ترجمة ألجوهري الجرجاني











ترجمة ألجوهري الجرجاني



أبوالحسن علي بن أحمد الجرجاني ويعرف بالجوهري کما ذکر ذلک في غير مورد من شعره، مقياس من مقاييس الادب، وأحد أعضاد العربية، ومن المفلقين في صاغة القريض، کان من صنائع الوزير الصاحب ابن عباد وندمائه وشعرائه، تعاطي صناعة الشعر في ريعان من عمره واوليات أمره، وکان يرمي إلي المغازي البعيدة بلفظ قريب، وترتيب سهل، وکان في إعطاء المحاسن إياه زمامها کما قيل

[صفحه 83]

جذع يبن علي المذاکي القرح[1] .

وکان الصاحب يعجب به أشد الاعجاب، ويروقه مستحسن شعره المجانس لحس روائه، ومناسبة روحه وشمائله خفة وظرفا، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه وبين العمال والامراء فکان يمثله في رسالاته أحسن تمثيل، فيملا العيون جمالا، والقلوب کمالا، وقد أطراه أبلغ إطراء فيما کتبه إلي أبي العباس الضبي (أحد شعراء الغدير) بإصبهان واستحثه علي إکرامه وجلب مراضيه والکتاب مذکور في (اليتيمة) ج 4 ص 26 وها نحن نأخذ منه لبابه قال فإن يقل مولاي من ذا الذي هذا خطبه وهذه خطته؟ أقل من فضله برهان حق، وشعره لسان صدق، و من أطبق أهل جلدته علي أنه معجزة بلدته، فلا يعد لجرجان بعيدا ولا قريبا، أو لاختها طبرستان قديما ولا حديثا مثله، ومن أخذ برقاب النظم أخذه، وملک رق القوافي ملکه، ذاک علي اقتبال شبابه وريعان عمره، وقبل أن تحدثه الآداب، وقبل جري المذکيات غلابأبوالحسن الجوهريأيده الله، وبناؤه منذ حين وخصوصه بي کالصبح المبين، إلا أن لمشاهدة الحاضر ومعاينة الناظر، مزية لا يستقصيها الخبر، وإن امتد نفسه وطال عنانه ومرسه، وقد ألف إلي هذه الفضيلة التي فرع بينها، وأوفي علي ذوي التجربة والتقدمة فيها نفاذا في أدب الخدمة، ومعرفة بحق الندام والعشرة، و قبولا يملا به مجلس الحفلة، إنصاتا للمتبوع إلا إذا وجب القول، وإعظاما للمخدوم إلا إذا خرج الامر، وظرفا يشحن مجلس الخلوة، وحديثا يسکت به العناد، ويطاول البلابل، فإن اتفق أن يفسح له الفارسية نظما ونثرا طفح آذيه، وسال آتيه، فألسنة أهل مصره إلا الافراد بروق إذا وطئوا أعقاب العجم، وقيود إذا تعاطوا لغات العرب، حتي أن الاديب منهم المقدم والعليم المسوم يتلعثم إذا حاضر بمنطقه کأنه لم يدر من عدنان، ولم يسمع من قحطان، ومن فضول أخينا أو فضله انه يدعي الکتابة، ويدارس البلاغة، ويمارس الانشاء، ويهذي فيه ما شاء، وکنت أخرجته إلي ناصر الدولة أبي

[صفحه 84]

الحسن محمد بن إبراهيم فوفق التوفيق کله صيانة لنفسه، وأمانة في ودائع لسانه و يده، واظهارا لنسک لم أعهده في مسکه، حتي خرج وسلم علي نقده، وان نقده لشديد لمثله، ومولاي يجريه بحضرته مجراه بحضرتي، فطعامه ومنامه وقعوده وقيامه إما بين يدي، أو بأقرب المجالس لدي، ولا يقولن هذا أديب وشاعر، أو وافد و زائر، بل يحسبه قد تخفف بين يديه أعواما واحقابا، وقضي في التصرف لديه صبا و شبابا، وهذا إنما يحتاج إلي وسيط وشفيع ما لم ينشر بزه، ولم يظهر طرزه، و إلا فسيکون بعد شفيع من سواه، ووسيط من عداه، فهناک يحمد الله درقه وحدقه، و وجنة مطرفة، وما أکثر ما يفاخرنا بمناظر جرجان وصحاريها ورفارفها وحواشيها فليملا مولاي عينه من منتزهات إصبهان، فعسي طماحه أن يخف وجماحه أن يقل.

والثعالبي لم يئل جهدا في الثناء عليه وقال عهدي به وقد ورد نيسابور رسولا إلي الامير أبي الحسن في سنة سبع وسبعين وثلثمائة، وذکر نبذا راقية من شعره في مجلدات (اليتيمة)، وترجمه صاحب (رياض العلماء) ووصف فضله وشعره، ومن قوله، في رثاء الامام السبط الشهيد عليه السلام


وجدي بکوفان ما وجدي بکوفان
تهمي عليه ضلوعي قبل أجفاني


أرض إذا نفخت ريح العراق بها
أتت بشاشتها أقصي خراسان


ومن قتيل بأعلي کربلاء علي جه
د الصدي فتراه غير صديان


وذي صفائح يستسقي البقيع به
ري الجوانح من روح ورضوان


هذا قسيم رسول الله من ادم
قدا معا مثل ما قد الشراکان


وذاک سبطا رسول الله جدهما
وجه الهدي وهما في الوجه عينان


واخجلتا من أبيهم يوم يشهدهم
مضرجين نشاوي من دم قان


يقول يا امة حف الضلال بها
واستبدلت للعمي کفرا بايمان


ماذا جنيت عليکم إذ أتيتکم
بخير ما جاء من آي وفرقان؟


ألم أجرکم وأنتم في ضلالتکم
علي شفا حفرة من حر نيران؟


ألم اؤلف قلوبا منکم فرقا
مثارة بين أحقاد وأضغان؟


أما ترکت کتاب الله بينکم
وآية العز في جمع وقرآن؟

[صفحه 85]

ألم أکن فيکم غوثا لمضطهد؟
ألم أکن فيکم ماء لظمان؟


قتلتموا ولدي صبرا علي ضمأ
هذا وترجون عند الحوض إحساني


سبيتم ثکلتکم أمهاتکم
بني البتول وهم لحمي وجثماني


مزقتم ونکثتم عهد والدهم
وقد قطعتم بذاک النکث أقراني


يا رب خذلي منهم إذهم ظلموا
کرام رهطي وراموا هدم بنياني


ماذا تجيبون والزهراء خصمکم
والحاکم الله للمظلوم والجاني؟


أهل الکساء صلاة الله ما نزلت
عليکم الدهر من مثني ووحدان


أنتم نجوم بني حوا ما طلعت
شمس النهار وما لاح السما کان


مازلت منکم علي شوق يهيجني
والدهر يأمرني فيه ينهاني


حتي أتيتک والتوحيد راحلتي
والعدل زادي وتقوي الله امکاني


هذي حقايق لفظ کلما برقت
ردت بلالئها أبصار عميان


هي الحلي لبني طه وعترتهم
هي الردي لبني حرب ومروان


هي الجواهر جاء (الجوهري) بها
محبة لکم من أرض جرجان


وله قصيدة يرثي بها الامام الشهيد قتيل الطف عليه السلام في يوم عاشوراء ذکرها له الخوارزمي في مقتله، وإبن شهر اشوب في مناقبه، والعلامة المجلسي في المجلد العاشر من البحار


يا أهل عاشور يالهفي علي الدين
خذوا حدادکم ياآل ياسين


أليوم شقق جيب الدين وانتهبت
بنات أحمد نهب الروم والصين


أليوم قام بأعلي الطف نادبهم
يقول من ليتيم أو لمسکين؟


أليوم خضب جيب المصطفي بدم
أمسي عبير نحور الحور والعين


أليوم خر نجوم الفخر من مضر
علي مناخر تذليل وتوهين


أليوم اطفي نور الله متقدا
وجر رت لهم التقوي علي الطين


أليوم هتک أسباب الهدي مزقا
وبرقعت غرة الاسلام بالهون


أليوم زعزع قدس من جوانبه
وطاح بالخيل ساحات الميادين


أليوم نال بنو حرب طوايلها
مما صلوه ببدر ثم صفين

[صفحه 86]

