الصاحب ومذهبه











الصاحب ومذهبه



إن کون الصاحب من علية الشيعة الامامية مما لا يمتري فيه أي أحد من علماء مذهبه الحق، کما يشهد بذلک شعره الکثير الوافر في أئمة أهل البيت عليهم السلام ونثره المتدفق منه لوايح الولاية والتفضيل وهو يهتف بقوله


فکم قد دعوني رافضيا لحبکم
فلم ينثني عنکم طويل عوائهم


وقد نص علي مذهبه هذا السيد رضي الدين إبن طاووس في کتاب (اليقين) ومر عن المجلسي الاول انه من أفقه فقهاء أصحابنا، واقتفي أثره ولده في مقدمات البحار فصرح بانه کان من الامامية، وعده القاضي الشهيد في مجالسه من وزراء الشيعة، ويقول شيخنا الحر في أمل الآمل إنه کان شيعيا اماميا، وعده إبن شهر اشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المجاهرين، وشيخنا الشهيد الثاني من أصحابنا، و في معاهد (التنصيص) انه کان شيعيا جلدا کآل بويه معتزليا، وقبل هذه الشهادات کلها شهادة الشيخين العلمين رئيس المحدثين الصدوق في (عيون أخبار الرضا)، وشيخنا المفيد فيما حکاه عنه إبن حجر في لسان الميزان(1 ص 413، ورسالته في أحوال عبدالعظيم الحسني المندرجة في خاتمة (المستدرک) 3 ص 614 1[1] من جملةالشواهد أيضا، وفي (لسان الميزان) 1 ص 413 کان الصاحب إمامي المذهب و أخطأ من زعم انه کان معتزليا، وقد قال عبدالجبار القاضي لما تقدم الصلاة عليه ما أدري کيف اصلي علي هذا الرافضي وعن إبن أبي طي ان الشيخ المفيد شهد بأن الکتاب الذي نسب إلي الصاحب في الاعتزال وضع علي لسانه ونسب إليه وليس هوله.

وهناک نقول متهافتة يبطل، بعضها بعضا تفيد اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارة وتمذهبه بالشافعية اخري، وبالحنفية طورا، وبالزيدية مرة، وفي القاذفين من يحمل عليه حقدا يريد تشويه سمعته بکل ما توحي إليه ضغاينه کأبي حيان التوحيدي ومن حکي عنه طرفي نقيض کشيخنا المفيد الذي ذکرنا حکاية إبن حجر عنه بوضع ما نسب إلي الصاحب من الکتاب الذي يدل علي الاعتزال، ونقل عنه ايضا نسبته

[صفحه 63]

إلي جانب الاعتزال.

وهذا التهافت في النقل يسقط الثقة بأي النقلين وإن کان النص علي تشيعه معتضدا بکلمات العلماء قبله وبعده، والسيد رضي الدين الذي عرفت النص عنه بتشيعه في (کتاب اليقين) فقد نقل عنه حکايته عن الشيخ المفيد وعلم الهدي نسبته إلي الاعتزال، وأنت تعلم أن نصه الاول هو معتقده وهذه حکاية محضة، وقد عرفت حال المحکي عن الشيخ المفيد، وأما السيد المرتضي فالظاهر أن منتزع هذه النسبة إليه هو رده علي الصاحب في تعصبه للجاحظ الذي هو من أرکان المعتزلة، غير أنا نحتمل ان هذا التعصب کان لادبه لا لمذهبه کتعصب الشريف الرضي للصابي.

وما وقع إلينا في المحکي عن (رسالة الابانة) للصاحب من إنکار النص علي أميرالمؤمنين عليه السلام فهو حکاية محضة عمن يقول بذلک بل ما في الابانة يکفي بمفرده في إثبات کونه إماميا وإليک نص کلامه مشفوعا بمقاله في (التذکرة) حول الامامة.

قال في (الابانة) زعمت العثمانية وطوائف الناصبية ان أميرالمؤمنين عليه السلام مفضول في أصحاب رسول الله صلي الله عليه واله وسلم غير فاضل واستدلت بأن أبابکر وعمر وليا عليه وقالت الشيعة العدلية فقد ولي النبي عليه السلام عليهما عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل فليقولوا إنه خير منهما، فقالت الشيعة علي عليه السلام أفضل الناس بعد النبي فلذلک آخي بينه وبينه حين آخي بين أبي بکر وعمر فلم يکن ليختار لنفسه إلا الافضل، وقد ذکر ذلک بقوله صلي الله عليه واله وسلم أنت مني بمنزلة هارون من موسي ثم إنه لم يستثن إلا النبوة وفيه قال أللهم آتني بأحب خلقک إليک يأکل معي هذا الطيروقد قال من کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه إلي آخر الدعاء.

