ترجمة ابن منير الطرابلسي











ترجمة ابن منير الطرابلسي



أبوالحسين مهذب الدين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي[1] الشامي نازل درب الخابوري علي باب الجامع الکبير الشمالي عين الزمان الشهير بالرفا، أحد أئمة الادب، وفي الطبقة العليا من صاغة القريض، وقد أکثر وأجاد وله في أئمة أهل البيت عليه السلام عقود عسجدية أبقت له الذکر الخالد والفخر الطريف والتالد، و قد أتقن اللغة والعلوم والادبية کلها، أنجبت به الطرابلس فکان زهرة رياضها، و ورواء أرباضها، ثم هبط دمشق فکان شاعرها المفلق، وأديبها المدره، فنشر في عاصمة الامويين فضايل العترة الطاهرة بجمان نظمه الرايق، وطفق يتذمر علي من ناواهم أو زواهم عن حقوقهم محققا فيه مذهبه الحق، فبهظ ذلک المتحايدين عن أهل البيت عليهم السلام فوجهوا إليه القذائف والطامات، وسلقوه بألسنة حداد فمن

[صفحه 332]

قائل إنه کان خبيث اللسان، وآخر يعزو إليه التحامل علي الصحابة، ومن ناسب إليه الرفض، ومن مفتعل عليه رؤيا هائلة، لکن فضله الظاهر لم يدع لهم ملتحدا عن اطرائه وإکبار موقفه في الادب بالرغم من کل تلکم الهلجات، وجمع شعره بين الرقة والقوة والجزالة، وازدهي بالسلاسة والانسجام، وقبل أي مأثرة من مآثره انه کان أحد حفاظ القرآن الکريم کما ذکره إبن عساکر وإبن خلکان وصاحب (شذرات الذهب).

قال ابن عساکر في تاريخه ج 2 ص 97 حفظ القرآن، وتعلم اللغة والادب، و قال الشعر، وقدم دمشق فسکنها، کان رافضيا خبيثا يعتقد مذهب الامامية، وکان هجاء خبيث اللسان يکثر الفحش في شعره، ويستعمل فيه الالفاظ العامية، فلما کثر الهجو منه سجنه بوري بن طغتکين أمير دمشق في السجن مدة وعزم علي قطع لسانه فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له وأمر بنفيه من دمشق، فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلي دمشق ثم تغير عليه إسماعيل لشئ بلغه عنه فطلبه وأراد صلبه فهرب واختفي في مسجد الوزير أياما ثم خرج من دمشق ولحق بالبلاد الشمالية ينقل من حماة[2] إلي شيزر وإلي حلب ثم قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملک العادل لما حاصر دمشق الحصر الثاني، فلما استقر الصلح دخل البلد ورجع مع العسکر إلي حلب فمات بها، لقد رأيته غير مرة ولم أسمع منه، فأنشدني والامير أبوالفضل إسماعيل ابن الامير أبي العساکر سلطان بن منقد قال أنشدني ابن منير لنفسه


أخلي فصد عن الحميم وما اختلي
ورأي الحمام يغصه فتوسلا


ما کان واديه بأول مرتع
ودعت طلاوته طلاه فاجفلا


وإذا الکريم رأي الخمول نزيله
في منزل فالحزم أن يترحلا


کالبدر لما أن تضاءل نوره
طلب الکمال فحازه متنقلا


ساهمت عيسک مر عيشک قا
عدا أفلا فليت بهن ناصية الفلا؟


فارق ترق کالسيف سل فبان في
متنيه ما أخفي القراب وأخملا

[صفحه 333]

لا تحسبن ذهاب نفسک ميتة
ما الموت إلا أن تعيش مذللا[3] .


