عليٌّ من حيث السياسة











عليٌّ من حيث السياسة



من خلال التأمّل بما جاء عن النبيّ حيال عليّ، بإلقاء الأضواء علي الکيفيّة التي صدر بها ذلک، ثُمّ بتفحّص الأجواء التي انطلقت فيها تلک الحقائق، والأرضيّة التي تحرّکت عليها الخطابات النبويّة فيما أعلنت من مناقب ومکرمات علويّة؛ لا يبقي ثَمَّ شکّ بأنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان بصدد بيان الموقع الرفيع

[صفحه 58]

لقيادة المستقبل، وتحديد المسار إلي أفضل إنسان يتسنّم هذا الموقع، والمصداق الإلهي الوحيد لهذا العنوان.

علي هذا الضوء خطّ رسول اللَّه- للاُمّة والرسالة- قيادة الغد وسياسة المستقبل، بحيث راح يکتب جميع ما قاله علي هذا الصعيد وجهاً آخر عبر هذه الرؤية. بيدَ أنّ ما يعنينا الترکيز عليه في هذا المجال، هي تلک العناوين والأحاديث التي تمسّ هذه الحقيقة عن کثب وتتّصل بها علي نحو أوثق.

لقد سجّل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله للإمام عليّ موقع الأب في بيان طبيعة صلته بالاُمّة، وهو يقول: «حقّ عليّ بن أبي طالب علي هذه الاُمّة کحقّ الوالد علي ولده».

وها هو ذا النبيّ الأکرم يطلق علي عليّ لقب «سيّد العرب» و «سيّد المسلمين» و «سيّد الدنيا والآخرة»، حيث تکتسب هذه الألقاب إيحاءات خاصّة بلحاظ ما ل «السيادة» من معني.

کما کان من بين ما نَحلَه به من ألقاب اُخر تبعث علي الفخر وصْفه له ب «حجّة اللَّه» و «صاحب السرّ» و «الوزير» و «الوصيّ» و «الخليفة». أمّا تعبيره عنه بأنّ حزبه حزب اللَّه، و «عليّ منّي وأنا منه» فيحمل دلالات مکثّفة علي ما نحن فيه ومعاني خاصّة تدلّ عليه، بالأخصّ قوله: «عليّ منّي وأنا منه» و «لحمه لحمي ودمه دمي» بلحاظ ما تحمله هذه الألفاظ من مدلولات في إطار وثقافة ذلک العصر.

ثمّ يجي ء قول النبيّ: «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»[1] و «عليّ مع القرآن والقرآن معه»[2] ليدلّل بوضوح علي أنّ إطاعة عليّ إطاعة للَّه وللرسول، واتّباع

[صفحه 59]

للحقّ والقرآن، وأنّ عليّاً «محور» في القيادة والسياسة، وهو «سفينة النجاة» إذا ارتطمت- بالاُمّة- الأمواج، وأحاطت بها الحرکات العاتية، حيث يقول صلي الله عليه و آله: «مثل عليّ في هذه الاُمّة کمثل الکعبة». وقوله صلي الله عليه و آله: «يا عليّ مثلک في اُمّتي کمثل سفينة نوح من رکبها نجا ومن تخلّف عنها غرق».

لقد تواترت الأحاديث النبويّة التي تؤکّد علي لزوم حبّ عليّ، وتعدّ حبّه «حبّ اللَّه» و«حبّ رسول اللَّه»، وتنظر إلي حبّ أميرالمؤمنين ک «فريضة» و «عبادة»، بل تخطّت مدلولات الحديث النبوي ذلک کلّه، وهي تسجّل أنّ حبّ عليٍّ هو من دين اللَّه بالصميم؛ تداخل مع أصله وامتزج بأساسه، حيث قال صلي الله عليه و آله: «لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق، وحبّه إيمان وبغضه کفر».[3] .

وقال: «من أحبّ عليّاً فقد اهتدي».[4] .

وفي المقابل ارتبط بغض عليّ بالکفر، حيث عدّ النبيّ مبغضيه منافقي الاُمّة، وعدّ أعداءه ومناوئيه أعداءً للَّه وللرسول.

لقد جاء ذلک کلّه من أجل فتح جبهة مترامية الأطراف تمتدّ بامتداد التاريخ نفسه، لتجعل من عليّ بؤرةً يرتبط بها أهل الحقّ بحزامٍ وثيقٍ وتدع مواضع المناوئين لعليّ ومخالفيه تتواصل مع خنادق الظلمة وأهل الباطل؛ لتشقّ الطريق في نهاية المآل إلي حرکة سياسيّة مستقبليّة قويمة، من أجل سياسة الغد ومرحلة ما بعد النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله.

لقد بلغ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بهذا الجهد المستقبلي الصادح بالحقّ، ذروته في واقعة

[صفحه 60]

«غدير خم»، عندما أعلي عليّاً أمام الاُلوف وعلي رؤوس الأشهاد قائداً للمستقبل، بصراحة ومن دون لبس، في مشهدٍ أخّاذ لاتمحوه الذاکرة، ممّا ستأتي تفاصيله في صفحات هذه المجموعة.

إنّ العناوين والأوصاف التي اختارها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لعليّ جاءت بأجمعها هادفةً موحيةً. فما جاء علي لسان النبيّ في صفة عليّ من أنّه «حبل اللَّه المتين»، «عمود الدين»، «يعسوب المؤمنين»، «راية الهدي»، «مدينة الهدي»، «الصدّيق الأکبر»، «الفاروق الأعظم» و «وليّ کلّ مؤمن بعدي» يکفي کلّ واحد منها ليخطّ للإمام الموقع الأفضل والمکانة الأسمي.

أمّا ما جاء عن النبيّ من مضامين مفادها: أفلح من اتّبعک، وضلّ عن السبيل من حادَ عنک، وليس من سبيل للمؤمنين إلي معرفتي أقوم منک، ولولاک ما عرفني مؤمن، ففيه دلالة علي أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان يفکّر من خلال هذه المقولات بأهمّ ما يشغله، متمثّلاً بهداية الاُمّة واستقامتها علي طريق الحقّ؛ يترسّم لذلک العلاج ويحدّد لها الطريق، لکي تهتدي الاُمّة بذلک، وتعثر علي سبيل الجنّة وتنأي عن النار المحرقة.

لقد أخذت مهمّة إبراز هذه الحقائق وإشاعة هذه التعاليم المنقذة علي النبيّ حياته کلّها، بحيث لم يغفل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لحظة واحدة عن هذه الرؤية المستقبليّة، والتطلّع إلي ما وراء الحاضر، والتوجيه من أجل غدٍ مطمئنّ وضّاح.

إنّ هذه الموسوعة هي برمّتها دليل ناصع علي هذه الحقيقة، وأنّ أوضح قسم يدلّ عليها هو القسم الثالث منها.



صفحه 58، 59، 60.





  1. راجع: القسم الثالث/أحاديث العصمة:عليّ مع الحقّ.
  2. راجع: القسم الثالث/أحاديث العصمة/عليّ مع القرآن.
  3. راجع: القسم الرابع عشر/ خصائص محبّيه/الأيمان.
  4. راجع: القسم الرابع عشر/برکات حبّه/الاهتداء.