وبعد فالفضيلة تستحق بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاما وقد قال الله تعالي:«ألسابقون السابقون أولئک المقربون » وبالجهاد وهو لم يغمد حساما، ولم يقصر إقداما، کشاف الکروب، وفراج الخطوب، ومسعر الحروب، وقاتل مرحب، وقالع باب خيبر، وصارع عمرو بن عبدود، ومن قال فيه النبي صلي الله عليه واله وسلم لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله کرارا غير فرار،وقد قال الله تعالي

[صفحه 64]

«فضل الله المجاهدين علي القاعدين أجرا عظيما» وبالعلم والنبي صلي الله عليه واله وسلم قال أنا مدينة العلم وعلي بابها وأثر ذلک بين لانه عليه السلام لم يسئل من الصحابة أحدا وقد سألوه، ولم يستفتهم وقد استفتوه، حتي ان عمر يقول « لولا علي لهلک عمر»، وقال «لا أعاشني الله لمشکلة ليس لها أبوالحسن »، وقد قال الله تعالي« قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون » وبالزهد والتقوي والبر والحسني فإذا کان أعلمهم فهو أتقاهم وقال الله تعالي « إنما يخشي الله من عباده العلماء » وبعد فهو الذي آثر المسکين واليتيم والاسير علي نفسه مخرجا قوته کل ليلة إليهم عند فطره حتي أنزل الله تعالي « ويطعمون الطعام علي حبه مسکينا ويتيما وأسيرا » فأخبر نبيه وعده عليه الجنة والحديث طويل وفضله کثير، وهو الذي تصدق بخاتمه في رکوعه حتي أنزل الله فيه إنما وليکم الله ورسوله.

وزعمت طائفة من الشيعة ذاهلة عن تحقيق الاستدلال ان عليا عليه السلام کان في تقية فلذلک ترک الدعوة إلي نفسه وزعمت أن عليه نصا جليا لا يحتمل التأويل، وقالت العدلية هذا فاسد، کيف تکون عليه التقية في إقامة الحق وهو سيد بني هاشم؟ وهذا سعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الانصار لم يخش مانعا ودافعا وخرج إلي حوران ولم يبايع ولو جاز خفاء النص الجلي عن الامة في مثل الامامة لجاز أن يتکتم صلاة سادسة وشهر يصام فيه غير شهر رمضان فرضا، وکلما أجمع عليه الامة من أمر الائمة الذين قاموا بالحق وحکموا بالعدل صواب، وأما من نابذ عليا عليه السلام وحاربه وشهر سيفه في وجهه فخارج عن ولاية الله إلا من تاب بعد ذلک وأصلح إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.ا ه.

ألمراد علي ما يفهم من جواب العدلية ان دعوي تقية علي عليه السلام وترکه الدعوة إلي نفسه مع ادعاء النص الجلي عليه زعم فاسد، وان الاعتقاد بترک الدعوة لا يوافق مع القول بالنص الجلي إذ لو کان لابان وما ترک الدعوة، والمدعي ذاهل عن تحقيق الاستدلال بما ذکر من الکتاب والسنة فإنه عليه السلام دعا إلي نفسه واحتج بأدلة اوعزت إليها، فنسبة إنکار النص الجلي إلي المترجم بهذه العبارة کما فعله غير واحد في غير محله جدا.

[صفحه 65]