للقفر لا للفقر هبها إنما
مغناک ما أغناک أن تتوسلا


لا ترض من دنياک ما أدناک من
دنس وکن طيفا جلا ثم انجلي


وصل الهجير بهجر قوم کلما
أمطرتهم عسلا جنوا لک حنظلا


من غادر خبثت مغارس وده
فإذا محضت له الوفاء تأولا


أو حلف دهر کيف مال بوجهه
أمسي کذلک مدبرا أو مقبلا


لله علمي بالزمان وأهله
ذنب الفضيلة عندهم أن تکملا


طبعوا علي لؤم الطباع فخيرهم
إن قلت قال وإن سکت تقولا


وفي غير هذه الرواية زيادة وهي


أنا من إذا ما الدهر هم بخفضه
سامته همته السماک الاعزلا


واع خطاب الخطب وهو مجمجم
راع أکول العيس من عدم الکلا


زعم کمنبلج الصباح وراءه
عزم کحد السيف صادف مقتلا


قال الاميني والشاعر يصف في نظمه هذا مناوئيه من اهل زمانه الذين نبزوه بالسفاسف ورموه بالقذائف ممن أوعزنا إليهم في الترجمة وکل هجوه من هذا القبيل ولذلک کان يثقل علي مهملجة الضغائن والاحن.

وقال إبن عساکر وانشد ايضا له


عدمت دهرا ولدت فيه
کم أشرب المر من بنيه


ما تعتريني الهموم إلا
من صاحب کنت أصطفيه


فهل صديق يباع؟ حتي
بمهجتي کنت أشتريه


يکون في قلبه مثال
يشبه ما صاغ لي فيه


وکم صديق رغبت عنه
قد عشت حتي رغبت فيه


وقال الامير أبوالفضل عمل والدي طستا من فضة فعمل إبن منير أبياتا کتبت عليه من جملتها


يا صنو مائدة لاکرم مطعم
مأهولة الارجاء بالاضياف

[صفحه 334]

جمعت أياديه إلي أيادي الآلاف
بعد البذل للآلاف


ومن العجائب راحتي من راحة
معروفة المعروف بالاتلاف


ومن محاسن شعره ألقصيدة التي أولها


من رکب البدر في صدر الرديني
وموه السحر في حد اليماني


وأنزل النير الاعلي إلي فلک
مداره في القباء الخسرواني


طرف رنا أم قراب سل صارمه؟
وأغيد ماس أم أعطاف خطي؟


أذلني بعد عز والهوي أبدا
يستعبد الليث للظبي الکناسي


وذکر منها إبن خلکان ايضا


أما وذائب مسک من ذوائبه
علي أعالي القضيب الخيزراني


وما يجن عقيقي الشفاه من الريق
الرحيقي والثغر الجماني


لو قيل للبدر من في الارض تحسده
إذا تحلي؟ لقال ابن الفلاني


أربي علي بشتي من محاسنه
تألفت بين مسموع ومرئي


إباء فارس في لين الشآم مع الظرف
العراقي والنطق الحجازي


وما المدامة بالالباب أفتک من
فصاحة البدو في ألفاظ ترکي


ويوجد تمام القصيدة 27 بيتا في)نهاية الارب(ج 2 ص 23، وتاريخ حلب ج 4 ص 234 وذکر إبن خلکان له ايضا


أنکرت مقلته سفک دمي
وعلي وجنته فاعترفت


لا تخالوا خاله في خده
قطرة من دم جفني نقطت


ذاک من نار فؤادي جذوة
فيه ساخت وانطفت ثم طفت


وکان بين المترجم وابن القيسراني[4] مهاجاة واتفق ان أتابک عماد الدين زنکي صاحب الشام غناه مغن علي قلعة جعبر وهو يحاصرها قول المترجم

ويلي من المعرض الغضبان إذ نقل الواشي إليه حديثا کله زور


سلمت فازور يزوي قوس حاجبه
کأنني کأس خمر وهو مخمور


فاستحسنها زنکي وقال لمن هذه؟ فقيل لابن منير وهو بحلب فکتب إلي

[صفحه 335]

والي حلب يسيره إليه سريعا فسيره فليلة وصل إبن منير قتل أتابک زنکي فعاد إبن منير صحبة العسکر إلي حلب فلما دخل قال له إبن القيسراني هذه بجميع ما کنت تبکتني به.

