رحلة كشاجم











رحلة کشاجم



غادر المترجم بيئة نشأته (الرملة) إلي الاقطار الشرقية، وساح في البلاد، ورحل رحلة بعد أخري إلي مصر وحلب والشام والعراق، وکان کما کان في قصيدته التي يمدح بها إبن مقلة بالعراق:


هذا علي أنني لا أستفيق ولا
أفيق من رحلة في إثرها رحله


وما علي البدر نقص في إضاءته
أن ليس ينفک من سيرو من نقله


وقال وهو في مصر:

قد کان شوقي إلي مصر يؤرقني
فاليوم عدت وغادت مصر لي دارا


أغدو إلي الجيزة الفيحاء مصطحبا[1] .
طورا وطورا ارجي السير أطوارا


بينا أسامي رئيسا في رياسته
اذرحت أحسب في الحانات خمارا


فللدواوين اصباحي ومنصرفي
إلي بيوت دمي يعلمن أوتارا


أما الشباب فقد صاحبت شرته
وقد قضيت لبانات وأوطارا

[صفحه 14]

من شادن من بني الاقباط يعقدما
بين الکثيب وبين الخضر زنارا


وکأنه في بعض آناته يري نفسه بين مصر والعراق، ويتذکر أدواره فيهما، و ما ناله في سفره إليهما من سراء أو ضراء، أو شدة أو رخاء، وما حظي من الاهلين من النعمة والنقمة، والاکبار والاستحقار، فيمدح هذا ويذم ذلک فيقول:


يا هذا قلت فاسمعي لفتي
في حاله عبرة لمعتبره


أمرت بالصبر والسلو ولو
عشقت ألفيت غير مصطبره


من مبلغ إخوتي؟ وإن بعدوا
إن حياتي لبعدهم کدره


قد همت شوقا إلي وجوههم
تلک الوجوه البهية النضره


أبناء ملک علاهم بهم
علي العلا والفخار مفتخره


ترمي بهم نعمة تزينها
مروءة لم تکن تري نزره


ما أنفک ذا الخلق بين منتصر
علي الاعادي بهم ومنتصره


جبال حلم بدور أنذية
أسد وغي في الهياج مبتدره


بيض کرام الفعال لا بخل الا
يدي وليست من الندي صفره


للناس منهم منافع ولهم
منافع في الانام مشتهره


متي أراني بمصر جارهم
نسبي بها کل غادة خضره


والنيل مستکمل زيادته
مثل دروع الکماة منتثره


تغدو الزواريق فيه مصعدة
بنا وطورا تروح منحدره


والراح تسعي بها مذکرة
أردانها بالعبير مختمره


بکران لکن لهذه مائة
وتلک ثنتان وثنتا عشره


ياليتني لم أر العراق ولم
أسمع بذکر الاهواز والبصره


ترفعني تارة وتخفضني
أخري فمن سهلة ومن وعره


فوق ظهر سلهبة[2] .
قطانها والبدار مغتفره


وتارة في الفرات طامية
أمواجه کالخيال معتکره


حتي کأن العراق تعشقني
أو طالبتني يد النوي بتره

[صفحه 15]

وکان يجتمع في رحلاته مع الملوک والامراء والوزراء ويحظئ بجوائزهم، و يستفيد من صلاتهم، ويتصل بمشيخة العلم والحديث والادب، ويقرأ عليهم

ويسمع عنهم، ويأخذ منهم، وجرت بينه وبينهم محاضرات ومناظرات ومکاتبات، إلي أن تضلع في العلوم، وحاز قصب السبق في فنون متنوعة، وتقدم في الکتابة والخطابة، وحصل له من کل فن حظه الاوفي، ونصيبه الاعلي حتي عرفه المسعودي في مروج الذهب 2 ص 523 بأنه کان من أهل العلم والرواية والادب.



صفحه 14، 15.





  1. ألجيزة بليدة في غربي فسطاط مصر.
  2. السلهبة الجسيمة.