هذا عمار











هذا عمار



إذا درست هذه کلها فهل تجد من الحق أن يعمل معه تلکم الفظاظات مرة بعد أخري؟ وهل تجد مبررا لشئ منها؟ فإن زعمت انها تأديب من خليفة الوقت فان التأديب لا يسوغ إلا علي إسائة في الادب، وزور من القول، ومناقضة للحق، ومضادة للشريعة، ويجل عمار عن کل ذلک، فلم يصدر منه غير دعاء إلي الحق، وأذان بالحقيقة، وتضجر لمظلوم، وعمل بالوصية واجب، ورسالة عن أناس مؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنکر، فهل حظر الاسلام شيئا من هذه فأراد الخليفة أن يعيد عمارا إلي نصاب الحق أو أن الخليفة مفوض في النفوس کما يري انه مفوض في الاموال

[صفحه 29]

فيراغم فيهاعامة المسلمين بارضاء من يجب إرغامهم من أناس لا خلاق لهم؟ وکذلک يفعل بالنفوس فعل المستبدين ولوازم الدکتاتورية ومقتضيات الملک العضوض.

ولو کان الخليفة ناصبا نفسه للتأديب فهل أدب أمثال عبيدالله بن عمر، والحکم ابن أبي العاص، ومروان بن الحکم، والوليد بن عقبة، وسعيد العاص، ونظرائهم من رجال العيث والفساد المستحقين للتأديب حينا بعدحين؟ وهو کان يرنو إلي أعمالهم من کثب، لکنه لم يصدر منه إلا إرضائهم وتوفير العطاء لهم والدفاع عنهم، وتسليطهم علي النفوس والاموال حتي أوردوه مورد الهلکة، ولقد ادخر تأديبه کله لصلحاء الامة مثل عمار وأبي ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم، فإلي الله المشتکي.

وإنک لو أمعنت النظرة في أعماله وأفعاله لتجدنه لا يقيم وزنا لاي صالح من الامة، ولقد ترقي ذلک أو تسافل حتي انه جابه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام غير مرة بقوارص کلماته ومما قال له مما مر في صفحة «19 و 18» قوله: أنت أحق بالنفي منه. وقوله: لئن بقيت لا أعدم طاغيا يتخذک سلما وعضدا ويعدک کهفا وملجأ. يريد بالطاغي أباذر وعمار وأمثالهما ويجعل الامام عليه السلام سلما وعضدا وکهفا وملجأ لمن سماهم الطغاة. کبرت کلمة تخرج من أفواههم.

کأن الرجل لم يصاحب النبي الاعظم صلي الله عليه وآله، أولم يع إلي ماهتف به من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من أول يومه آناء الليل وأطراف النهار في حله ومرتحله، في ظعنه وإقامته، عند أفراد من أصحابه أو في محتشد منهم، ولدي الحوادث والوقايع وعند کل مناسبة، وفي حروبه ومغازيه.

وکأنه لم يشهد بلاء مولانا الامام عليه السلام في مآزق الاسلام الحرجة، ولم يشهد کراته وقد فر أصحابه، وتفانيه في سبيل الدعوة عند خذلان غيره، واقتحامه المهالک لصالح الاسلام حيث رکنوا إلي دعة، وتقهقر بهم الفرق، وثبطهم الخول.

يزعم القوم أن الخليفة کان حافظا للقرآن وانه کان يتلوه في رکعة في لياليه ولو صح ما يقولون فهلا کان يمر بآية التطهير ومولانا الامام عليه السلام أحد الخمسة الذين أريدوا بها؟ وبآية المباهلة وهو نفس النبي فيها؟ إلي آيات أخري نازلة فيها بالغة إلي

[صفحه 30]

ثلاثمائة آية کما يقوله حبرالامة عبدالله بن العباس[1] أو أنه کان يمر بها علي حين غفلة من مفادها؟ أو يمر بها وقد بلغ منه اللغوب من کثرة التلاوة فلا يلتفت اليها أو أنه کان يرتلها ملتفتا إلي مغازيها؟ ولکن...

أنا لا أدري بماذا يعلل قوارص الخليفة عليا عليه السلام إبنا حجر وکثير وأمثالهما المعللون أقوال الخليفة وأفعاله في مثل أبي ذر وابن مسعود ومالک الاشتر، بان مصلحة بقائهم في الاوساط الاسلامية مع الحرية في المقال لا تکافئ المفسدة المترتبة عليه من سقوط أبهة الخلافة. علي انه ما کان عند القوم إلا الامر بالمعروف والنهي عن المنکر فهل يجر هم الحب المعمي والمصم إلي أن يقولوا بمثل ذلک في حق عظيم الدنيا والدين مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام فهل کانت مفسدة هنا لک مترتبة علي مقام الامام في المدينة حتي يکون نفيه عنها أولي وهل هو إلا الصلاح کله؟ وهل المصالح النوعية والفردية يسقي من غيره ولعمر الحق ان أبهة تسقط لمکان أميرالمؤمنين عليه السلام وفضله ونزاهته وعلمه وإصلاحه لحرية بالسقوط، وأيم الله لو وسع أولئک المدافعون عن تلکم العظائم لدنسوا ساحة قدس الامام بالفرية الشائنة، واتهموه بمثل ما اتهموا به غيره من صلحاء الامة وأعلام الصحابة والخيرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنکر، ولکن...

ولو کان خليفة يعير لنصائح الامام عليه السلام أذنا واعية لصانه عن المهالک، ولم تزل الابهة مصونة له، والعز والنجاح ذخرا له ولاهل الاسلام، وکان خيرا له من رکوبه النهابير التي جرعته الغصص وأودت به وجرت الويلات علي الامة حتي اليوم، ولکنه...

لا جرم ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراء هم يوما ثقيلا.



صفحه 29، 30.





  1. راجع ما مر في الجزء الاول ص 334 ط 2.