ترجمة ابن الحجاج البغدادي
[صفحه 91] وله في العلم قنن راسية، وقدم راسخة، غير أن انتشار أدبه الفائق، ومقاماته البديعة فيه، وتعريف الادباء إياه بأدبه الباهر، وقريضه الخسرواني، والثناء عليه بأنه ثاني معلميه کما في نسمة السحرأخفي صيت علمه الغزير، وغطي ذکره العلمي، ونحن نقوم بواجب الحقين جميعا. ينم عن مقامه الرفيع في العلوم الدينية وتضلعه فيها وشهرته في عصره بها توليه الحسبة[1] مرة بعد اخري في عاصمة العالم في ذلک اليوم ) بغداد (وهي من المناصب الرفيعة العلمية التي کانت تخص توليها في العصور المتقادمة بأئمة الدين، وزعماء الاسلام، وکبراء الامة، وهي کما قال الماوردي في الاحکام السلطانية 224 من قواعد الامور الدينية، وقد کان أئمة الصدر الاول يباشرونها.ه. (ألحسبة) هي الامر بالمعروف، والنهي عن المنکر بين الناس کافة وممن وليها ببغداد قبل المترجم ألفيلسوف الکبير أحمد بن الطيب السرخسي، صاحب التآليف القيمة في فنون متنوعة المقتول سنة 283، وتولاها بعد عزل المترجم عنها فقيه الشافعية وإمامها أبوسعيد الحسن بن أحمد الاصطخري المتوفي سنة 328، علي ما يقال کما في تاريخ إبن خلکان، ومرآة الجنان لليافعي وغيرهما، قال الماوردي في (الاحکام السلطانية) ص 209 فمن شروط والي الحسبة، أن يکون حرا، عدلا، ذا رأي وصرامة، وخشونة في الدين، وعلم بالمنکرات الظاهرة، واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعي هل يجوز له أن يحمل الناس فيما ينکره من الامور التي اختلف الفقهاء فيها علي رأيه واجتهاده أم لا؟ علي وجهين أحدهما وهو قول أبي سعيد الاصطخري ان له أن يحمل ذلک علي رأيه واجتهاده، فعلي هذا يجب علي المحتسب أن يکون عالما من أهل الاجتهاد في أحکام الدين ليجتهد رأيه فيما اختلس فيه اه. وقال رشيدالدين الوطواط المتوفي سنة 573 إن أولي الامور بأن تصرف أعنة العناية إلي ترتيب نظامه، وتقصر الهمم علي مهمة إتمامه، أمر يتعلق به ثبات الدين، ويتوقف عليه صلاح المسلمين، وهو أمر الاحتساب، فإن فيه تثبيت الزايغين [صفحه 92] عن الحق، وتأديب المنهمکين في الفسق، وتقوية أعضاد أرباب الشرع وسواعدها، وإجراء معاملات الدين علي قوانينها وقواعدها، وينبغي أن يکون متقلد هذا الامر موصوفا بالديانة، معروفا بالصيانة، معرضا عن مراصد الريب، بعيدا عن مواقف التهم والعيب، لابسا مدارع السداد، سالکا مناهج الرشاد (معجم الادباء) ج 19 ص 31. ففي تولية شاعرنا المترجم الحسبة مرة بعد اخري غني وکفاية عن سرد جمل الثناء علي علمه وفقهه وإطراء عدله ورأيه، واجتهاده في جنب الله وصرامته، وخشونته في الدين، ورشاده وسداده، وقد تولاها مرتين في بغداد مرة علي عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله کما سمعته من إبن خلکان واليافعي، واخري أقامه عليها عز الدولة في وزارة إبن بقية الذي استوزره عز الدولة سنة 362 وتوفي سنة 367 و قد کتب المترجم إليه في وزارته قصيدة أولها أيها ذا الوزير إن إنت أنصفت ويقول فيها ليت شعري ألست محتسب (أما أدبه) وهو کما أوعزنا إليه أحد نوابغ شعراء الشيعة، والمقدم بين کتابها، حتي قيل إنه کامرئ القيس في الشعر[2] لم يکن بينهما من يضاهيهما، و يقع