صورة أخري من توبة الخليفة عثمان











صورة أخري من توبة الخليفة عثمان



أخرج الطبري من طريق علي بن عمر بن أبيه قال: إن عليا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تکلم کلاما يسمعه الناس منک، ويشهدون عليه ويشهدالله علي ما في قلبک من النزوع والانابة، فان البلاد قد تمخضت عليک فلا آمن رکبا آخرين يقدمون من الکوفة فتقول: يا علي إرکب إليهم. ولا أقدر أن أرکب إليهم ولا أسمع عذرا يقدم رکب آخرون من البصرة فتقول: يا علي إرکب إليهم. فإن لم أفعل أيتني قد قعطت رحمک واستخففت بحقک. قال: فخرج عثمان وخطب الخطبة التي نزع فيها و أعطي الناس من نفسه التوبة فقام فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله ثم قال:

أما بعد: أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منکم شيئا أجهله، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه، ولکني منتني نفسي وکذبتني، وضل عني رشدي، ولقد سمعت رسول

[صفحه 173]

الله صلي الله عليه وسلم يقول: من زل فليتب[1] ومن أخطأ فليتب ولا يتمادي في الهلکة، إن من تمادي في الجور کان أبعد من الطريق، فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله عما فعلت، و أتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافکم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردني إلي الحق عبد لاستنن بسنة العبد، ولاذلن ذل العبد، ولاکونن کالمرقوق إن ملک مصر، وإن عتق شکر، وما عن الله مذهب إلي إليه، فلا يعجزن عنکم خيارکم أن يدنوا إلي، لئن أبت يميني لتتابعني شمالي.

قال: فرق الناس له يومئذ وبکي من بکي منهم وقام إليه سعيد بن يزيد فقال: يا أمير المؤمنين ليس بواصل لک من ليس معک، الله الله في نفسک، فاتمم علي ما قلت فلما نزل عثمان وجدفي منزله مروان وسعيدا[2] ونفرا من بني أمية ولم يکونوا شهدوا الخطبة فلما جلس قال مروان: يا أميرالمؤمنين! أتکلم أم أصمت فقالت نائلة ابنه الفرافصة امرأة عثمان الکلبية: لابل اصمت فانهم والله قاتلوه ومؤتموه، انه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها. فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاک فوالله لقد مات أبوک وما يحسن يتوضأ. فقالت له: مهلا يا مروان عن ذکر الآباء تخبر عن أبي وهو غائب تکذب عليه، وأن أباک لا يستطيع أن يدفع عنه، أما والله لولا أنه عمه و وانه يناله غمه أخبرتک عنه ما لن أکذب عليه. قال: فأعرض عنها مروان ثم قال: يا أميرالمؤمنين أتکلم أم أصمت؟ قال: بل تکلم. فقال مروان: بأبي أنت وأمي والله لوددت أن مقالتک هذه کانت وأنت ممنع منيع فکنت أول من رضي بها وأعان عليها لکنک قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبي، وحين أعطي الخطة الذليلة الذليل، والله لاقامة علي خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها، وإنک إن شئت تقربت بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة وقد اجتمع اليک علي الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان: فاخرج إليهم فکلمهم فإني أستحي أن أکلمهم، قال: فخرج مروان إلي الباب والناس يرکب بعضهم بعضا فقال: ما شأنکم قد اجتمعتم؟ کأنکم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، کل إنسان آخذ باذن صاحبه إلا من أريد[3] جئتم

[صفحه 174]

تريدون أن تنزعوا ملکنا من إيدينا أخرجواعنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليکم منا أمر لا يسر کم ولا تحمدوا غب رأيکم، ارجعوا إلي منازلکم، فإنا والله ما نحن مغلوبين علي ما في أيدينا، قال: فرجع الناس وخرج بعضهم حتي أتا عليا فأخبره الخبر فجاء علي عليه السلام مغضبا حتي دخل علي عثمان فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منک إلا بتحرفک[4] عن دينک وعن عقلک مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به والله ما مروان بذي رأي في دينه، ولا نفسه، وأيم الله اني لاراه سيوردک ثم لا يصدرک، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتک، أذهبت شرفک، وغلبت علي أمرک.

فلما خرج علي دخلت عليه نائلة ابنة الفرافضة امرأته فقالت: أتکلم أو أسکت فقال: تکلمي. فقالت: قد سمعت قول علي لک وانه ليس يعاودک؟ وقد أطعت مروان يقودک حيت شاء قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي الله وحده لا شريک له وتتبع سنة صاحبيک من قبلک، فإنک متي أطعت مروان قتلک، ومروان ليس له عندالناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما ترکک الناس لمکان مروان، فأرسل إلي علي فاستصلحه فإن له قرابة منک وهو لا يعصي. قال: فأرسل عثمان إلي علي فأبي أن يأتيه، وقال: قد أعلمته: أني لست بعائد. فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلي عثمان فجلس بين يديه فقال: أتکلم أو أسکت؟ فقال: تکلم. فقال: إن بنت الفرافصة. فقال عثمان: لا تذکرنها بحرف فأسوء لک وجهک فهي والله أنصح لي منک. فکف مروان[5] .



صفحه 173، 174.





  1. کذا في تاريخ الطبري والصحيح ما مر في رواية البلاذري: من زل فلينب.
  2. هو سعيد بن العاص.
  3. کذا في تاريخ الطبري وفي الکامل: شاهت الوجوه إلي من اريد.
  4. في لفظ البلاذري: الا بافساد دينک، وخديعتک عن عقلک. وفي لفظ ابن کثير: الا بتحويلک عن دينک وعقلک، وان مثلک مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به.
  5. الانساب للبلاذري 64:5 و 65، تاريخ الطبري 11:5، الکامل لابن الاثير 68:3، تاريخ ابن کثير 172:7، شرح ابن ابي الحديد 163:1 و 164، تاريخ ابن خلدون 396:2 و 397.