ترجمة ابي محمد الصوري











ترجمة ابي محمد الصوري



أبومحمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب[1] بن غلبون الصوري من حسنات القرن الرابع ونوابغ رجالاته، وقد مد له البقاء إلي اوليات القرن الخامس، جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعني، کما إنه لا تعدوه رقة الغزل وشدة الجدل، فهو عند الحجاج يدلي بحجته القويمة، وعند الوصف لا يأتي إلا بصورة کريمة، و ديوان شعره المحتوي علي خسمة آلاف بيت تقريبا الحافل بالرقايق والحقايق يتکفل البرهنة علي هذه الدعاوي، وهو نص في تشيعه کما عده إبن شهراشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين، وما ذکرناه من شعره يمثل روحه المذهبية، ونزعته الطائفية الحميدة، وتعصبه لآل البيت النبوي، واعترافه بحقهم الثابت، ونبذه ما وراء ذلک نبذا لا مرتجع إليه، وفي ديوانه غير ما ذکرناه شواهد وتلويحات لطيفة نحو قوله في صبي اسمه عمر


نادمني من وجهه روضة
مشرقة يمرح فيه النظر


فانظر معي تنظر إلي معجز
سيف علي بين جفني عمر


وقد ترجمه إبن أبي شبانة في تکملة أمل الآمل وهو لا يترجم إلا المتمسک

[صفحه 226]

بحجزة أهل البيت الطاهر، وترجمه الثعالبي في (يتيمة الدهر) ج 1 ص 257 وذکر من شعره 225 بيتا، وأثني عليه وانتخب من ديوانه أبياتا في تتميم (يتيمته) ج 1 ص 35 وعقد إبن خلکان له ترجمة ضافية أطراه ووصف شعره في ج 1 ص 334، و قال توفي يوم الاحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة وعمره ثمانون أو أکثر، وذکره إبن کثير في تاريخه ج 12 ص 25، ومن شعره في أهل البيت صلوات الله عليهم


توق إذا ما حرمة العدل جلت
ملامي لتقضي صبوتي ما تمنت


أغرک إن لم تستفزک لوعة
بقلبي ولا استبکاک بين بمقلتي


لک الخير هذا حين شئت تلومني
لجاجا فإلا لمت أيام شرتي


غداة اجيب العيس إذ هي حنت
وأحدو إذا ورق الحمايم غنت


وأنتهب الايام حتي کأنني
ادافع من بعد الحلول منيتي


واستصغر البلوي لمن عرف الهوي
واستکثر الشکوي وإن هي قلت


اطيل وقوفي في الطلول کأنني
احاول منها أن ترد تحيتي


ليالي ألقي کل مهضومة الحشي
إذا عدلت فيما جناه تجنت


أصد فيدعوني إلي الوصل طرفها
وإن أنا سارعت الاجابة صدت


وإن قلت سقمي وکلت سقم طرفها
بإبطال قولي أو بإدحاض حجتي


و إن سمعت وانار قلبي شناعة
عليها أجابتني بوانار وجنتني


وأصرف همي عن هواها بهمتي
عزوفا فتثنيني إذا ما تثنت


وانشد بين البين والهجر مهجتي
ولم أدر في أي السبيلين ضلت


وما أحسب الايام أيام هجرها
تطاولني إلا لتقصر مدتي


دعوا الامة اللاتي استحلت تکن
مع الامة اللاتي بغت فاستحلت


فما يقتدي إلا بها في اغتصابها
ولا أقتدي إلا بصبر أئمتي


أليس بنو الزهراء أدهي رزية
عليکم إذا فکرتم في رزيتي


حماتي إذا لانت قناتي وعدتي
إذا لمن تکن لي عدة عند شدتي


أقامت لحرب الله حزب أئمة
إذا هي ضلت عن سبيل أضلت


قلوب علي الدين العتيق تألفت
لهم ومن الحق القديم استملت

[صفحه 227]

