عليٌّ السرّ المكتوم











عليٌّ السرّ المکتوم



لشخصيّة أميرالمؤمنين أبعاد مجهولة وواسعة، ومن ثمّ فقد اعترف الکثيرون علي امتداد التاريخ بعجزهم عن الارتقاء إلي مکامن تلک الشخصيّة التي لا نظير لها في تاريخ الإسلام. بيدَ أنّ هذه الحقيقة تجلّت علي أسمي وجه وأتمّه في کلام النبيّ صلي الله عليه و آله.

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «ما عرفک يا عليّ حقّ معرفتک إلّا اللَّه وأنا».

لکن ما قدر ما أظهره النبيّ من تلک المعرفة؟ وکم کان يطيق المجتمع من تلک الحقائق؟ وکيف تعاملت- الاُمّة- مع ما أبداه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأظهره؟!

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «لولا أن يقول فيک الغالون من اُمّتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم؛ لقلتُ فيک قولاً لا تمرّ بملأ من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميک يستشفون به».

أجل؛ إنّ الاُمّة لا تطيق سطوع حقيقة شخصيّتک، ولا تتحمّل ظهور فضائلک ومناقبک کما هي، وليس للآذان قدرة علي الإصغاء إليها، ولا للنفوس قابليّة الانغمار بها والارتواء من نميرها.

مع ذلک کلّه، تبقي أجمل الصيغ عن شخصيّة أميرالمؤمنين وأسماها، وأنطق الأوصاف وأبلغها وأثراها دلالةً فيما جاء؛ هي تلک التي نجدها في کلام النبيّ المصطفي صلي الله عليه و آله.

بيد أنّ السؤال: هل يعبّر ما احتوته صفحات الآثار المکتوبة من الکلمات

[صفحه 51]

المحمّديّة حيال الإمام عن جميع ما کان، أم إنّ کثيراً من تلک الحقائق بقي رهين الصدور خشية الأذي وخوف التبعات، ثم دُفن مع أهله واندثر مع أصحابه؟

لسنا نريد في هذه المقدّمة أن نُزيح الستار عن هذا المشهد من التاريخ الملي ء بالغصص، لکنّنا نؤکّد أنّ ما بقي هو غيض من فيض، وما وصل إلينا محض اُمثولات من حقائق ما برحت ثاويةً في صدر التاريخ، غائرةً في أحشائه، ومُجرّد أحاديث قصار من کلام سامق طويل لم يُبَح به.

عجباً واللَّه! إنّ اُولئک الذين لم يطيقوا أشعّة الشمس، لم يرضَوا بهذا القليل ولم يتحمّلوه؛ إذ سرعان ما أصدروا حکمهم عليه ب «الوضع» عناداً من عند أنفسهم، وجنوحاً عن الحقّ، ومعاداةً للفضيلة، ثمّ ما لبثوا أن سعَوا بذريعة «الوضع» إلي إبعاد هذا القليل عن ساحة الثقافة ومضمار الفکر، وحذفه من صفحات أذهان الناس.

أما في المواضع التي استعصت فيها تلک الفضائل علي التکذيب بما لها من قوّة ومن تلألؤ ساطع، فقد بادر اُولئک إلي التحريف المعنوي، وتوسّلوا بتوجيهات غير منطقيّة وبجهود عقيمة، علّهم ينالوا بها شيئاً من تشعشع أنوار الحقّ، ويقلّلوا من امتداده.

وفي هذا المضمار نسجّل بأسف: ما أکثر الکتابات التي اُهملت بسبب هذه الهجمات الثقافيّة، وما أکثر ما ضاع!



صفحه 51.