حديث محمد بن أبي حذيفة











حديث محمد بن أبي حذيفة



کان أبوالقاسم محمد بن أبي حذيفة العبشمي من أشد الناس تأليبا علي عثمان، و ذکرالبلاذري في الانساب قال: کان محمد بن أبي بکر بن أبي قحافة، ومحمد بن أبي حذيفة، خرجا إلي مصر عام مخرج عبدالله بن سعد بن أبي سرح إليها، فأظهر محمد بن أبي حذيفة عيب عثمان والطعن عليه وقال: إستعمل عثمان رجلا أباح رسول الله صلي الله عليه وسلم دمه يوم الفتح ونزل القرآن بکفره حين قال: سأنزل مثل ماأنزل الله[1] .

وکانت غزاة ذات الصوري في المحرم سنة أربع وثلاثين وعليها عبد بن سعد، فصلي بالناس فکبر ابن أبي حذيفة تکبيرة أفزعه بها فقال: لولا إنک أحمق لقربت بين خطوک، ولم يزل يبلغه عنه وعن ابن أبي بکر ما يکره، وجعل ابن أبي حذيفة يقول: يا أهل مصر إنا خلفنا الغزو وراءنا. يعني غزو عثمان.

إن محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بکر حين أکثر الناس في أمر عثمان قدما مصر وعليها عبدالله بن سعد بن أبي سرح، ووافقا بمصر محمد بن طلحة بن عبيدالله وهومع عبدالله بن سعد، وإن ابن أبي حذيفة شهد صلاة الصبح في صبيحة الليلة التي قدم

[صفحه 144]

فيها فقاتته الصلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبي سرح قراءته فسأل عنه، فقيل:رجل أبيض وضئ الوجه. فأمر إذا صلي أن يؤتي به فلما رآه قال: ماجاء بک إلي بلدي قال: جئت غازيا، قال: ومن معک؟ قال: محمد بن أبي بکر. فقال: والله ما جئتما إلا لتفسدا الناس، وأمر بهما فسجنا، فأرسلا إلي محمد بن طلحة يسألانه أن يکلمه فيهما لئلا يمنعهما من الغزو، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح افريقية فأعد لهما سفينة مفردة لئلا يفسد عليه الناس، فمرض ابن أبي بکر فتخلف وتخلف معه ابن أبي حذيفة، ثم إنهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلا وقد أوغرا صدور الناس علي عثمان فلما وافي ابن أبي سرح مصر وافاه کتاب عثمان بالمصير إليه، فشخص إلي المدينة وخلف علي مصر رجلا کان هواه مع ابن أبي بکر وابن أبي حذيفة، فکان ممن شايعهم وشجعهم علي المسير إلي عثمان.

قالوا: وبعث عثمان إلي ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبحمل عليه کسوة فأمر فوضع في المسجد وقال: يا معشر المسلمين ألا ترون إلي عثمان يخادعني عن ديني و يرشوني عليه؟ فازداد أهل مصر عيبا لعثمان وطعنا عليه، واجتمعوا إلي ابن أبي حذيفة فرأسوه عليهم، فلما بلغ عثمان ذلک دعا بعمار بن ياسر فاعتذر إليه مما فعل به واستغفر الله منه وسأله أن لا يحقده عليه، وقال: بحسبک من سلامتي لک ثقتي بک، وسأله الشخوص إلي مصر ليأتيه بصحة خبر ابن أبي حذيفة، وحق ما بلغه عنه من باطله، وأمره أن يقوم بعذره، ويضمن عنه العتبي لمن قدم عليه، فلما ورد عمار مصر[2] حرض الناس علي عثمان ودهاهم إلي خلعه، وأشعلها عليه، وقوي رأي ابن أبي حذيفة وابن أبي بکر وشجعهما علي المسير إلي المدينة، فکتب ابن أبي سرح إلي عثمان يعلمه ما کان من عمار، ويستأذنه في عقوبته، فکتب إليه: بئس الرأي رأيت يا ابن أبي سرح فأحسن جهاز عمار وأحمله إلي، فتحرک اهل مصر وقالوا: سيرعمار، ودب فيهم ابن أبي حذيفة ودعاهم إلي المسير فأجابوه[3] .

وذکر أبوعمر الکندي في امراء مصر: ان عبدالله بن سعد أمير مصر کان توجه

[صفحه 145]

إلي عثمان لما قام الناس عليه، فطلب أمراء الامصار فتوجه إليه في رجب سنة 35 واستناب عقبة بن عامر فوثب محمد بن أبي حذيفة علي عقبة وکان يوم ذاک بمصر فأخرجه من مصر وغلب عليها، وذلک في شوال منها، ودعا إلي خلع عثمان، واسعر البلاد، وحرض علي عثمان[4] .

وأخرج من طريق الليث عن عبدالکريم الحضرمي کما في الاصابة 373:3: إن ابن أبي حذيفة کان يکتب الکتب علي أزواج النبي صلي الله عليه وسلم في الطعن علي عثمان کان يأخذ الرواحل فيحصرهاثم يأخذ الرجال الذين يريد أن يبعث بذلک معهم فيجعلهم علي ظهور بيت في الحر، فيستقبلون بوجوههم الشمس ليلوحهم تلويح المسافر، ثم يأمرهم أن يخرجوا إلي طريق المدينة، ثم يرسل رسلا يخبروا بقدومهم فيأمر بتلقيهم، فإذا لقوا الناس قالوا لهم: ليس عندنا خبر، الخبر في الکتب، فيتلقاهم ابن أبي حذيفة و معه الناس فيقول لهم الرسل: عليکم بالمسجد فيقرأ عليهم الکتب من أمهات المؤمنين: إنا نشکوا إليکم يا أهل الاسلام کذاو کذا من الطعن علي عثمان، فيضج أهل المسجد بالبکاء والدعاء، فلما خرج المصريون ووجهوا نحو المدينة علي عثمان شيعهم محمد بن أبي حذيفة إلي عجرود ثم رجع.

قال الاميني: أتري هذا الصحابي العظيم کيف يجد ويجتهد في إطفاء هذه النائرة ولا يخاف فيما يعتقدانه في الله لومة لائم، غير مکترث لما بهته به العثمانيون من إختلاق الکتب علي أمهات المؤمنين، وتسويد الوجوه بمواجهة الشمس، ولم يزل علي دؤبه و اجتهاده حتي قضي الامر، وأزيحت المثلات، وما نبزوه به من الافتعال والتزوير هو حرفة کل عاجز، ولعله دبر في الازمنة الاخيرة کما دبرت أمثاله في کل من الثائرين علي عثمان سترا علي الحقائق الراهنة.

وهل من المستبعد أن تکتب في التأليب علي عثمان صاحبة قول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا إنه قد کفر. وقائلة: وددت والله إنک «يامروان» وصاحبک هذا الذي يعنيک أمره في رجل کل واحد منکما رحا وانکما في البحر. وقائلة: بعدا لنعثل و

[صفحه 146]

سحقا. وقائلة: أبعده الله، ذلک لما قدمت يداه وماالله بظلام للعبيد. وقائلة: يا ابن عباس إن الله قد أتاک عقلا وفهما وبيانا فإياک أن ترد الناس عن هذا الطاغية.

وهي کانت في الرعيل الاول من الثائرين علي عثمان بشتي الحيل والطرق الثائرة: هب انهم بهتوا القوم بتلکم الافائک لکن هل يسعهم إنکار تألبهم علي الخليفة يومئذ؟ وقد التزموا بعدالتهم، والصحاح والمسانيد مشحونة بالاحتجاج بهم والاخراج عنهم، نعم غاية ما يمکنهم من التقول الحکم بالخطأ في الاجتهاد شأن کل متقابلين في حکم شرعي، وليس تحکمهم هذا بأرجح من رأي من يري أنهم أصابوا في الاجتهاد وإجماع الصحابة يومئذ کان معاضد الهم، وهم يقولون: إن أمة محمد لا تجتمع علي خطأ



صفحه 144، 145، 146.





  1. يعني بذلک عبدالله بن سعد بن ابي سرح وهو صاحب يوم الفتح وفيه نزلت الآية کما مر في ص 281 من ج 8 ط 2.
  2. سنوفقک علي ان بعث عمار إلي مصر قط لا يصح.
  3. أنساب البلاذري 49:5 تا 51، تاريخ ابن کثير 157:7.
  4. تاريخ الطبري 109:5، الاستيعاب 233:1، الکامل لابن الاثير 67:3، الاصابة 373:3.