بما ذا تري تحتج ياآل أحمد
علي أحمد فيکم إذا ما استعدت؟


وأشهر ما يروونه عنه قوله
ترکت کتاب الله فيکم وعترتي


ولکن دنياهم سعت فسعوا لها
فتلک التي فلت ضميرا عن التي


وله في أهل البيت سلام الله عليهم


أصبحوا يفرقون من افراقي
فاستغاثوا في نکستي بالفراق


ما صبرتم لقد بخلتم علي المدنف
حقا حتي بطول السياق


راحة ما اعتمدتموها بقتلي
رب خير أتي بغير اتفاق


سوف أمضي وتلحقون ولا علم
لکم ما يکون بعد اللحاق


حيث لا يجمع القضية من يجمع
بين الخصمين ماض وباق


ما لهم لا خلقت فيهم فما أغفل
قومي عن الدم المهراق؟


رب ظهر قلبته مثل ما يقلب
ظهر المجن للارشاق


بعد ما قادني فلم أدر حتي
صرت ما بين ملتقي الاحداق


وأراني أسير عينيک منهن
فماذا تراه في إطلاقي؟


مسة من هواک بي لامن الجن
فهل من مغرم أو راق؟


غير أن يبرد احتراقي بوصل
أو بوعد أو أن يبل اشتياقي


أو يعيد الکري علي کما کان
لا موحشي من خيالک الطراق


ما لنومي کأنه کان في
أول دمعي جري من الآماق؟


غير مسترجع فيرجي وهل ير
جع للعين أدمع في سباق؟


بأبي شادن توثقت بالايما
ن منه قبل شد وثاقي


فهو إلا يکن لحرب فحرب
علمته خيانة الميثاق


نفر من امية نفر الاسلام
من بينهم نفور إباق


أنفقوا في النفاق ما غصبوه
فاستقام النفاق بالانفاق


وهي دار الغرور قصر باللو
م فيها تطاول العشاق


وأراها لا تستقيم لذي الزهد
إذ المال مال بالاعناق


فلهذا أبناء أحمد أبناء علي
طرايد الآفاق

[صفحه 228]

فقراء الحجاز بعد الغني الاکبر
أسري الشام قتلي العراق


جانبتهم جوانب الارض حتي
خلت أن السماء ذات انطباق


إن اقصر يا آل أحمد أو أغر
ق کان التقصير کالاغراق


لست في وصفکم بهذا وهذا
لا حقا غير أن تروا إلحاقي


إن أهل السماء فيکم وأهل الا
رض ما دامتا لاهل افتراق


عرفت فضلکم ملائکة الله
فدانت وقومکم في شقاق


يستحقون حقکم زعموا ذلک
سحقالهم من استحقاق


وأري بعضهم يبايع بعضا
بانتظام من ظلمکم واتساق


واستثاروا السيوف فيکم فقمنا
نستثير الاقلام في الاوراق


أي عين؟ لولا القيامة والمر
جو فيها من قدرة الخلاق


فکأني بهم يودون لو أن الخ
الي من الليالي البواقي


ليتوبوا إذا يذادون عن أکر
م حوض عليه أکرم ساق


وإذا ما التقوا تقاسمت النار
عليا بالعدل يوم التلاق


قيل هذا بما کفرتم فذوقوا
ما کسبتم يابؤس ذاک المذاق


وقال في يوم عاشورا يمدح الامام الحاکم بأمر الله


خلا طرفه بالسقم دوني يلازمه
إلي أن رمي سهما فصرت اساهمه


فأصبح بي ما لست أدري أمثله
بجفنيه؟ أم لا يعدل السقم قاسمه؟


لئن کان أخفي الصدر صدا من الجوي
ففي العين عنواناته وتراجمه


ولم تخفه إن الهوي خف حمله
ولکن لان النوم ليس يلايمه


ويا رب ليل قصر الذکر طوله
فما طلعت حتي تجلت غمائمه


وما نمت فيه غير أن لو سألتني
عن الشغل عنه قلت ما قال نائمه


ولکنه ألقي علي الصبح لونه
فوالاه يوم شاحب الوجه ساهمه


کما جاء يوم في المحرم واحد
خبا نوره لما استحلت محارمه


طغت عبد شمس فاستقل محلقا
إلي الشمس من طغيانها متراکمه


فمن مبلغ عني امية إنني
هتفت بما قد کنت عنها اکاتمه؟

[صفحه 229]

مضت أعصر معوجة باعوجاجکم
فلا تنکروا إن قوم الدهر قايمه


وجدد عهد المصطفي بعض أهله
وحکم في الدين الحنيفي حاکمه


فيا أيها الباکون مصرع جده
دعوا جده تبکي عليه صوارمه


ألا أيها الثکلي التي من دموعها
إذا هي حيت من قتيل جماجمه


لقد خسر الدارين من صد وجهه
فلا أنت مبقيه ولا الله راحمه


حريصا علي نار الجحيم کأنه
يخاف علي أبوابها من يزاحمه


إلي من تراه فوض الامر غيرکم
إذا أنتم أرکانه ودعائمه


فيا لک منها دولة علوية
تبدت بسعد حاکم الدهر خاتمه


(ألقصيدة)

وله قوله


بالذي ألهم تعذيبي ثناياک العذابا
والذي ألبس خديک من الورد نقابا


والذي أودع في فيک من الشهد شرابا
والذي صير حظي منک هجرا واجتنابا


ما الذي قالته عيناک لقلبي فأجابا؟
والذي قالته للدمع فواراها انصبابا؟


ياغزالا صاد باللحظ لقلبي فأصابا
عمرک الله بصب لا يري إلا مصابا


هذه الابيات توجد في ديوان المترجم فنسبتها إلي (الصنوبري) کما في کشکول البهائي ج 1 ص 23 في غير محله، وأخذ البهائي منها قوله