أليوم جدل سبط المصطفي شرقا
من نفسه بنجيع غير مسنون


زادوا عليه بحسب الماء غلته
تبا لرأي فريق منه مغبون


نالوا أزمة دنياهم ببغيهم
فليتهم سمحوا منها بماعون


حتي يصيح بقنسرين[2] راهبها
يا فرقة الغي ياحزب الشياطين


تهزون برأس بات منتصبا
علي القناة بدين الله يوصيني؟


آمنت ويحکم بالله مهتديا
وبالنبي وحب المرتضي ديني


فجدلوه صريعا فوق جبهته
وقسموه بأطراف السکاکين


وأوقروا صهوات الخيل من إحن
علي اساراهم فعل الفراعين


مصعدين علي أقتاب أرحلهم
محمولة بين مضروب ومطعون


أطفال فاطمة الزهراء قد فطموا
من الثدي بأنياب الثعابين


يا امة ولي الشيطان رايتها
ومکن الغي منها کل تمکين


ما المرتضي وبنوه من معاوية
ولا الفواطم من هند وميسون


آل الرسول عباديد السيوف فم
ن هام علي وجهه خوفا و مسجون


ياعين لا تدعي شيئا لغادية
تهمي ولا تدعي دمعا لمحزون


قومي علي جدث بالطف فانتقضي
بکل لؤلؤ دمع فيک مکنون


ياآل أحمد إن (الجوهري) لکم
سيف يقطع عنکم کل موصون


وذکر له الثعالبي کثيرا من شعره في (اليتيمة) 4 ص 2941 ومما ذکر له من قصيدة في شريف حسني قوله


لا عتب إن بذلت عيني بما أجد
فقد بکي لي عوادي لما عهدوا


لو أن لي جسدا يقوي لطفت به
علي العزاء ولکن ليس لي جسد


تبعتهم بذماء کان يمسکه
تعلل بخيال کلما بعدوا


ياليلة غمضت عني کواکبها
ترفقي بجفون غمضها رمد


أهوي الصباح ومالي فيه منتصف
من الظلام ولکن طالما أجد


لو أن لي أمدا في الشوق أبلغه
صبرت عنک ولکن ليس لي أمد

[صفحه 87]

بکيت بعد دموعي في الهوي جلدي
وهل سمعت ببال دمعه جلد؟


تذوب نار فؤادي في الهوي بردا
وهل سمعت بنار ذوبها برد؟


قالوا ألفت رباجي[3] فقلت لهم
ألحب أهل وإدراک المني ولد


أندي محاسن جي انه بلد
طلق النهار ولکن ليله نکد


إذا استحب بلاد للمعاش بها
فحيثما نعمت حالي به بلد


وللمکارم قوم لا خفاء بهم
هم يعرفون بسيماهم إذا شهدوا


لله معشر صدق کلما تليت
علي الوري سورة من مجدهم سجدوا


ذرية أبهرت طه بجدهم
وهل أتي بأبيهم حين تنتقد؟


وإن تصنع شعر في ذوي کرم
يابن النبي فشعري فيک مقتصد


أصبت فيک رشاري غير مجتهد
وليس کل مصيب فيک مجتهد


بسطت عرض فناء الدهر مکرمة
طرائق الحمد في حافاتها قدد


توفي المترجم بجرجان بعد سنة 377 وقبل سنة 385 فقد بعثه الصاحب بن عباد رسولا إلي الامير أبي الحسن ناصر الدولة سنة 377 ووجهه بعدها إلي أبي العباس الضبي إلي إصفهان، ولما انقلب من إصبهان إلي جرجان لم تطل به الايام حتي أصبح مقبورا کما ذکره الثعالبي، فوفاة المترجم في حياة الصاحب المتوفي 385 تستدعي وقوعها بين التاريخين حدود 380.

[صفحه 88]



صفحه 83، 84، 85، 86، 87، 88.





  1. الجذع بالحرکتين صغير البهائم والشاب الحديث بين من أبن بالمکان أقام به وثبت ولزم المذاکي ج المذکي، من الخيل ما تم سنه وکملت قوته القرح ج القارح هو من ذي الحافر الذي شق نابه وطلع.
  2. قنسرين بکسر اوله وفتح ثائيه وتشديده مدينة بينهما وبين حلب مرحلة.
  3. جي بالتفح ثم التشديد مدينة بينها وبين اصبهان نحو ميلين، قال ياقوت في المعجم وتسمي الان عند المعجم شهرستان وعند المحدثين المدينة.