مُعاويَةُ بن يَزيدِ بن مُعاويَة











مُعاويَةُ بن يَزيدِ بن مُعاويَة[1]



.

3985- حياة الحيوان الکبري- بعد ذکر خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان-: ثمّ قام بالأمر بعده ابنه معاوية، وکان خيراً من أبيه، فيه دين وعقل، بويع له بالخلافة يوم موت أبيه، فأقام فيها أربعين يوماً، وقيل: أقام فيها خمسة أشهر وأيّاماً، وخلع نفسه، وذکر غير واحد أنّ معاوية بن يزيد لمّا خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلاً، ثمّ حمد اللَّه وأثني عليه بأبلغ ما يکون من الحمد والثناء، ثمّ ذکر النبيّ صلي الله عليه و آله بأحسن ما يذکر به، يا أيّها الناس، ما أنا بالراغب في الائتمار

[صفحه 450]

عليکم؛ لعظيم ما أکرهه منکم، وإنّي لأعلم أنّکم تکرهوننا أيضاً؛ لأ نّا بلينا بکم وبليتم بنا، إلّا أنّ جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر من کان أولي به منه ومن غيره لقرابته من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعظم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدراً، وأشجعهم قلباً، وأکثرهم علماً، وأوّلهم إيماناً، وأشرفهم منزلةً، وأقدمهم صحبةً، ابن عمّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وصهره، وأخوه، زوّجه صلي الله عليه و آله ابنته فاطمة، وجعله لها بعلاً باختياره لها، وجعلها له زوجةً باختيارها له، أبوسبطيه؛ سيّدي شباب أهل الجنّة، وأفضل هذه الاُمّة، تربية الرسول، وابني فاطمة البتول، من الشجرة الطيّبة الطاهرة الزکيّة، فرکب جدّي معه ما تعلمون، ورکبتم معه ما لا تجهلون، حتي انتظمت لجدّي الاُمور، فلمّا جاءه القدر المحتوم، واخترمته أيدي المنون، بقي مرتهناً بعمله، فريداً في قبره، ووجد ما قدّمت يداه، ورأي ما ارتکبه واعتداه.

ثمّ انتقلت الخلافة إلي يزيد أبي، فتقلّد أمرکم لهوي کان أبوه فيه، ولقد کان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه علي نفسه، غير خليق بالخلافة علي اُمّة محمّد صلي الله عليه و آله، فرکب هواه، واستحسن خطاه، وأقدم علي ما أقدم من جرأته علي اللَّه، وبغيه علي مَن استحلّ حرمته من أولاد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقلت مدّته، وانقطع أثره، وضاجع عمله، وصار حليف حفرته، رهين خطيئته، وبقيت أوزاره وتبعاته، وحصل علي ما قدّم وندم حيث لا ينفعه الندم، وشغلنا الحزن له عن الحزن عليه، فليت شعري ماذا قال وماذا قيل له؟ هل عوقب بإساءته وجوزي بعمله؟ وذلک ظنّي.

ثمّ اختنقته العبرة، فبکي طويلاً وعلا نحيبه، ثمّ قال: وصرت أنا ثالث القوم، والساخط عليَّ أکثر من الراضي، وما کنت لأتحمّل آثامکم، ولا يراني اللَّه جلّت قدرته متقلّداً أوزارکم وألقاه بتبعاتکم، فشأنکم أمرکم فخذوه، ومن رضيتم به

[صفحه 451]

عليکم فولّوه، فلقد خلعت بيعتي من أعناقکم....

واللَّه لئن کانت الخلافة مغنماً لقد نال أبي منها مغرماً ومأثماً، ولئن کانت سوءاً فحسبه منها ما أصابه.

ثمّ نزل فدخل عليه أقاربه واُمّه، فوجدوه يبکي، فقالت له اُمّه: ليتک کنت حيضة ولم أسمع بخبرک!! فقال: وددتُ واللَّه ذلک، ثمّ قال: ويلي إن لم يرحمني ربّي.

ثمّ إنّ بني اُميّة قالوا لمؤدّبه عمر المقصوص: أنت علّمته هذا ولقّنته إيّاه، وصددته عن الخلافة، وزيّنت له حبّ عليّ وأولاده، وحملته علي ما وَسَمَنا به من الظلم، وحسّنت له البدع حتي نطق بما نطق وقال ما قال، فقال: واللَّه ما فعلته! ولکنّه مجبول ومطبوع علي حبّ عليّ، فلم يقبلوا منه ذلک، وأخذوه ودفنوه حيّاً حتي مات.[2] .

3986- تاريخ اليعقوبي: ثمّ ملک معاوية بن يزيد بن معاوية، واُمّه اُمّ هاشم بنت أبي هاشم بن عُتبة بن ربيعة أربعين يوماً، وقيل: بل أربعة أشهر، وکان له مذهب جميل، فخطب الناس، فقال:

أمّا بعد حمد اللَّه والثناء عليه، أيّها الناس! فإنّا بُلينا بکم وبُليتم بنا، فما نجهل کراهتکم لنا وطعنکم علينا، ألا وإنّ جدّي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من کان أولي به منه في القرابة برسول اللَّه، وأحقّ في الإسلام، سابق المسلمين، وأوّل المؤمنين، وابن عمّ رسول ربّ العالمين، وأبابقيّة خاتم المرسلين، فرکب منکم ما تعلمون ورکبتم منه ما لا تنکرون، حتي أتته منيّته وصار رهناً بعمله، ثمّ

[صفحه 452]

قُلّد أبي وکان غير خليق للخير، فرکب هواه، واستحسن خطأه، وعظم رجاؤه، فأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل، فقلّت منعته، وانقطعت مدّته، وصار في حفرته، رهناً بذنبه، وأسيراً بجرمه.

ثمّ بکي، وقال: إنّ أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الحرمة، وحرق الکعبة، وما أنا المتقلّد اُمورکم، ولا المتحمّل تبعاتکم، فشأنکم أمرکم، فوَاللَّه لئن کانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظّاً، وإن تکن شرّاً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها.[3] .



صفحه 450، 451، 452.





  1. معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، أبوليلي الخليفة. بويع بعهد من أبيه. وکان شابّاً ديِّناً خيراً من أبيه. فولِّي أربعين يوماً، وقيل: ثلاثة أشهر، وقيل: بل ولِّي عشرين يوماً. ومات وله ثلاث وعشرون سنة، وقيل: إحدي وعشرون سنة، وقيل: بل سبع عشرة سنة. وامتنع أن يعهد بالخلافة إلي أحد (راجع سير أعلام النبلاء: 46:139:4).
  2. حياة الحيوان الکبري: 57:1.
  3. تاريخ اليعقوبي: 254:2.