کان شاعرنا المترجم عند امراء بني منقذ بقلعة شيزر وکانوا مقبلين عليه وکان بدمشق شاعر يقال له أبوالوحش وکانت فيه دعابة وبينه وبين أبي الحکم عبيدالله[5] مداعبات فسأل منه کتابا إلي إبن منير بالوصية عليه فکتب أبوالحکم


أبا الحسين اسمع مقال فتي
عوجل فيما يقول فارتجلا


هذا أبوالوحش جاء ممتدحا
للقوم فاهنأ به إذا وصلا


واتل عليهم بحسن شرحک ما
أنقله من حديثه جملا


وخبر القوم انه رجل
ما أبصر الناس مثله رجلا


ومنها


وهو علي خفة به أبدا
معترف انه من الثقلا


يمت بالثلب والرقاعة والسخف
وأما بغير ذاک فلا


إن أنت فاتحته لتخبر ما
يصدر عنه فتحت منه خلا


فنبه إن حل خطة الخسف
والهون ورحب به إذا رحلا


وأسقه السم إن ظفرت به
وامزج له من لسانک العسلا[6] .


وذکر النويري له في (نهاية الارب) ج 2


لاح لنا عاطلا فصيغ له
مناطق من مراشق المقل


حياة روحي وفي لواحظه
حتفي بين النشاط والکسل


ما خاله من فتيت عنبر صد
غيه ولا قطر صبغة الکحل


لکن سويداء قلب عاشقه
طفت علي نار وردة الخجل

[صفحه 366]

وله في النهاية ايضا


کأن خديه ديناران قد وزنا
وحرر الصيرفي الوزن واحتاطا


فخف إحداهما عن وزن صاحبه
فحط فوق الذي قد خف قيراطا


وله في (بدايع البداية) ج 1 ص 44 في صبي صبيح سراج يسمي يوسف قوله


ياسمي المتاح في ظلمة الج
ب لمن ساقه القضاء إليها


والذي قطع النساء له الاي
دي ومکن حبله من يديها


لک وجه مياسم الحسن فيه
صکة تطبع البدور عليها


کتب إبن منير للقاضي أبي الفضل هبة الله المتوفي 562 يلتمس منه کتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) تأليف القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني وکان قد وعده بها


يا حائزا غاي کل فضيلة
تضل في کنهه الاحاطة


ومن ترقي إلي محل
أحکم فوق السهي مناطه


إلي متي أسعط التمني؟
ولا تري المن بالوساطه


ولد المترجم (إبن منير) سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس، وتوفي في جمادي الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (عند جل المؤرخين) بحلب ودفن في جبل جوشن[7] بقرب المشهد الذي هناک، قال إبن خلکان زرت قبره ورأيت عليه مکتوبا


من زار قبري فليکن موقنا
أن الذي ألقاه يلقاه


فيرحم الله امرءا زارني
وقال لي يرحمک الله


ثم وجدت في ديوان أبي الحکم عبيد الله أن إبن منير توفي بدمشق في سنة سبع وأربعين ورثاه بأبيات علي أنه مات بدمشق وهي هزلية علي عادته ومنها

[صفحه 337]

أتوا به فوق أعواد تسيره
وغسلوه بشطي نهر قلوط


وأثخنوا الماء في قدر مرصعة
واشعلوا تحته عيدان بلوط


وعلي هذا التقدير فيحتاج إلي الجمع بين هذين الکلامين فعساه أن يکون قد مات في دمشق ثم نقل إلي حلب فدفن بها اه.

