كلام النبيّ نافذة لمعرفة عليّ











کلام النبيّ نافذة لمعرفة عليّ



عليٌّ سرّ الوجود المکتوم؛ وهل ثَمَّ سبيل إلي اکتناه هذا السرّ وفتح مغاليقه سوي الاستمداد من أعلم شخصيّة في الوجود وأدراها بالسرّ؟ إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله

[صفحه 52]

لأعرف الوجود بالسرّ، وهو إلي ذلک مُعلّم الإمام عليه السلام ومُربّيه، وقد کان الإمام عليه السلام تلميذه ورفيق دربه وقرينه.

لقد أخذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً وضمّه إليه صغيراً، ثمّ تمتم بنداء الوحي في ثنايا روحه وجوانبها، فطفقت أعماق وجود عليّ تفوح بشذي عطر التعاليم الإلهيّة وتنضح بنداها.

وهکذا کان عليٌّ ماثلاً أمامه بکلّ وجوده کالمرآة الصافية. وعندما کان النبيّ يتحدّث عنه فإنّما يتحدّث بمثل هذه النظرة ومن خلالها.

ولک أن تتأمّل هذا الوصف العلوي الأخّاذ الناطق، في بيان الصلة فيما بينهما (صلوات اللَّه وسلامه عليهما)؛ إذ يقول أميرالمؤمنين:

«وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلي صدره، ويکنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عَرفه، وکان يمضغ الشي ء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي کذبةً في قول، ولا خطلةً في فعل، ولقد قرن اللَّه به صلي الله عليه و آله من لدن أن کان فطيماً أعظم ملک من ملائکته يسلک به طريق المکارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره. ولقد کنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه، يرفع لي في کلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد کان يجاور في کلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وخديجة وأنا ثالثهما. أري نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة.

ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه و آله، فقلت: يا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنّک تسمع ما أسمع، وتري

[صفحه 53]

ما أري، إلّا أنّک لستَ بنبيٍّ، ولکنّک لَوزير وإنّک لعلي خير».[1] .

إنّ رسول اللَّه عليه السلام موصول بمصدر الوحي ومنبثق الإلهام، ومن ثَمَّ فما يقوله هو انعکاس لتجلّيات ربّانيّة، وتجلٍّ لحقائق الوحي، وهو تبلور لکلام اللَّه سبحانه. فعندما يتحدّث النبيّ عن عليّ فکأنّ الذي يتحدّث عنه هو اللَّه جلّ جلاله، وهو سبحانه الذي يکشف الستر والأسرار، ويزيح الحُجب عن الشخصيّة السامقة لإمام الإنسانيّة.

وحيثُ نطلّ علي المشهد من زاوية اُخري؛ فإنّ عليّاً هو نظير رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وهو مثيله.

وعلي ضوء الکلام الالهي الساطع: «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَکُمْ» فإنّ عليّاً عليه السلام هو نفس رسول اللَّه صلي الله عليه و آله له جميع ما للنبيّ الأقدس من مقامات ظاهريّة وباطنيّة ما خلا النبوّة. فعندما يتحدّث رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عن الإمام أميرالمؤمنين ويکشف عن مؤهّلاته وما يحظي به من جدارة، إنّما يضع في الحقيقة امتداده الوجودي بين يدي الآخرين، ويعرض نظيره ويعرّف به من أجل الأهداف السياسيّة والاجتماعيّة العالية للاُمّة الإسلاميّة، ويقدّم إلي الناس کافّة أفضل وأسمي شخصيّة نشأت في ظِلال الأنوار الإلهيّة الساطعة.



صفحه 52، 53.





  1. راجع: المکانة عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، القرابة القريبة.