شعر ألشريف الرضي وشاعريته











شعر ألشريف الرضي وشاعريته



من الواضح ان الواقف علي نفسيات سيدنا الشريف (المترجم) ومواقفه العظيمة من العلم والسودد والمکانة الرفيعة يري الشعر دون قدر الشريف، ويجد نفسه أعلا من أنفس الشعراء وأرفع، ويري الشعر لا يمهد لشريف کيانا علي کيانه، و لا يأثر في ترفعه وشممه، ولا يولد له العظمة، ولا يأخذ بضبعه إلي التطول، وقد نظم وشعر في صباه وهو لم يبلغ عمره عشر سنين، ومن شعره في صباه وله عشر سنين قوله من قصيدة

[صفحه 201]

ألمجد يعلم أن المجد من أربي
ولو تماديت في غي وفي لعب


إني لمن معشر إن جمعوا لعلي
تفرقوا عن نبي أو وصي نبي


إذا هممت ففتش عن شبا هممي
تجده في مهجات الانجم الشهب


وإن عزمت فعزمي يستحيل قذي
تدمي مسالکه في أعين النوب


ومعرک صافحت أيدي الحمام به
طلي الرجال علي الخرصان من کثب


حلت حباها المنايا في کتائبه
بالضرب فاجتثت الاجساد بالقضب


تلاقت البيض في الاحشاء فاعتنقت
والسمهري من الماذي واليلب[1] .


بکت علي الارض دمعا من دمائهم
فاستعربت من ثغور النور والعشب


ويحدثنا شعره أنه ما کان يعد الشعر لنفسه فضيلة ومأثرة بل کان يتخذه وسيلة إلي غرضه فيقول


وما الشعر فخري ولکنما
أطول به همة الفاخر


انزهه عن لقاء الرجال
واجعله تحفة الزائر


فما يتهدي إليه الملو
ک إلا من المثل السائر


وإني وإن کنت من إهله
لتنکر في حرفة الشاعر


ويقول


وما قولي الاشعار إلا ذريعة
إلي أمل قد آن قود جنيبه


وإني إذا ما بلغ الله غاية
ضمنت له هجر القريض وحوبه


ويقول


مالک ترضي أن يقال شاعر؟
بعدا لها من عدد الفضايل


کفاک ما أروق من أغصانه
وطال من أعلامه الاطاول


فکم تکون ناظما وقائلا
وأنت غب القول غير فاعل؟


وهو في شعره يري نفسه أشعر الامم تارة، ويري شعره فوق شعر البحتري ومسلم بن الوليد اخري، ويتواضع طورا ويجعل نفسه زميل الفرزدق أو جرير، ويري نفسه ضريبا لزهير، ومرة يتفوه بالحق وينظر إلي شعره بعين الرضا ويري کلامه

[صفحه 202]

فوق کلام الرجال، وقد أجمع الاکثرون إنه أشعر قريش قال الخطيب البغدادي في تاريخه 2 ص 246 سمعت أبا عبدالله محمد بن عبدالله الکاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ وکان أحد الرؤساء يقول سمعت جماعة من أهل العلم بالادب يقولون ألرضي أشعر قريش فقال إبن محفوظ هذا صحيح وقد کان في قريش من يجيد القول إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مکثر فليس إلا الرضي.

وحمل الثناه علي أدبه وشعره کبقية مآثره وفضائله وملکاته الفاضلة متواترة في المعاجم يضيق عن جمعها المجال، فنضرب عنها صفحا روما للاختصار، ونقتصر بذکر نبذة يسيرة، منها

1- قال النسابة العمري في (المجدي) إنه نقيب نقباء الطالبيين ببغداد وکانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للاهل وغيرة عليهم وعسف بالجاني منهم، وکان أحد علماء الزمان قد قرأ علي اجلاء الرجال وشاهدت له جزءا مجلدا من تفسير منسوب إليه في القرآن مليح حسن يکون بالقياس في کبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أکبر، وشعره أشهر من أن يدل عليه، وهو أشعر قريش إلي وقتنا، وحسبک أن يکون قريش في أولها الحرث بن هشام واعبلي وعمر بن أبي ربيعة، وفي آخرها بالنسبة إلي زمانه محمد بن صالح الموسوي الحسني، وعلي بن محمد الحماني[2] وإبن طباطبا الاصبهاني[3] .

