قصة الحصار الثاني











قصة الحصار الثاني[1]



.

أخرج البلاذري من طريق أبي مخنف قال: لما شخص المصريون بعد الکتاب

[صفحه 178]

الذي کتبه عثمان فصاروا بأيلة[2] أو بمنزل قبلها رأوا راکبا خلفهم يريد مصر فقالوا له: من أنت؟ فقال: رسول أميرالمؤمنين إلي عبدالله بن سعد، وأنا غلام أميرالمؤمنين. وکان أسود فقال بعضهم لبعض: لو أنزلناه وفتشناه ألا يکون صاحبه قد کتب فينا بشئ، ففعلوا فلم يجدوا معه شيئا، فقال بعضهم لبعض: خلوا سبيله فقال کنانة بن بشر: أما والله دون أن أنظر في إداوته فلا. فقالوا: سبحان الله أيکون کتاب في ماء؟ فقال: إن للناس حيلا. ثم حل الاداوة فإذا فيها قارورة مختومة، أو قال: مضمومة، في جوف القارورة کتاب في أنبوب من رصاص فأخرجه فقري فإذا فيه:

أما بعد: فإذا قدم عليک عمرو بن بديل فاضرب عنقه، واقطع يدي ابن عديس و کنانة، وعروة، ثم دعهم يتشحطون في دمائهم حتي يموتوا، ثم أوثقهم علي جذوع نخل.

فيقال: إن مروان کتب الکتاب بغير علم عثمان، فلما عرفوا ما في الکتاب، قالوا: عثمان محل، ثم رجعوا عودهم علي بدئهم حتي دخلوا المدينة فلقوا عليا بالکتاب وکان خاتمه من رصاص، فدخل به علي علي عثمان فحلف بالله ما هو کتابه ولا يعرفه وقال: أما الخط فخط کاتبي، وأما الخاتم فعلي خاتمي، قال علي فمن تتهم؟ قال: أتهمک وأتهم کاتبي. فخرج علي مغضبا وهويقول: بل هو أمرک. قال أبومخنف: وکان خاتم عثمان بدء عند حمران بن أبان ثم أخذه مروان حين شخص حمران إلي البصرة فکان معه:

وفي لفظ جهيم الفهري قال: أنا حاضر أمر عثمان فذکر کلاما في أمر عمار. فانصرف القوم راضين ثم وجدوا کتابا إلي عامله علي مصر أن يضرب أعناق رؤساء المصريين، فرجعوا ودفعوا الکتاب إلي علي فأتاه به فحلف له أنه لم يکتبه ولم يعلم به فقال له علي: فمن تتهم فيه؟ فقال: أتهم کاتبي وأتهمک يا علي لانک مطاع عند القوم ولم تردهم عني.

وجاء المصريون إلي دار عثمان فأحدقوا بها وقالوا لعثمان وقد أشرف عليهم: يا عثمان أهذا کتابک فجحد وحلف فقالوا: هذا شر، يکتب عنک بما لا تعلمه، مامثلک

[صفحه 179]

يلي أمور المسلمين، فاختلع من الخلافة. فقال: ما کنت لانزع قميصا قمصنيه الله، أوقال: سربلنيه الله. وقالت بنو أمية: يا علي أفسدت علينا أمرنا ودسست وألبت، فقال: يا سفهاء إنکم لتعلمون انه لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وإني رددت أهل مصر عن عثمان ثم أصلحت أمره مرة بعد أخري. فما حيلتي وانصرف وهو يقول: أللهم إني برئ مما يقولون ومن دمه إن حدث به حدث.

قال: وکتب عثمان حين حصروه کتابا قرأه ابن الزبير علي الناس يقول فيه: والله ما کتبت الکتاب ولا أمرت به ولا علمت بقصته وأنتم معتبون من کل ما ساءکم، فأمروا علي مصرکم من أحببتم، وهذه مفاتيح بيت مالکم فادفعوا إلي من شئتم فقالوا: قد انهمناک بالکتاب فاعتزلنا.

وأخرج ابن سعد من طريق جابر بن عبدالله الانصاري قال: إن عثمان وجه إلي المصريين لما أقبلوا يريدونه محمد بن مسلمة في خمسين من الانصار أنا فيهم فأعطاهم الرضي وانصرفوا فلما کانوا ببعض الطريق رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلام لعثمان ففتشوه فإذا معه قصبة من رصاص في جوف إداوة فيها کتاب إلي عامل مصر: أن افعل بفلان کذا، وبفلان کذا، فرجع القوم إلي المدينة فأرسل إليهم عثمان محمد بن مسلمة فلم يرجعوا وحصروه.



صفحه 178، 179.





  1. مصادرها: الانساب 26:5 تا 69 و 95، الامامة والسياسة 33:1 تا 73، المعارف لابن قتيبة ص 84، العقد الفريد 236:2، تاريخ الطبري 119:5 و 120، الرياض النضرة 123:2 و 125، الکامل لابن الاثير 70:3 و 71، شرح ابن أبي الحديد 156:1 و 166، تاريخ ابن خلدون 397:2، تاريخ ابن کثير 173:7 و 174 و 186 و 189، حياة الحيوان للدميري 53:1، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106 و 107، السيرة الحلبية 84:2 و 86 و 87، تاريخ الخميس 259:2، وللفظ للبلاذري والطبري.
  2. أيله بالفتح: مدينة علي ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام.