حديث عمرو بن العاص











حديث عمرو بن العاص



أخرج الطبري من طريق أبي عون مولي المسور قال: کان عمرو بن العاصي علي مصر عاملا لعثمان فعزله عن الخراج واستعمله علي الصلاة، استعمل عبدالله بن سعد علي الخراج، ثم جمعهما لعبدالله بن سعد، فلما قدم عمرو بن العاصي المدينة جعل يطعن علي عثمان، فأرسل اليه يوما عثمان خاليا به فقال: يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل به جربان جبتک؟ إنما عهدک بالعمل عاما أول، أتطعن علي، ويأتيني بوجه، وتذهب عني بآخر؟ والله لولا أکلة ما فعلت ذلک. فقال عمرو: إن کثيرا مما يقول الناس وينقلون إلي ولاتهم باطل، فاتق الله يا أميرالمؤمنين في رعيتک، فقال عثمان: والله لو استعملتک علي ظلعک وکثرة القالة فيک، فقال عمرو: قد کنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض فقال عثمان: وأنا والله لو آخذتک بما آخذک به عمر لا ستقمت ولکني لنت عليک فاجترأت علي، أماوالله لانا أعز منک نفرا في الجاهلية وقبل أن ألي هذا

[صفحه 136]

السلطان، فقال عمرو: دع عنک هذا فالحمد لله الذي أکرمنا بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم وهدانا به، قد رأيت العاصي بن وائل ورأيت أباک عفان فوالله للعاصي کان أشرف من أبيک[1] فانکسر عثمان وقال: ما لنا ولذکر الجاهلية، وخرج عمرو ودخل مروان فقال: يا أمير المؤمنين وقد بلغت مبلغا يذکر عمرو بن العاصي أباک، فقال عثمان: دع هذا عنک، من ذکر آباء الرجال ذکروا أباه. قال فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه علي عثمان، ويأتي الزبير مرة فيؤلبه علي عثمان، ويأتي طلحة مرة فيؤلبه علي عثمان ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلما کان حصر عثمان الاول خرج من المدينة حتي انتهي إلي أرض له بفلسطين يقال لها: السبع، فنزل في قصر له يقال له: العجلان وهو يقول: العجب ما يأتينا عن ابن عفان قال: فبينا هو جالس في قصره ذلک ومعه إبناه محمد، وعبدالله، وسلامة بن روح الجذامي إذا مر بهم راکب فناده عمرو: من أين قدم الرجل؟ فقال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان. قال: ترکته محصورا شديد الحصار قال عمرو: أنا أبوعبدالله قد يضرط العير والمکواة في النار فلم يبرح مجلسه ذلک حتي مر به راکب آخر فناداه عمرو: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان. قال: قتل. قال: أنا أبوعبدالله إذا حککت قرحة نکأتها، إن کنت لاحرض عليه حتي إني لاحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش إنه کان بينکم وبين العرب باب وثيق فکسرتموه، فما حملکم علي ذلک؟ فقال: أردنا أن نخرج الحق من حافرة الباطل، وأن يکون الناس في الحق شرعا سواء، وکانت عند عمرو أخت عثمان لامه کلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ففارقها حين عزله[2] .

2- لما رکب علي ورکب معه ثلاثون رجلا من المهاجرين والانصار إلي أهل مصر في أول مجيئهم المدينة ناقمين علي عثمان، وردهم عنه فانصرفوا راجعين ورجع

[صفحه 137]

علي عليه السلام إلي عثمان وأخبره انهم قد رجعوا، حتي إذا کان الغد جاء مروان عثمان فقال له: تکلم وأعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا، وإن ما بلغهم عن إمامهم کان باطلا، فإن خطبتک تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليک من أمصارهم فيأتيک من لا تستطيع دفعه. فأبي عثمان أن يخرج، فلم يزل به مروان حتي خرج فجلس علي المنبر فحمدالله وأثني عليه ثم قال: أما بعد: إن هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلي بلادهم[3] فناداه عمرو بن العاصي من ناحية المسجد: إتق الله يا عثمان فإنک قد رکبت نهابير[4] ورکبناها معک فتب إلي الله نتب، فناداه عثمان: وإنک هناک يا ابن النابغة؟ قملت والله جبتک منذ ترکتک من العمل، فنودي من ناحية أخري: تب إلي الله وأظهر التوبة يکف الناس عنک. فرفع عثمان يديه مدا واستقبل القبلة فقال: أللهم إني أول تائب تاب إليک. ورجع إلي منزله، وخرج عمرو بن العاصي حتي نزل منزله بفلسطين فکان يقول: والله إن کنت لالقي الراعي فأحرضه عليه. وفي لفظ البلاذري: يا ابن النابغة وإنک ممن تؤلب علي الطغام؟ وفي لفظ: قال عمرو: يا عثمان إنک قد رکبت بهذه الامة نهاية من الامر وزغت فزاغوا فاعتدل أو اعتزل. وفي لفظ: رکبت بهذه الامة نهابير من الامور فرکبوها منک، وملت بهم فمالوا بک، اعدل أو اعتزل.