2- قال الثعالبي في (اليتيمة) هو اليوم أبدع أبناء الزمان، وأنجب سادة العراق، يتحلي مع محتده الشريف، ومفخره المنيف، بأدب ظاهر، وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين من مضي منهم ومن غبر علي کثرة شعرائهم المفلقين کالحماني وإبن طباطبا وإبن الناصر وغيرهم، ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أجريه من ذکره شاهد عدل من شعره العالي القدح، الممنع عن القدح، الذي يجمع إلي السلاسة متانة، وإلي السهولة رصانة، ويشتمل علي معان يقرب جناها، ويبعد مداها، وکان أبوه يتولي نقابة نقباء

[صفحه 203]

الطالبيين ويحکم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الاعمال کلها إلي ولده الرضي سنة 388 وأبوه حي.

3- قال إبن الجوزي في (المنتظم) 7 ص 279 کان الرضي نقيب الطالبيين ببغداد حفظ القرآن في مدة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا وکان عالما فاضلا وشاعرا مترسلا، عفيفا عالي الهمة متدينا، اشتري في بعض الايام جزازا من إمرأة بخمسة دراهم فوجد جزءا بخط أبي علي بن مقلة فقال للدلال احضر المرأة فأحضرها فقال قد وجدت في الجزاز جزءا بخط إبن مقلة فإن أردت الجزء فخذيه وإن إخترت ثمنه فهذه خمسة دراهم فأخذتها ودعت له وانصرفت، وکان سخيا جوادا.

4- قال إبن أبي الحديد في شرح نهج البلاعة حفظ الرضي القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة في مدة يسيرة وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا، وکان عالما أديبا، وشاعرا مفلقا، فصيح النظم ضخم الالفاظ قادرا علي القريض، متصرفا في فنونه إن قصد الرقة في النسيب أتي بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الالفاظ في المدح وغيره أتي بما لا يشق فيه غباره، وإن قصد في المراثي جاء سابقا والشعراء منقطع أنفاسها علي اثره، وکان مع هذا مترسلا ذا کتابة، وکان عفيفا شريف النفس عالي الهمة مستلزما بالدين وقوانينه، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة حتي انه رد صلات أبيه.

5- قال الباخرزي في (دمية القصر) ص 69 له صدر الوسادة بين الائمة و السادة وأنا إذا مدحته کنت کمن قال لذکاء ما أنورک، ولحضارة ما أغررک، وله شعر إذا افتخر به أدرک من المجد أقاصيه، وعقد بالنجم نواصيه، وإذا نسب انتسب رقة الهواء إلي نسيبه، وفاز بالقدح المعلي في نصيبه، حتي إذا انشد الراوي غزلياته بين يدي الفرهاة، لقال له من العز هات، وإذا وصف فکأنه في الاوصاف أحسن من الوصائف والوصاف، وإن مدح تحيرت فيه الاوهام بين مادح وممدوح، له بين المتراهنين في الحلبتين سبق سابق مروح، وإن نثر حمدت منه الاثر، ورأيت هناک خرزات من العقد تنفض، وقطرات من المزن ترفض، ولعمري ان بغداد قد

[صفحه 204]

أنجبت به فبوأته ظلالها، وأرضعته زلالها، وأنشقته شمالها، وورد شعره دجلتها فشرب منها حتي شرق، وانغمس فيها حتي کاد يقال غرق، فکلما انشدت محاسنه تنزهت بغداد في نضرة نعيمها، واستنشقت من أنفاس الهجير بمراوح نسيمها.

6- قال الرفاعي في (صحاح الاخبار) ص 61 کان أشعر قريش وذلک لان الشاعر المجيد من قريش ليس بمکثر والمکثر ليس بمجيد والرضي جمع بين فضلي الاکثار والاجادة، وکان صاحب ورع وعفة وعدل في الاقضية وهيبة في النفوس.



صفحه 201، 202، 203، 204.





  1. الماذي الدرع اللينة السهلة والسلاح کله واليلب الدروع من الجلود.
  2. أحد شعراء الغدير في القرن الثالث مرت ترجمته ج 3 ص 57 -69.
  3. أحد شعراء الغدير في القرن الرابع مرت ترجمته ج ص 347 -340.