عقيدته











عقيدته



إن عصر المترجم من العصور التي زاعت فيه النحل والمذهب، وشاعت فيه الاهواء والآراء، وقل فيه من لا يري في العقايد رأيا يفسر به إسلامه وهو ينص به علي خبيئة قلبه تارة ويضمرها أخري، وأما شاعرنا فکان في جانب من ذلک، إماميا صادق التشيع، مواليا لاهل بيت الوحي، متفانيا في ولائهم، ويجد الباحث في خلال شعره بينات تظاهره بالتهالک في ولاء آل الله، وبثه الدعوة إليهم بحججه القوية، والتفجع في مصابهم والذب عنهم، والنيل من مناوئيهم، واعتقاده فيهم أنهم وسايله إلي المولي في الحاضرة، وواسطة نجاحه في الآخرة.

وکان من مصاديق الآية الکريمة يخرج الحي من الميت فإن نصب جده السندي إبن شاهک وعدائه لاهل البيت الطاهر وضغطه وإضطهاده الامام موسي بن جعفر صلوات الله عليه في سجن هارون مما سار به الرکبان، وسودت به صحيفة تاريخه، إلا أن حفيده هذا باينه في جميع نزعاته الشيطانية، فهو من شعراء أهل البيت المجاهرين بولائهم، المتعصبين لهم، الذابين عنهم ولا بدع فإن الله هو الذي يخرج الدر من بين الحصي، وينبت الورد محتفا بالاشواک، فمن نمازج شعره في المذهب قوله:


بکاء وقل غناء البکاء
علي رزء ذرية الانبياء


لئن ذل فيه عزيز الدموع
لقد عز فيه ذليل العزاء


أعاذلتي إن برد التقي
کسانيه حبي لاهل الکساء


سفينة نوح فمن يعتلق
بحبهم يعتلق بالنجاء

[صفحه 16]

لعمري لقد ضل رأي الهوي
بأفئدة من هواها هوائي


وأوصي النبي ولکن غدت
وصاياه منبذة بالعراء


ومن قبلها أمر الميتون
برد الامور إلي الاوصياء


ولم ينشر القوم غل الصدو
رحتي طواه الردي في رداء


ولو سلموا لامام الهدي
لقوبل معوجهم باستواء


هلال إلي الرشد عالي الضيا
وسيف علي الکفر ماضي المضاء


وبحر تدفق بالمعجزات
کما يتدفق ينبوع ماء


علوم سماوية لا تنال
ومن ذا ينال نجوم السماء ؟


لعمري الاولي جحدوا حقه
وما کان أولاهم بالولاء


وکم موقف کان شخص الحمام
من الخوف فيه قليل الخفاء


جلاه فإن أنکروا فضله
فقد عرفت ذاک شمس الضحاء


أراها العجاج قبيل الصباح
وردت عليه بعيد المساء


وإن وتر القوم في بدرهم
لقد نقض القوم في کربلاء


مطايا الخطايا خذي في الظلام
فماهم إبليس غير الحداء


لقد هتکت حرم المصطفي
وحل بهن عظيم البلاء


وساقوا رجالهم کالعبيد
وحادوا نساءهم کالاماء


فلو کان جدهم شاهدا
ليتبع أظعانهم بالبکاء


حقود تضرم بدرية
وداء الحقود عزيز الدواء


تراه مع الموت تحت اللوا
ء والله والنصر فوق اللواء


غداة خميس إمام الهدي
وقد غاث فيهم هزبر اللقاء


وکم أنفس في سعير هوت
وهام مطيرة في الهواء


بضرب کما انقد جيب القميص
وطعن کما انحل عقد السقاء


وخيرة ربي من الخيرتين
وصفوة ربي من الاصفياء


طهرتم فکنتم مديح المديح
وکان سواکم هجاء الهجاء


قضيت بحبکم ما علي
إذا ما دعيت لفصل القضاء

[صفحه 17]

وأيقنت أن ذنوبي به
تساقط عني سقوط الهباء


فصلي عليکم إله الوري
صلاة توازي نجوم السماء


وقوله في مدحهم صلوات الله عليهم:


آل النبي فضلتم
فضل النجوم الزاهره


وبهرتم أعدائکم
بالمأثرات السائره


ولکم مع الشرف البلا
غة والحلوم الوافره


وإذا تفوخر بالعلا
منکم علاکم فاخره


هذا وکم أطفأتم
عن أحمد من نائره


بالسمر تخضب بالنجيع
وبالسيوف البائره


تشفي بها أکبادکم
من کل نفس کافره


ورفضتم الدنيا لذا
فزتم بحظ الآخره


وقوله:

في ولاء أميرالمؤمنين عليه السلام مشيرا إلي ما رويناه ص 26 في الجزء الثالث مما ورد في حب أميرالمؤمنين:


حب الوصي مبرة وصله
وطهارة بالاصل مکتفله


والناس عالمهم يدين به
حبا ويجهل حقه الجهله


ويري التشيع في سراتهم
والنصب في الارذال والسفله


وقوله في المعني:


حب علي علو همه
لانه سيد الائمه


ميز محبيه هل تراهم
إلا ذوي ثروة ونعمه ؟!


