عهد آخر بعد حنث الاول











عهد آخر بعد حنث الاول



أخرج الطبري من طريق عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: کتب أهل المدينة إلي

[صفحه 176]

عثمان يدعونه إلي التوبة، ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسکون عنه أبدا حتي يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله، فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلي علي بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتي يأتيه أمداده فقال: إن القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي عهدا وقد کان مني في قدمتهم الاولي ما کان، فمتي أعطهم ذلک يسألوني الوفاء به. فقال مروان بن الحکم: يا أميرالمؤمين مقاربتهم حتي تقوي أمثل من مکاثرتهم علي القرب، فاعطهم ما سألوک، وطاولهم ما طاولوک، فانما هم بغوا عليک فلا عهد لهم، فأرسل إلي علي فدعاه فلما جاءه قال: يا أبا حسن إنه قد کان من الناس ما قد رأيت وکان مني ما قد علمت، ولست آمنهم علي قتلي، فأرددهم عني، فإن لهم الله عزوجل أن أعتبهم من کل ما يکرهون، وأن أعطيهم الحق من نفسي ومن غيري وإن کان في ذلک سفک دمي، فقال له علي: الناس إلي عدلک أحوج منهم إلي قتلک، وإني لاري قوما لا يرضون إلا بالرضا وقد کنت أعطيتهم في قدمتهم الاولي عهدا من الله لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنک، ثم لم تف لهم بشئ من ذلک فلا تغرني هذه المرة من شئ، فاني معطيهم عليک الحق. قال: نعم فاعطهم فوالله لافين لهم. فخرج علي إلي الناس فقال: أيها الناس إنکم إنما طلبتم الحق فقد اعطيتموه إن عثمان قد زعم انه منصفکم من نفسه ومن غيره، وراجع عن جميع ما تکرهون، فاقبلوا منه ووکدوا عليه. قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا والله لا نرضي بقول دون فعل. فقال لهم علي: ذلک لکم. ثم دخل عليه فأخبره الخبر، فقال عثمان: اضرب بيني وبينهم أجلا يکون لي في مهلة، فاني لا أقدر علي رد ما کرهوا في يوم واحد، قال له علي: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرک، قال: نعم، ولکن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام. قال علي: نعم. فخرج إلي الناس فأخبرهم بذلک وکتب بينهم وبين عثمان کتابا أجله فيه ثلاثا علي أن يرد کل مظلمة، ويعزل کل عامل کرهوه، ثم أخذ عليه في الکتاب أعظم ما أخذالله علي أحد من خلقه من عهد وميثاق وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والانصار، فکف المسلمون عنه ورجعوا إلي أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه، فعجل يتأهب للقتال ويستعد بالسلاح، وقد کان اتخذ

[صفحه 177]

جندا عظيما من رقيق الخمس، فلما مضت الايام الثلاثة وهو علي حاله لم يغير شيئا مما کرهوه، ولم يعزل عاملا، ثار به الناس، وخرج عمرو بن حزم الانصاري حتي أتي المصريين وهم بذي خشب فأخبرهم الخبر وسار معهم حتي قدموا المدينة فأرسلوا إلي عثمان: ألم نفارقک علي انک زعمت انک تائب من أحداثک، وراجع عما کرهنا منک وأعطيتنا علي ذلک عهدالله وميثاقه؟ قال: بلي، أنا علي ذلک. قال: فما هذا الکتاب الذي وجدنا مع رسولک؟ الحديث.[1] .



صفحه 176، 177.





  1. تاريخ الطبري 116:5، الکامل لابن الاثير 71:3 و 72، شرح ابن أبي الحديد 166:1.