ديوانه في عشر مجلدات، والغالب عليه العذوبة والانسجام، وتأتي المعاني البديعة في طريقته إلي ألفاظ سهلة، واسلوب حسن، وسبک مرغوب فيه، وفي (نسمة السحر) انه يعد المعلم الثاني، والمعلم الاول إما مهلهل بن وائل، أو إمرؤ القيس، إخترع منهجا لم يسبق إليه، وتبعه فيه الناس، ومن أتباعه أبوالرقعمق وصريع الدلاء. قال الثعالبي سمعت به من أهل البصيرة في الادب وحسن المعرفة بالشعر علي أنه فرد زمانه في فنه الذي شهر به وانه لم يسبق إلي طريقته، ولم يلحق شأوه في نمطه ولم ير کاقتداره علي ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه، مع سلاسة الالفاظ وعذوبتها وانتظامها في الملاحة والبلاغة اه. رتب ديوانه ألبديع الاسطرلابي هبة الله بن حسن المتوفي سنة 534 علي [صفحه 93] واحد وأربعين ومائة باب، وجعل کل باب في فن من فنون الشعر وسماه درة التاج في شعر إبن الحجاج[3] وهي محفوظة في باريس رقم 5913 وبها مقدمة لابن الخشاب النحوي. وللشريف الرضي إنتخاب ما استجوده من شعره سماه (ألحسن من شعر الحسين)[4] ورتبه علي الحروف، وکان ذلک في حياة المترجم، وله في ذلک شعر يوجد في المجلد الاخير من ديوانه وهو قوله أتعرف شعري إلي من ضوي ألي البدر حسنا إلي سيدي إلي من اعوذه کلما فتي کنت مسخا بشعري السخيف تأملته وهو طورا يصح فميز معوجه والردي وصحح أوزانه بالعروض وأرشده لطريق السداد وبين موقع کف الصناع فاقسم بالله والشيخ في لو أن زرادشت أصغي له وصادف زرع کلامي البليغ فما زال يسقيه ماء الطرا فلا زال يحيي وقلب الحسود له کبد فوق حمر الغضا قال الثعالبي إن ديوان شعره لا تنحط قيمته عن ستين دينارا لتنافسهم في ملحه ووفور رغبتهم فيه وقال وديوان شعره أسير في الآفاق من الامثال، وأسري [صفحه 94] من الخيال وذکر في اليتيمة شطرا مهما من فنون شعره في 62 صحيفة في الجزء الثالث. والغالب علي شعره الهزل والمجون، کأنهما لازما غريزته، ومطبوعا قريحته، وخمرتا طينته، وکان إذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملک أو هيبة أمير، و يأتي بما عنده غير مکترث للسامعين، فلا يستقبل منهم إلا عطفا وقبولا، کما أن جل شعره يعرب عن ولاءه الخالص لاهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.
أبوعبدالله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج النيلي البغدادي، أحد العمد والاعيان من علماء الطايفة، وعبقري من عباقرة حملة العلم والادب، و قد عده صاحب (رياض العلماء) من کبراء العلماء کما عده إبن خلکان وأبوالفدا من کبار الشيعة، والحموي في (معجم ادبائه) من کبار شعراء الشيعة، وآخر من فحول الکتاب، فالشعر کان أحد فنونه، کما أن الکتابة إحدي محاسنه الجمة،
وإلا فقم مع الجيران
الناس؟ فلم ليس تعرفون مکاني؟
فأضحي علي ملکه يحتوي؟
الشريف أبي الحسن الموسوي
تلقيته بالعزيز القوي
وقد ردني خلقا سوي
وطورا بصحته يلتوي
فيه من الجيد المستوي
وقرر فيه حروف الروي
فأصلح شيطان شعري الغوي
في نسج ديباجه الخسروي
اليمين علي الحنث لا ينطوي
لازري علي المنطق الفهلوي
فيه شديد الظما قد ذوي
وماء البشاشة حتي روي
بالغيظ من سيدي مکتوي
علي النار مطروحة تشتوي
صفحه 91، 92، 93، 94.