يا بدر دجا فراقه القلب أذاب
مذ ودعني فغاب صبري اذغاب


بالله عليک أي شئ قالت
عيناک لقلبي المعنا فأجاب؟


وللمترجم الصوري


سفرن بدورا وانتقبن أهلة
ومسن غصونا والتفتن جواذرا


وأبدين أطراف الشعور تسترا
فأغدرت الدنيا علينا غدايرا


وربتما أطلعن والليل مقبل
شموس وجوه توفف الليل حايرا


فهن إذا ما شئن أمسين أو إذا
تعرضن أن يسبحن کن قوادرا


وقال يرثي شيخ الامة إبن المعلم أبا عبدالله محمد بن محمد بن نعمان المفيد المتوفي 413

[صفحه 230]

تبارک من عم الانام بفضله
وبالموت بين الخلق ساوي بعدله


مضي مستقلا بالعلوم محمد
وهيهات يأتينا الزمان بمثله


جاء في (بدائع البداية)[2] باسناده عن بکار بن علي الرياحي انه قال لما وصل عبد المحسن الصوري إلي دمشق جاءني المجدي الشاعر فعرفني به وقال هل لک أن نمضي إليه ونسلم عليه؟ فأجبت وقمت معه حتي أتينا إلي منزله وکان ينزل دائما إذا قدم في سوق القمح وکان بين يديه دکان قطان وفيها رجل أعمي فوقفت به عجوز کبيرة فکلمها بشئ وهي منصتة له فقال المجدي في الحال


منصتة تسمع ما يقول

فقال عبد المحسن في الحال[3] کالخلد لما قابلته الغول

فقال له المجدي أحسنت والله يا أبا محمد أتيت بتشبيهين في نصف بيت اعيذک بالله اه. ومن لطيف د قول الصوري ما قاله وقد استعير منه کتاب وحبس عليه کما يوجد في ديوانه


ماذا جناه کتابي فاستحق به
سجنا طويلا وتغييبا عن الناس


فاطلقه نسأله عما کان حل به
في طول سجنک من ضر ومن باس


کتب الشاعر المفلق أحمد بن سلمان
الفجري إلي عبد المحسن الصوري


أعبد المحسن الصوري لم قد
جثمت جثوم منهاض کسير؟


فإن قلت العبالة[4] أقعدتني
علي مضض وعافت عن مسيري


فهذا البحر يحمل هضب رضوي
ويستثني برکن من ثبير


وأن حاولت سير البر يوما
فلست بمثقل ظهر البعير


إذا استحلي أخوک قلاک يوما
فمثل أخيک موجود النظير


تحرک عل أن تلقي کريما
تزول بقربه إحن الصدور


فما کل البرية من تراه
ولا کل البلاد بلاد صور

[صفحه 231]

فأجابه عبدالمحسن


جزاک الله عن ذا النصح خيرا
ولکن جاء في الزمن الاخير


وقد حدت لي السبعون حدا
نهي عما أمرت من المسير


ومذ صارت نفوس الناس حولي
قصارا عذت بالامل القصير[5] .


و قال في صبي اسمه مقاتل وله فيه شعر کثير


تعلمت وجنته رقية
لعقرب الصدع فما تلسع


صمت عن العاذل في حبه
اذني فمالي مسمع يسمع


ودعته والدمع في مقلتي
في عبرتي مستعجل مسرع


فظن إذ أبصرتها أنها
ساير أعضائي بها تدمع


وقال هذا قبل يوم النوي
فما تري بعد النوي تصنع؟


في غير وقت الدمع ضيعته
قلت فقلبي عندکم أضيع


وقال في مقاتل ايضا


احفظ فؤادي فأنت تملکه
واستر ضميري فأنت تهتکه


هجرک سهل عليک أصعبه
وهو شديد علي مسلکه


بسيف عينيک يا مقاتل کم
قتلت قبلي ممن کنت تملکه؟


أما عزائي فلست آمله
فيک وصبري ما لست أدرکه


وقال فيه وهو معذر


وقف اليل والنهار وقد کا
ن إذا ما أتي النهار يقر


لا يري رجعه فيکسب عارا
لا ولا ثم قوة فيفر


أين سلطان مقلتيک علينا؟
قل له ما يجوز في الحب سمر


أنت فرقت نار خديک حتي
کل قلب صب لها فيه جمر


فبماذا يلقي عذاريک؟ قل لي
سيما أن تدارک الشعر شعر


وعزيز علي إنک بالحرب و
بالسلم طول عمرک غر


وخلف المترجم علي أدبه الجم وقريضه البديع ولده عبد المنعم ذکره الثعالبي

[صفحه 232]



صفحه 226، 227، 228، 229، 230، 231، 232.





  1. في تتميم يتيمة الدهر ج 1 ص 35 طالب وهو تصحيف.
  2. وذکره ابن عساکر في تاريخه ج 3 ص 281.
  3. في تاريخ ابن عساکر کالحلد وهو کما تري.
  4. العبالة الضخامة.
  5. راجع ديوانه، وذکرها الثعالبي في يتيمة الدهر 1 ص 269.