وأما أبوالمترجم (المنير) فکان شاعرا کجده (المفلح) کما في (نسمة السحر)وکان منشدا الشعر العوني، ينشد قصائده في أسواق طرابلس کما ذکر إبن عساکر في تاريخ الشام ج 2 ص 97، وبما أن العوني من شعراء أهل البيت عليهم السلام ولم يؤثر عنه شئ في غيرهم، وکان منشده الشيعي هذا يهتف بها في أسواق طرابلس وفيها أخلاط من الامم والاقوام کانوا يستثقلون نشر تلکم المآثر بملا من الاشهاد، وبالرغم من غيظهم الثائر في صدورهم لذلک ما کان يسعهم مجابهته والمکاشفة معه علي منعه لمکان من يجنح إلي العترة الطاهرة هنالک فعملوا بالميسور من الوقيعة فيه من انه کان يغني بها في الاسواق کما وقع في لفظ إبن عساکر وقال کان منشدا ينشد أشعار العوني في أسواق طرابلس ويغني وأسقط إبن خلکان ذکر العوني وإنشاد المنير لشعره فاکتفي بأنه کان يغني في الاسواقزيادة منه في الوقيعة وعلما بأنه لو جاء بذکر العوني وشعره لعرف المنقبون بعده مغزي کلامه کما عرفناه، وعلم أن ذلک الشعر لا يغني به بل تقرط به الآذان لاحياء روح الايمان وإرحاض معرة الباطل.

توجد ترجمة إبن منير في کثير من المعاجم وکتب السير منها

تاريخ إبن خلکان ج 1 ص 51 ألخريدة للعماد الکاتب الانساب للسمعاني[8] تاريخ إبن عساکر 2 ص 97 مرآة الجنان 3 ص 287 تاريخ إبن کثير 12 ص 231، مجالس المؤمنين ص 456 أمل الآمل لصاحب الوسائل شذرات الذهب 4 ص 146، نسمة السحر في الجزء الاول روضات الجنات ص 72 أعلام الزرکلي 1 ص 81 تاريخ آداب اللغة 3 ص 20 دائرة المعارف للبستاني ج 1 ص 709 تاريخ حلب 4 ص 231

[صفحه 338]



صفحه 332، 333، 334، 335، 366، 337، 338.





  1. طرابلس بلدة علي ساحل الشام مما يلي دمشق.
  2. بلدة شهيرة بينها وبين شيزر نصف يوم، وبينها وبين دمشق خمسة أيام للقوافل، و بينها وبين الحلب أربعة أيام.
  3. هذا البيت وبيت واحد بعده ذکرهما ابن خلکان في تاريخه ج 1 ص 51.
  4. شرف الدين أبوعبدالله محمد بن نصر الخالدي الحلبي الشاعر الفذ المتوفي بدمشق 548.
  5. هو أبوالحکم عبيد الله بن المظفر المغربي الشاعر المتضلع في الادب والطب والهندسة له أشياء مستملحة منها مقصورة هزلية ضاهي بها مقصورة ابن دريد ولد باليمن سنة 486 وتوفي بدمشق سنة 549 توجد ترجمته في تاريخ ابن خلکان 1 ص 295، ونفح الطيب 1 ص 385 وغيرهما.
  6. نفح الطيب ج 1 ص 385.
  7. جوشن جبل في غربي حلب ومنه کان يحمل النحاس الاحمر وهو معدنه ويقال أنه بطل منذ عبر سبي الحسين بن علي رضي الله عنه ونساؤه وکانت زوجة الحسين حاملا فأسقطت هناک فطلبت من الصناع في ذلک الجبل خبزا أو ماء فشتموها ومنعوها فدعت عليهم فمن الان من عمل فيه لا يربح، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمي مشهد الدکة والسقط يسمي محسن بن الحسين رضي الله عنه معجم البلدان 3 ص 173.
  8. قال أدرکته حيا بالشام وکان قد نزل شيراز في آخر عمره قال الاميني شيراز تصحيف شيزر وهي تشتمل علي کورة بالشام قرب المعرة وقال توفي في حدود سنة 540 وهو کما تري.