تاريخ الطبري 110:5 و 114، أنساب البلاذري 74:5، الاستيعاب ترجمة عثمان، شرح ابن أبي الحديد 113:2، الکامل لابن الاثير 68:3، الفائق للزمخشري 296:2، نهاية ابن الاثير 196:4، تاريخ ابن کثير 175:7، تاريخ ابن خلدون 396:2، لسان العرب 98:7، تاج العروس 592:3.

3- قال اين قتيبة: ذکروا ان رجلا من همدان يقال له «برد» قدم علي معاوية فسمع عمرا يقع في علي فقال له: يا عمرو إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: من کنت مولاه فعلي مولاه. فحق ذلک أم باطل؟ فقال عمرو: حق وأنا أزيدک انه ليس

[صفحه 138]

أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علي. ففزع الفتي فقال عمرو: إنه أفسدها بأمره في عثمان فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا، ولکنه آوي ومنع، قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال: نعم. قال: فما أخرجک من بيعته؟ قال: إتهامي إياه في عثمان. قال له: وأنت أيضا قد أتهمت. قال: صدقت فيها، خرجت إلي فلسطين. فرجع الفتي إلي قومه فقال: إنا أتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم، علي علي الحق فاتبعوه. «الامامة والسياسة 1 ص 93».

4- أخرج الطبري في تاريخه 234:5 من طريق الواقدي قال: لما بلغ عمرا قتل عثمان رضي الله عنه قال: أنا أبوعبدالله قتلته وأنا بوادي السباع، من يلي هذا الامر من بعده؟ إن يله طلحة فهو فتي العرب سيبا، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلا سيستنظف الحق، وهو أکره من يليه إلي.

5- أسلفنا في حديث طويل في الجزء الثاني ص 133 تا 136 ط 2 من قول الامام الحسن السبط الزکي لعمرو بن العاصي: وأما ما ذکرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين فلما أتاک قتله قلت: أنا أبوعبدالله إذا نکأت «أي قشرت» قرحة أدميتها، ثم حبست نفسک إلي معاوية وبعت دينک بدنياه، فلسنا نلومک علي بغض، ولا نعاتبک علي ود، وبالله ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت له مقتولا.

قال أبوعمر في «الاستيعاب» في ترجمة عبدالله بن سعيد بن أبي سرح: کان عمرو ابن العاصي يطعن علي عثمان ويؤلب عليه ويسعي في إفساد أمره، فلما بلغه قتل عثمان وکان معتزلا بفلسطين قال: إني إذا نکأت قرحة أدميتها أو نحو هذا. وقال في ترجمة محمد بن أبي حذيفة: کان عمرو بن العاص مذ عزله عثمان عن مصر يعمل حيلة في التأليب والطعن علي عثمان.

وفي الاصابة 381:3: إن عثمان لما عزل عمرو بن العاص عن مصر قدم المدينة فجعل يطعن علي عثمان، فبلغ عثمان فزجره، فخرج إلي أرض له بفلسطين فأقام بها.

قال الاميني: لعل مما يستغني عن الافاضة فيه مناوءة ابن العاصي لعثمان ورأيه في سقوطه، وتبجحه بالتأليب عليه، ومسرته علي قتله، وقوله بملافمه: أنا أبوعبدالله قتلته

[صفحه 139]

وأنا بوادي السباع. وقوله: إني إذا نکأت قرحة أدميتها. وهل الاحن بينهما استفحلت فتأثرت بها نفسية ابن العاصي حتي انه اجتهد فأخطأ. أو انه أصاب الحق، فکان اجتهاده عن مقدمات صحيحة مقطوعة عن الضغائن الثائرة، معتضدة بآراء الصحابة، و أياما کان فهو عند القوم من أعاظم الصحابة العدول يري في الخليفة هذا الرأي.



صفحه 136، 137، 138، 139.





  1. ليت شعري ما مکانة من الشرف ان کان يفضل عليه العاصي الساقط المشرف بقوله تعالي: «ان شانئک هو الابتر» کما مر تفصيله في الجزء الثاني ص 120 ط 2.
  2. تاريخ الطبري 108:5 و 203، الانساب للبلاذري 74:5، الامامة والسياسة 42:1، الاستيعاب ترجمة عبدالله بن سعد بن أبي سرح، شرح ابن أبي الحديد 63:1، وأوعز اليه ابن کثير في تاريخه 170:7 بصورة مصغرة جريا علي عادته فيما لا يروقه.
  3. ما عذر الخليفة في هذا الکذب الفاحش علي منبر النبي الاعظم وهو بين يدي قبره الشريف لعله يعتذر بأن مروان حثه عليه ولم يکن له منتدح من قبول أمره، والملک عقيم.
  4. النهابير والنهابر: المهالک: الواحدة: نهبرة ونهبور.