بين رئيس إلي أديب
قد أکمل الطرف واستتمه


وطيب الاصل ليس فيه
عند امتحان الاصول تهمه


فهم إذا خلصوا ضياء
والنصب الظالمون ظلمه


هذه الابيات ذکرها له الثعالبي في ثمار القلوب(ص 136 في وجه إضافة السواد إلي وجه الناصبي، ويأتي مثله في ترجمة الناشي الصغير.

[صفحه 18]

ولکشاجم يرثي آل الرسول صلي الله عليه وآله قوله:


أجل هو الرزء فادحه
باکره فاجع ورائحه


لاربع دار عفا ولا طلل
أوحش لمانأت ملاقحه


فجائع لودري الجنين بها
لعاد مبيضة مسالحه


يابؤس دهرعلي آل رسو
ل الله تجتاحهم جوائحه[1] .


إذا تفکرت في مصابهم
أثقب زند الهموم قادحه


بعضهم قربت مصارعه
وبعضهم بوعدت مطارحه


أظلم في کربلاء يومهم
ثم تجلي وهم ذبائحه


لا يبرح الغيث کل شارقة
تهمي غواديه أو روائحه


علي ثري حلة غريب رسو
ل الله مجروحة جوارحه


ذل حماه وقل ناصره
ونال أقصي مناه کاشحه


وسيق نسوانه طلاح[2] .
أحسن أن تهادي بهم طلائحه


وهن يمنعن بالوعيد من الن
وح والملا الاعلي نوائحه


عادي الاسي جده ووالده
حين استغاثتهما صوائحه


لو لم يرد ذو الجلال حربهم
به لضاقت بهم فسائحه


وهو الذي اجتاح حين ما عقر
ت ناقته إذ دعاه صالحه


ياشيع الغي والضلال ومن
کلهم جمة فضائحه


غششتم الله في أذية من
إليکم أديت نصائحه


عفرتم بالثري جبين فتي
جبريل قبل النبي ماسحه


سيان عند الاله کلکم
خاذله منکم وذابحه


علي الذي فاتهم بحقهم
لعن يغاديه أو يراوحه


جهلتم فيهم الذي عرفه البي
ت وما قابلت أباطحه


إن تصمتوا عن دعائهم فلکم
يوم وغي لايجاب صائحه

[صفحه 19]

في حيث کبش الردي يناطح من
أبصر کبش الوري يناطحه


وفي غد يعرف المخالف من
خاسر دين منکم ورابحه


وبين أيديکم حريق لظي
يلفح تلک الوجوه لافحه


إن عبتموهم بجهلکم سفها
ما ضر بدر السماء نائحه


او تکتموا الحق فالقرآن مشکله
بفضلهم ناطق وواضحه


ما أشرق المجد من قبورهم
إلا وسکانها مصابحه


قوم أبي حد سيف والدهم
للدين أو يستقيم جامحه


وهو الذي استأنس الزمان به
والدين مذعورة مسارحه حاربه


القوم وهو ناصره
قدما وغشوه وهو ناصحه


وکم کسي منهم السيوف دما
يوم جلاد يطيح طائحه


ما صفح القوم عندما قدروا
لما جنت فيهم صفائحه


بل منحوه العناد واجتهدوا
أن يمنعوه والله مانحه


کانوا خفافا إلي أذيته
وهو ثقيل الوقار راجحه


وله قوله:


زعموا أن من أحب عليا
ظل للفقر لابسا جلبابا


کذبوا من أحبه من فقير
يتحلي من الغني أثوابا


حرفوا منطق الوصي بمعني
خالفوا إد تأولوه الصوابا


إنما قال ارفضوا عنکم الد
نيا إذا کنتم لنا أحبابا



صفحه 16، 17، 18، 19.





  1. جاحه واجاجه واجتاحه استأصله وأهلکه جوائح جمع جائحة البلية والداهية العظيمة.
  2. طلاح معيية من السفر.