حديث المقداد ابن الاسود الكندي











حديث المقداد ابن الاسود الکندي



فارس يوم بدر.

قال اليعقوبي في تاريخه 140:2 في بيعته عثمان واستخلافه: مال قوم مع علي

[صفحه 115]

ابن أبي طالب، وتحاملوا في القول علي عثمان، فروي بعضهم قال: دخلت مسجد رسول الله فرأيت رجلا جاثيا علي رکبتيه يتلهف تلهف من کأن الدنيا کانت له فسلبها وهو يقول: واعجبا لقريش ودفعهم هذاالامر علي أهل بيت نبيهم، وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله، أعلم الناس وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناءا في الاسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الظاهر النقي، وما أرادوا إصلاحا للامة، ولا صوابا في المذهب، ولکنهم آثروا الدنيا علي الآخرة، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين.

فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمک الله ومن هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو وهذا الرجل علي بن ابي طالب، قال فقلت: ألا تقوم بهذا الامر بهذا فاعينک عليه؟ فقال: يا ابن أخي إن هذاالامرلا يجزي فيه الرجل ولاالرجلان، ثم خرجت فلقيت أباذر فذکرت له ذلک، فقال: صدق أخي المقداد، ثم أتيت عبدالله بن مسعود فذکرت ذلک له، فقال لقد أخبرنا فلم نأل.

وذکرابن عبدربه في العقد 260:2 في حديث بيعة عثمان: فقال عمار بن ياسر (لعبدالرحمن): إن أردت أن لايختلف المسلمون؟ فبايع عليا، فقال المقدادبن الاسود: صدق عمارإن بايعت عليا قلنا: سمعنا وأطعنا. قال ابن ابي سرح: إن أردت أن لا تختلف قريش؟ فبايع عثمان، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا. فشتم عمار إبن أبي سرح وقال: متي کنت تنصح المسلمين؟ فتکلم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار: ايها الناس إن الله أکرمنا بنبينا وأعزنا بدينه، فأني تصرفون هذا الامر عن بيت نبيکم؟ فقال له رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورک يابن سمية، وما أنت وتأمير قريش لانفسها؟ فقال سعد بن أبي وقاص: أفزع قبل أن يفتتن الناس، فلاتجعلن أيها الرهط علي أنفسکم سبيلا. ودعا عليا فقال: عليک عهدالله وميثاقه لتعملن بکتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخليفتين من بعده، قال: أعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ثم دعا عثمان فقال: عليک عهدالله وميثاقه لتعملن بکتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخليفتين من بعده. فقال: نعم. فبايعه فقال علي حبوته محاباة ليس ذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا، أما والله ما وليت عثمان إلا ليرد الامراليک، والله کل يوم هو في شأن. فقال عبدالرحمن: يا علي لا تجعل علي نفسک

[صفحه 116]

سبيلا فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان أحدا، فخرج علي و هو يقول: سيبلغ الکتاب أجله، قال المقداد: أما والله لقد ترکته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال: يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلمين. قال: لئن کنت أردت بذلک الله فأثابک الله ثواب المحسنين. ثم قال المقداد: مارأيت مثل ما اوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم، ولا أقضي منهم بالعدل، ولا أعرف بالحق، أما والله لو أجد أعوانا. قال له عبدالرحمن: يا مقداد اتق الله فاني أخشي عليک الفتنة. وأخرج الطبري نحوه في تاريخه 37:5، وذکره ابن الاثير في الکامل 30 و 29:3، وابن أبي الحديد في شرح النهج 65:1.

وفي لفظ المسعودي في المروج 440:1: فقام عمار في المسجد فقال: يا معشر قريش أما إذا صرفتم هذا الامر عن أهل بيت نبيکم ههنامرة وههنامرة فما أنا بآمن أن ينزعه الله فيضعه في غيرکم کما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله، وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ماأوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم. فقال له عبدالرحمن بن عوف: وما أنت وذاک يا مقدادبن عمرو؟ فقال: إني والله لاحبهم بحب رسول الله صلي الله عليه واله وسلم وإن الحق معهم وفيهم يا عبدالرحمن أعجب من قريش- وأنت تطولهم علي الناس أهل هذا البيت- قد اجتمعوا علي نزع سلطان رسول الله صلي الله عليه وسلم بعده من أيديهم، أما وأيم الله يا عبدالرحمن! لوأجدعلي قريش أنصار لقاتلتهم کقتالي إياهم مع رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم بدر. وجري بينهم من الکلام خطب طويل قد أتينا ذکره في کتابنا أخبار الزمان في اخبار الشوري والدار.

ومر في هذا الجزء ص 17: أن المقداد أحد الجمع الذين کتبوا کتابا عددوا فيه أحداث عثمان وخوفوه ربه وأعلموه انهم مواثبوه إن لم يقلع راجع حديث البلاذري المذکور.

قال الاميني: لعلک تعرف المقداد ومبلغه من العظمة، ومبوأه من الدين، ومثواه من الفضيلة، قال أبوعمر: کان من الفضلاء النجباء الکبار الخيار هاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد کلها، أول من حارب فارسا في الاسلام. کان فارسا يوم بدر، ولم يثبت انه کان فيها علي فرس غيره، وهو عند القوم أحد السبعة الذين أظهروا الاسلام، وأحد

[صفحه 117]

النجباء الاربعة عشر وزراء رسول الله ورفقائه[1] سماه رسول الله صلي الله عليه وآله أو اباکما في حديث أخرجه أبوعمر في «الاستيعاب».

وأني يسع للباحث أن يستکنه ما لهذا الصحابي العظيم من الفضائل أو يدرک شأوه وبين يديه قول رسول الله صلي الله عليه وآله في الثناء عليه: إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي. والمقداد. وأبوذر. وسلمان[2] .

وقوله صلي الله عليه وآله: إن الجنة تشتاق إلي أربعة: علي. وعمارو سلمان. والمقداد أخرجه ابونعيم في حلية الاولياء 142:1.

فهذاالرجل الديني الذي يحبه الله ويأمر نبيه صلي الله عليه وآله بحبه کان ناقما علي الخليفة واجدا علي خلافته من أول يومه، متلهفا علي استخلافه تلهف من کأن الدنيا کانت له فسلبها، وکان يثبط الناس ويخذ لهم عنه، ويري إمراته إمرا من الامر وإدا، يعتقدها ظلما علي أهل بيت العصمة، ويستنجد أعوانا يقاتل بهم مستخلفيه کقتاله إياهم يوم بدر، هذا رأيه في عثمان من يوم الشوري قبل بوائقه، فکيف بعد ما شاهد منه من هنات وهنات.



صفحه 115، 116، 117.





  1. مستدرک الحاکم 349 و 348:3، الاستيعاب 289:1، اسد الغابة 410:4، الاصابة 455:3.
  2. أخرجه الترمذي في جامعه، وابوعمر بن الاستيعاب 290:1، وذکره ابن الاثير في اسد الغابة 410 و 4، وابن حجر في الاصابة 455:3.