وقال في ذيل کتابه (ألتذکرة) ذکر الصاحب رحمه الله في آخر کتاب (نهج السبيل) ان أميرالمؤمنين عليا عليه السلام أفضل الصحابة بعد النبي صلي الله عليه واله وسلم واستدل عليه بأن الافضلية تستحق بالسابقة والعلم والجهاد والزهد فوق جميعهم، فلاشک انه متقدمهم وغير متأخر عنهم، وقد سبقهم بمنازلة الاقران، وقتل صناديد الکفار وأعلام الضلالة، وهو الذي آخي النبي صلي الله عليه واله وسلم بينه وبينه حين آخي بين أبي بکر وعمر، و رضيه کفوا لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليهم، ودعا الله أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه، وأخبرنا انه منه بمنزلة هارون من موسي لفضل فيه، وقال عليه السلام أللهم ائتني بأحب الخلق إليک يأکل معي هذا الطائر، ولا يکون أحبهم إلي الله إلا أفضلهم، وقال أنا مدينة العلم وعلي بابها، وقال أنا ما سألت الله شيئا إلا سألت لعلي مثله حتي سألت له النبوة فقيل لا ينبغي لاحد من بعدک، ولم يکن يسألها إلا لفضله ولهذا استثني النبوة في حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسي فصبر علي المحن، وثبت علي الشدايد، ولم ترده أيام توليته إلا خشونة في الدين، وأکله للجشب[2] ولبسا للخشن، يستقون من علمه، وما يستقي إلا ممن هو أعلم، خير الاولين وخير الآخرين، عهد إليه في الناکثين والقاسطين والمارقين، وقتل بين يديه عمار بن ياسر المشهود له بالجنة لبصيرته في أمره، وشبهه رسول الله صلي الله عليه واله وسلم بعيسي بن مريم عليه السلام کما شبهه بهارون، لا تضرب الامثال إلا بالانبياء، وتصدق بخاتمة في رکوعه حتي انزل فيه « إنما وليکم الله ورسوله »الآية، وآثر المسکين واليتيم والاسير علي نفسه حتي انزل فيه ويطعمون الطعام علي حبه مسکينا ويتيما وأسيرا،وقال تعالي « إنما أنت منذر ولکل قوم هاد» فقال صلي الله عليه واله وسلم أنا المنذر وأنت يا علي الهادي، وقال تعالي و تعيها اذن واعية وقال صلي الله عليه واله وسلم هي اذن علي عليه السلام وجعله الله في الدنيا فصلا بين الايمان والنفاق حتي قيل ما کنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله صلي الله عليه واله وسلم إلا ببغضهم عليا عليه السلام، وأخبر انه في الآخرة قسيم الجنة والنار، وقال ابن عباس ما أنزل الله في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي سيدها وأبوها وشريفها، وأعلي من ذلک قوله صلي الله عليه واله وسلم علي يعسوب المؤمنين، وله ليلة الفراش حين نام عليه في مکان رسول الله صلي الله عليه واله وسلم صابرا

[صفحه 66]

علي ما کان يتوقع من الذبح صحبة إسحاق ذبيح الله حين صبر علي ما ظن انه نازل به من الذبح، وقال فيه مثل عمر بن الخطاب لولا علي لهلک عمر، ولا أعاشني الله لمشکلة ليس لها أبوالحسن ودهره کله إسلام وزمانه أجمع ايمان، لم يکفر بالله طرفة عين، عاش في نصرة الاسلام حميدا، ومضي لسبيله شهيدا، جعلنا الله ممن آثر المحبة في القربي، وهدانا للتي هي أحسن وأولي، وحسبنا الله منزل الغيث وفاطر النسم[3] .

وقد أبان عن مذهبه الحق (الامامية) في شعره بقوله


بالنص فاعقد إن عقدت يمينا
کل اعتقاد الاختيار رضينا


مکن لقول إلهنا تمکينا
واختار موسي قومه سبعينا


وقال في قصيدته البائية التي مرت


لم تعلموا أن الوصي هو الذي
آتي الزکاة وکان في المحراب


لم تعلموا أن الوصي هو الذي
حکم الغديرله علي الاصحاب


وله قوله


إن المحبة للوصي فريضة
أعني أميرالمؤمنين عليا


قد کلف الله البرية کلها
و اختاره للمؤمنين وليا


وما في (لسان الميزان) من اشتهاره بذلک المذهب الاعتزال وانه کان داعية إليه فيدفعه تخطأته أولا من زعم أنه من معتنقيه، وما نقله عن القاضي عبدالجبار من انه لما تقدم للصلاة عليه قال ما أدري کيف اصلي علي هذا الرفضي، وما تکرر في شعره من قذف أعدائه له بالرفض، إلا أن يريد إبن حجر الاشتهار المحض دون الحقيقة فليلتئم مع قوله الآخر.

والذي أرتأيه ويساعدني فيه الدليل ان الصاحب کغيره من أعلام الامامية کان يوافق المعتزلة في بعض المسائل کمسألة العدل التي تطابقت آراء الشيعة والمعتزلة فيها علي مجابهة الاشاعرة في الجبر واستلزامه تجوير الحق تعالي، وإن افترقا من ناحية اخري في باب التفويض وأمثال هذه، فقد کان يصعب علي الباحث التمييز بين

[صفحه 67]

الفريقين فيرمي کل فريق باسم قسيمه، ومن هنا اتي الصاحب بهذه القذيفة کغيره من أعلام الطايفة مثل علم الهدي السيد المرتضي وأخيه الشريف الرضي.

