ترجمة مهيار الديلمي
أما شعره في المذهب فبرهنة وحجاج فلا تجد فيه إلا حجة دامغة، أو ثناء [صفحه 239] صادقا، أو تظلما مفجعا، ولعل هذه هي التي حدت أصحاب الاحن إلي إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة کما يحق له، فبخست حقه المعاجم، فلم تأت عند ذکره إلا بطفائف هي دون بعض ما يجب له، غير أن حقيقة فضله أبرزت نفسها، ونشرت ذکره مع مهب الصبا، فأين ما حللت لا تجد للمهيار إلا ذکرا وشکرا وتعظيما و تبجيلا، وعلي ضوء أدبه وکماله يسير السائرون. ولعمر الحق ان من المعاجز أن فارسيا في العنصر يحاول قرض الشعر العربي فيفوق أقرانه ولا يتأتي لهم قرانه، ويقتدي به عند الورد والصدر، ولا بدع أن يکون من تخرج علي أئمة العربية من بيت النبوة وعاصرهم وآثر ولائهم واقتص أثرهم کالعلمين الشريفين المرتضي والرضي وشيخهما شيخ الامة جمعاء (المفيد) و نظرائهم أن يکون هکذا، ألا تاهت الظنون، وأکدت المخائل في الحط من کرامة الرجل بتقصير ترجمته، أو التقصير في الابانة عنه، أو التحامل عليه بمخرقة، و الوقيعة فيه برميه بما يدنس ذيل أمانته کما فعل إبن الجوزي في (المنتظم)فجدع أرنبته باختلاق قضية مکذوبة عليه، ورماه بالغلو، وحاشاه عن کل ذلک، إن يقولون إلا کذبا. فهذا مهيار بأدبه الباذخ، وفضله الشامخ، وعرفه الفائح، ونوره الواضح، و مذهبه العلوي، وقريضه الخسرواني، قد طبق العالم ثناء وإطراء ومکرمة وجلالة، وما يضره أمسه إن کان مجوسيا فارسيا فيه، وها هو في يومه مسلم في دينه، علوي في مذهبه، عربي في أدبه، وها هو يحدث شعره عن ملکاته الفاضلة، ويتضمن ديوانه آثار نفسياته الکريمة، وخلد له ذکري مع الابد، فهل أبقي (أبوالحسن مهيار) ذروة من الشرف لم يتسنمها؟ أو صهوة من النبوغ لم يمتطها؟ ولو کان يؤاخذ بشئ من ماضيه لکان من الواجب مؤاخذة الصحابة الاولين کلهم علي ماضيهم التعيس غير أن الاسلام يجب ما قبله، فتراه يتبهج بسودد عائلته المالکة التي هي أشرف عائلات فارس، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله أعجبت بي بين نادي قومها سرها ما علمت من خلقي [صفحه 240] لا تخالي نسبا يخفضني قومي استولوا علي الدهر فتي عمموا بالشمس هاماتهم وأبي کسري[3] علي أيوانه سورة الملک القدامي وعلي قد قبست المجد من خير أب وضممت الفخر من أطرافه أسلم المترجم علي يد سيدنا الشريف الرضي سنة 394-2[4] وتخرج عليه في الادب والشعر وتوفي ليلة الاحد لخمس خلون من جمادي الثانية سنة 428، ولم أقف علي خلاف في تارخ وفاته في الکتب المعاجم التي توجد فيها ترجمته منها تاريخ بغداد 13 ص 276، ألمنتظم ج 8 ص 94، تاريخ إبن خلکان 2 ص 277، مرآة اليافعي 3 ص 47، دمية القصر ص 76، تاريخ إبن کثير 12 ص 41، کامل إبن الاثير 9 ص 159، تاريخ أبي الفدا 2 ص 168، أمل الآمل لشيخنا الحر، روض المناظر لابن شحنة، أعلام الزرکلي 3 ص 1079، شذرات الذهب 3 ص 247، تاريخ آداب اللغة 2 ص 259، نسمة السحر فيمن تشيع وشعر، دائرة المعارف لفريد وجدي 9 ص 484، سفينة البحار 2 ص 563 مجلة المرشد 2 ص 85.
أبوالحسن[1] مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي نزيل درب رياح بالکرخ هو أرفع راية للادب العربي منشورة بين المشرق والمغرب، وأنفس کنز من کنوز الفضيلة، وفي الرعيل الاول من ناشري لغة الضاد، وموطدي اسسها، ورافعي علاليها، ويده الواجبة علي اللغة الکريمة ومن يمت بها وينتمي إليها لا تزال مذکورة مشکورة يشکرها الشعر والادب، تشکرها الفضيلة والحسب، تشکرها العروبة والعرب، و أکبر برهنة علي هذه کلها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الاربعة الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه، فهو يکاد في قريضه يلمسک حقيقة راهنة مما ينضده، ويذر المعني المنظوم کأنه تجاه حاستک الباصرة، ولا يأتي إلا بکل اسلوب رصين، أو رأي صحيف، أو وصف بديع، أو قصد مبتکر، فکان مقدما علي أهل عصره مع کثرة فحولة الادب فيه، وکان يحضر جامع المنصور في أيام الجمعات ويقرأ علي الناس ديوان شعره[2] ولم أر الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في دمية القصر ص 76 هو شاعر له في مناسک الفضل مشاعر، وکاتب تحت کل کلمة من کلماته کاعب، وما في قصائده بيت يتحکم عليه بلو وليت، وهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.
أم سعد فمضت تسأل بي
فأرادت علمها ما حسبي
أنا من يرضيک عند النسب
ومشوا فوق الرؤوس الحقب
وبنوا أبياتهم بالشهب
أين في الناس أب مثل أبي؟
شرف الاسلام لي والادب
وقبست الدين من خير نبي
سودد الفرس ودين العرب
صفحه 239، 240.