بحث حول مدح الإمام نفسه











بحث حول مدح الإمام نفسه



إنّ أحد الفصول التربويّة الثمينة الموقظة في خطب الإمام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ورسائله هي الکلمات التي تعکس أبعاداً من شخصيّته الفريدة. وما سوف نعرضه في هذا الفصل يمثّل شذرات من تلک الکلمات الدرّيّة، وستأتي نماذج اُخري من کلماته عليه السلام في طيّات فصول الکتاب المتنوّعة.

إنّ النظرة السطحيّة العابرة لهذه الکلمات قد توحي بأنّ الإمام کان يمدح نفسه، ولعلّها تسوق القارئ إلي القول بأنّ مثل هذه الکلمات تتنافي مع قوله تعالي «فَلَا تُزَکُّواْ أَنفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَي».[1] علماً أنّه عليه السلام قد أشار إلي ذلک بقوله: «ولولا ما نهي اللَّهُ عنه من تزکية المرء نفسَهُ، لَذَکَرَ ذاکرٌ فضائلَ جمّةً»(694).[2] .

[صفحه 188]

وهذا الکلام يمکن أن يکون آيةً علي مسار تزکية النفس وکيفيّته، وجوازه أو حظره.

لاشکّ أنّ الإمام عليّاً عليه السلام کان يقوم بواجب شرعيّ لا مناص منه؛ إذ لو کانت تزکية المرء نفسه کذباً فهي محرّمة، ولو کانت صدقاً- ولا مصلحة ملزمة فيها- فهي لا جَرمَ مذمومة، وأمّا لو کانت ذات مصلحة فهي محمودة لا محالة.

وخلاصة القول: لو ترتّبت عليها مصالح مهمّة ملزمة وکانت تصبّ في اتّجاه إحقاق الحقّ والدفاع عن الحقوق فلا نرتاب في وجوبها، وإذا صدف عنها الإنسان بذريعة عدم التحدّث عن النفس فذلک مذموم وحرام، وهو يمهّد لضياع الحقائق والقيم....

ومن هنا فإنّنا حينما نلاحظ کلمات المدح عند الإمام نلمس فيها دفاعاً عن شخصيّة إنسان مظلوم؛ ألجأه الواجب إلي إماطة اللثام عن حقٍّ ضائع مکتوم، في ظروف لم يَحُلْ فيها مساعير الفتنة دون قول الحقّ فحسب، بل تقوّلوا وافتَرَوا وتخرّصوا لتشويه صورة الحقّ. ولقد تحدّث الإمام عليه السلام من أجل قشع الغمائم السوداء عن سماء الحياة الفکريّة للمجتمع، وإراءة ما کان، وما جري علي الحقّ، وإلّا فإنّ حقيقة حياته الصادقة عليه السلام وشخصيّته الرفيعة هما أعظم شأناً من أن يتحدّث عن نفسه، أو أن يُمني بحبّ الذات! ويتسنّي لنا أن نحلّل بعض التساؤلات المثارة حول مدح الإمام ذاته، وتحدّثه بفضائله ومعالم عظمته بما يأتي:



صفحه 188.





  1. النجم: 32.
  2. نهج البلاغة: الکتاب 28، الاحتجاج: 90:419:1.