صورة أخري من قصة الحصار











صورة أخري من قصة الحصار



عن سعيد بن المسيب قال: إن عثمان لما ولي کره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لان عثمان کان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة سنة، وکان کثيرا ما يولي بني أمية ممن لم يکن له من رسول الله صلي الله عليه وسلم صحبة، وکان يجيئ من أمرائه ما يکره أصحاب محمد، فکان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما کان في الحجج الآخرة استأثر ببني عمه فولاهم وولي عبدالله بن سعد بن أبي سرح مصر، فمکث عليها سنين فجاء أهل مصر يشکونه ويتظلمون منه، وقد کانت من عثمان قبل هنات إلي عبدالله ابن مسعود وأبي ذر عمار بن ياسر، فکان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار و أحلافها من غضب لابي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر، فلما جاء أهل مصر يشکون ابن أبي سرح، کتب إليه کتاب يتهدده فيه، فأبي أن ينزع عما نهاه

[صفحه 180]

عثمان عنه وضرب بعض من شکاه إلي عثمان من أهل مصر حتي قتله، فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل إلي المدينة فنزلوا المسجد وشکوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلي أصحاب محمد، فقام طلحة إلي عثمان فکلمه بکلام شديد، وأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها تسأله أن ينصفهم من عامله، ودخل عليه علي بن أبي طالب وکان متکلم القوم فقال له: إنما يسألک القوم رجلا مکان رجل، وقد ادعوا قبله دما فاعزله واقض بينهم، فإن وجب عليه حق فانصفهم منه. فقال لهم: اختاروا رجلا أوليه عليکم مکانه. فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بکرالصديق فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بکر. فکتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين والانصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فشخص محمد بن أبي بکر وشخصوا جميعا فلما کانوا علي مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود علي بعير وهو يخبط البعير خبطا کأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد بن أبي بکر: ما قصتک؟ وماشأنک؟ کأنک هارب أو طالب. فقال لهم مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، وقال أخري: أنا غلام مروان، وجهني إلي عامل مصر برسالة، قالوا: فمعک کتاب؟ قال: لا. ففتشوه، فلم يجدوا معه شيئا وکانت معه إداوة قد يبست فيها شئ يتقلقل فحرکوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الاداوة فإذا فيها کتاب من عثمان إلي ابن أبي سرح.

فجمع محمد من کان معه المهاجرين والانصار وغيرهم ثم الکتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاک محمد بن أبي بکر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل کتاب محمد وقر علي عملک حتي يأتيک رأيي، واحبس من يجئ إلي متظلما منک إن شاءالله، فلما قرأوا الکتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلي المدينة وختم محمد بن أبي بکر الکتاب بخواتيم نفر ممن کان معه، ودفعه إلي رجل منهم وقدموا المدينة، فجمعوا عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن کان من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ثم فکوا الکتاب بمحضر منهم و أخبروهم بقصة الغلام وأقرأوهم الکتاب، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق علي عثمان، وزاد ذلک من کان غضب لابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر حنقا وغيظا، وقام أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما في الکتاب.

وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بکر ببني تيم وغيرهم، وأعانه علي

[صفحه 181]

ذلک طلحة بن عبيدالله، وکانت عائشة تقرصه کثيرا، ودخل علي وطلحة والزبير وسعد وعمار في نفر من أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم کلهم بدري علي عثمان ومع علي الکتاب والغلام والبعير فقال له علي: هذا الغلام غلامک؟ قال: نعم، قال: والبعير وبعيرک؟ قال: نعم. قال: وأنت کتبت هذا الکتاب؟ قال: لا، وحلف بالله: ما کتبت هذ الکتاب ولا أمرت به ولا علمت شأنه فقال له علي: أفالخاتم خاتمک؟ قال: نعم. قال: فکيف يخرج غلامک ببعيرک بکتاب عليه خاتمک ولا تعلم به؟ فحلف بالله: ما کتبت الکتاب ولا أمرت به ولا جهت هذا الغلام إلي مصر قط. وعرفوا أن الخط خط مروان فسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبي، وکان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم من عنده غضابا وعلموا أنه لا يحلف بباطل إلا أن قوما قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلا أن يدفع الينا مروان حتي نبحثه عن الامر ونعرف حال الکتاب، وکيف يؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغير حق؟ فإن يکن عثمان کتبه عزلناه، وإن يکن مروان کتبه عن لسان عثمان نظرنا ما يکون منا في أمر مروان،فلزموا بيوتهم فأبي عثمان أن يخرج مروان.

فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف علي الناس فقال: أفيکم علي؟ فقالوا: لا. قال: أفيکم سعد؟ فقالوا: لا. فسکت، ثم قال ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلک عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء فما کادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتي وصلت.



صفحه 180، 181.