وأما نسبته إلي الشافعية فيدفعها عزوه إلي الحنفية، ومن أبدع التناقض قول أبي حيان في کتاب (الامتاع ج 1 ص 55) انه کان يتشيع لمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيدية، وأما انتسابه إلي الزيدية فيدفعه تعداده الائمة عليهم السلام في شعره کقوله


بمحمد ووصيه وابنيهما
ألطاهرين وسيد العباد


ومحمد وبجعفر بن محمد
وسمي مبعوث بشاطي الوادي


وعلي الطوسي ثم محمد
وعلي المسموم ثم الهادي


حسن وأتبع بعده بإمامة
للقائم المبعوث بالمرصاد


وقوله


بمحمد ووصيه وابنيهما
وبعابد وبباقرين وکاظم


ثم الرضا ومحمد ثم ابنه
والعسکري المتقي والقائم


أرجو النجاة من المواقف کلها
حتي أصير إلي نعيم دائم


وقوله


نبي والوصي وسيدان
وزين العابدين وباقران


وموسي والرضا والفاضلان
بهم أرجو خلودي في الجنان


وقوله أرجوزة


يا زائرا قد قصد المشاهدا
وقطع الجبال والفدافدا


فأبلغ النبي من سلامي
ما لا يبيد مدة الايام


حتي إذا عدت لارض الکوفه
ألبلدة الطاهرة المعروفه


وصرت في الغري في خير وطن
سلم علي خير الوري أبي الحسن


ثمة سر نحو بقيع الغرفد
مسلما علي أبي محمد


وعد إلي الطف بکربلاء
أهد سلامي أحسن الاهداء


لخير من قد ضمه الصعيد
ذاک الحسين السيد الشهيد

[صفحه 68]

واجنب إلي الصحراء بالبقيع
فثم أرض الشرف الرفيع


هناک زين العابدين الازهر
وباقر العلم وثم جعفر


أبلغهم عني السلام راهنا
قد ملا البلاد والمواطنا


وأجنب إلي بغداد بعد العيسا
مسلما علي الزکي موسي


واعجل إلي طوس علي أهدي سکن
مبلغا تحيتي أبا الحسن


وعد لبغداد بطير أسعد
سلم علي کنز التقي محمد


وأرض سامراء أرض العسکر
سلم علي علي ن المطهر


والحسن الرضي في أحواله
من منبع العلوم في أقواله


فإنهم دون الانام مفزعي
ومن إليهم کل يوم مرجعي


وله ارجوزة اخري يعد فيها الائمة الهداة ويسميهم موقصيدة في الامام أبي الحسن الرضا ثامن الحجج صلوات الله عليهم، تذکر في مقدمة (عيون الاخبار)لشيخنا الصدوق، وقصيدة اخري فيه عليه السلام أيضا ألا وهي،


يا زائرا قد نهضا
مبتدرا قدر کضا


وقد مضي کأنه
البرق إذا ما أومضا


أبلغ سلامي زاکيا
بطوس مولاي الرضا


سبط النبي المصطفي
وابن الوصي المرتضي


من حاز عزا أقعسا
وشاد مجدا أبيضا


وقل له عن مخلص
يري الولا مفترضا


في الصدر نفح حرقة
تترک قلبي حرضا


من ناصبين غادروا
قلب الموالي ممرضا


صرحت عنهم معرضا
ولم أکن معرضا


نابذتهم ولم أبل
إن قيل قد ترفضا


يا حبذا رفضي لمن
نابذکم وأبغضا


ولو قدرت زرته
ولو علي جمرالغضا


لکنني معتقل
بقيد خطب عرضا

[صفحه 69]

جعلت مدحي بدلا
من قصده وعوضا


أمانة مورده
علي الرضا ليرتضي


رام بن عباد بها
شفاعة لن تدحضا



صفحه 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69.





  1. نقلا عن نسخة بخط بعض بني بابويه مؤرخة بسنة 516.
  2. جشب الطعام غلظ.
  3. کل ما ذکره الصاحب من الاحاديث في فضل مولانا امير المؤمنين ثابت وصحيح عند القوم مبثوث في أجزاء کتابنا بأسانيده، أخرجه بها الحفاظ في الصحاح والمسانيد.