هوي في مال، ولذلک کان يرضيهم کلما يبديه الخليفة من النزول علي رغباتهم، والنزوع عن أحداثه، والانابة إلي الله مما نقموا به عليه، غير انه کان يثيرهم في الآونة بعد الاخري ما کانوا يشاهدونه من المقام علي الهنات، ونقض العهد مرة بعد مرة حتي إذا اطمأنوا إلي أن الرجل غير منکفئ عما کان يقترفه، ولامطمئن عما کان يفعله، فاطمأنوا إلي بقاء التکليف عليهم بالوثوب، فوقفوا لازالة ما رأوه منکرا ذلک الموقف الشديد حتي قضي من الامر ما کان مقدورا.

ولو کان للقوم غاية غيرما وصفناه لما أثني مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام علي المصريين منهم بقوله من کتاب کتبه إلي أهل مصر: إلي القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه، وذهب بحقه، إلي آخر ما مر في صفحة 74، ولما کانوا مذکورين في المعاجم والکتب بالثناء الجميل عليهم بعد تلکم المواقف المشهودة، ولو صدر عن أي أحد أقل مما صدر من اولئک الثائرين علي عثمان في حق فرد من أفراد المسلمين فضلا عن الخليفة لعد جناية لا تغفر، وذنبا لا يبرر، وسقط صاحبه إلي هوة الضعة، ولا تبقي له بعد حرمة ولاکرامة، وغير أن...

الثاني: من مواقع النظر في الاحاديث المذکورة: ان الخليفة کانت عنده جرائم يستنکرها المسلمون وينکرونها عليه وهو يعترف بها فيتوب عنها، ثم يروغ عن التوبة فيعود إليها، ولا أدري انه في أي الحالين أصدق؟ أحين اعترف بالاحداث فتاب؟ أم حين عبث به مروان فرقي المنبر وقال: إن هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا انه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلي بلادهم.

الثالث: أنه أعطي العهود والمواثيق المؤکدة علي النزوع عما کان يرتکبه مما ينقمونه عليه وسجل ذلک في صکوک يبثها في البلاد بأيدي الناهضين عليه، إذ کان علي علم بأن البلاد قد تمخضت علبه کما مر في کلام لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام، ثم لم يلبث حتي نکثها بعد ما ضمن له بالعمل علي ذلک الضمان مثل مولانا أميرالمؤمنين ومحمد ابن مسلمة ذلک الصحابي العظيم، وقد شهدت ذلک الضمان أمة کبيرة من الصحابة،

[صفحه 188]

فکأنه ما کان يري للعهد لزوما، ولا للضمان حرمة، ولا للضامنين مکانة، ولا لنکث العهد معرة، ولعله کان يجد مبررا لتلکم الفجايع أو الفصايح، وعلي أي فالمسلمون «ويقدمهم الصحابة العدول» لم يرقهم ذلک المبرر ولا اعترفوا به، فمضوا إلي ما فعلوه قدما غير متحوبين ولا متأثمين.

الرابع: إن التزامه في کتاب عهده في الحصار الاول بالعمل بالکتاب والسنة وهو في حيز النزوع عما کان يرتکبه قبل ذلک، وقد أعتب بذلک المتجمهرين عليه المنکرين علي أحداثه المنحازة عنهما، يرشدنا إلي انه کان في أعماله قبل ذلک الالتزام محيد عن الکتاب والسنة، وحسب أي إنسان من الضعة أن تکون أعماله منتئية عنهما

الخامس: إن الطريد بن الطريد، أو قل عن لسان النبي الامين[1] : الوزغ ابن الوزع، اللعين ابن اللعين، مروان بن الحکم کان يؤثر في نفسيات الخليفة حتي يحوله «کما قال مولانا أميرالمؤمنين[2] « عن دينه وعقله، ويجعله مثل الظعينة يقاد حيث يسار به فلم يزل به حتي أربکه عند منتقض العهود ومنتکث المواثيق، فأورده مورد الهکة، وعجيب من الخليفة أن يتأثر بتسويلات الرجل وهو يعلم محله من الدين وموقفه من الايمان، ومبوأه من الصدق والامانة، وهويعلم أنه هو وزبانيته هم الذين جروا عليه الويلات وأرکبوه النهابير، وأنهم سيوردونه ثم لا يصدرونه، يعلم ذلک کله وهو بين الناب والمخلب وفي منصرم الحياة، ومع ذلک کله لا يزال مقيماعلي هاتيک الوساوس المروانية، فيا للعجب.

وأعجب من ذلک انه مع هذا التأثر يتخذ نصح الناصحين له کمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام وکثير من الصحابة العدول باعتاب الناس ورفض تمويهات مروان الموبقة له ظهريا فلا يعير لهم بعد تمام الحجة وقطع سبل المعاذير أذنا واعية، وهو يعلم أنهم لا يعدون الامر بالمعروف والنهي عن المنکر، ويدعونه إلي ما فيه نجاته ونجاح الامة.

(لفت نظر) وقع في عد أيام حصارعثمان خلاف بين المورخين فقال الواقدي: حاصروه تسعة وأربعين يوما. وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما. وفي رواية:

[صفحه 189]

انهم حصروه أربعين ليلة. وقال ابن کثير: استمر الحصر أکثر من شهر وقيل: بضعا و أربعين. وقال الشعبي: کانت مدته اثنتين وعشرين ليلة. وفي رواية للطبري: کان الحصر. أربعين ليلة والنزول سبعين. وفي بعض الروايات: حصروه عشرين يوما بعد قضية جهجاه المذکورة ص 124 إلي أقوال أخري، ولعل کل منها ناظر إلي ناحية من مدة أيام الحصارين أو مدة أحدهما، ومن مدة نزول المتجمرين حول داره، و من أيام ضاق عليه الخناق، ومنع من ادخال الماء عليه، وحيل بينه وبين اختلاف الناس إليه، ومن حصار الثائرين عليه من الامصار، ومن إصفاق أهل المدينة معهم علي الحصار. إلي تأويلات أخري يتأتي بها الجمع بين تلکم الاقوال.



صفحه 186، 187، 188، 189.





  1. راجع ما مر في الجزء الثامن ص 260 ط 2.
  2. راجع ما مضي في هذا الجزء صفحة 174.