هجاؤه











هجاؤه



إخرج القرن الرابع شعراء هجائين قد اتخذ کل واحد منهم طريقة خاصة من فنون الهجاء، وکل فن مع هذه نوع فذ في الهجاء، يظهر ميزه متي قرن بالآخر ومنهم مکثر ومنهم من استقل، وشاعرنا من الفرقة الثانية، وله فن خاص من الهجاء کان يختاره ويلتزم به في شعره.

ولعلک تجده في فنه المختار مجلوب خلايقه الحسنة، ونفسياته الکريمة، وملکاته الفاضلة، فکأنه قد خمرت بها فطرته، ومزجت بها طينته، أو جرت منه الدم، واستولت علي روحه، وحکمت في کل جارحة منه، حتي ظهرت آياتها في هجاؤه النادر الشاذ، فيخيل إليک مهما يهجو أنه واعظ بار يخطب، أو نصوح يودد و يعاتب، أو مجادل دون حقه يجامل، لا أنه يغمز ويعيب، ويغيظ في الوقيعة ويناضل، ويثور ويثأر لنفسه، وتجده قد اتخذ الهجاء شکة دفاع له لا شکة هجوم، وتري کل هجاؤه خليا عن لهجة حادة، وسباب مقذع، عاريا عن قبيح المقال وخبث الکلام، بعيدا عن هتک مهجوه، ونسبته إلي کل فاحشة، وقذفه بکل سيئة، غير مستبيح ايذاء مهجوه، ولا مستحل حرمته، ولا مجوز عليه الکذب والتهمة، خلاف ما جرت العادة بين کثير من أدباء العصور المتقادمة، فعليک النظر إلي قوله في بعض أبناء رؤساء عصره وقد أنفذ إليه کتابا فلم يجبه عنه


هاقد کتبت فما رددت جوابي
ورجعت مختوما علي کتابي


وأتي رسولا مستکينا يشتکي
ذل الحجاب ونخوة البواب


وکأنني بک قد کتبت معذرا
وظلمتني بملامة وعتاب


فارجع إلي الانصاف وأعلم أنه
أولي بذي الآداب والاحساب


يا رحمة الله التي قد أصبحت
دون الانام علي سوط عذاب


بأبي وأمي أنت من مستجمع
تيه القيان ورقة الکتاب


وقوله الآخر في هجاء جماعة من الرؤساء:


عدمت رئاسة قوم شقوا
شبابا ونالوا الغني حين شابوا


حديث بنعمتهم عهدهم
فليس لهم في المعالي نصاب

[صفحه 10]

يرون التکبر مستصوبا
من الرأي والکبر لا يستصاب


وإن کاتبوا صارفوا في الدعاء
کأن دعاؤهم مستجاب


ومن لطيف شعره في الهجاء قوله:


إن مظلومة التي
زوجت من أبي عمر


ولدت ليلة الزفا
ف إلي بعلها ذکر


قلت من أين ذا الغلا
م وما مسها بشر ؟


قال لي بعلها ألم
يأت في مسند الخبر ؟


ولد المرأ للفرا
ش وللعاهر الحجر


قلت هنيته علي
رغم من أنکر الخبر



صفحه 10.